أهالي لفتا في قضاء القدس يواجهون التهويد
ندد أهالي لفتا المجتمعين في مقر جمعيتهم الأسبوع الماضي بالمخطط الاحتلالي الذي يهدف إلى سرقة ما تبقى من أراضي البلدة وطالبوا منظمة اليونسكو التدخل السريع والعمل على وقف سياسة تهويد القرية وتدمير التراث الفلسطيني والعربي وهدم الآثار والبيوت والمساجد وعيون الماء والمقابر التي تقع في حدود أراضي البلدة. لفت أهالي لفتا، القرية المهجرة منذ 1948، إلى أن السلطات الصهيونية تنوي تطبيق المخطط رقم 6036 الذي يرمي إلى تدمير معظم بيوت القرية لإقامة مشروعا بدأ الحديث عنه منذ 1984.
الموقع
تقع قرية لفتا على بعد خمس كلم شمال غربي القدس. والقرية هي واحدة من ثلاثة لم يتم تدميرها بعد تهجير أهلها، كقرية عين كارم القريبة منها في منطقة القدس وقرية عين حوض في منطقة حيفا التي حوّلت الى قرية للفنانين اليهود، في حين دمّر العدو 530 قرية وبلدة فلسطينية كليا أو جزئيا في الأراضي التي احتلها عام 1948. غير ان المؤسسة الصهيونية ترفض السماح لأهل هذه القرى المهجرة بالعودة اليها. فهم يشكلون جزءا من اللاجئين الفلسطينيين، أي لاجئي الداخل. رغم انهم يعيشون في البلاد إلا انه غير مسموح لهم العودة الى قراهم وبلداتهم حتى ولو لم يسكنها المستوطنون. ويشكل لاجئو الداخل حوالي ثلث أهلنا في الاراضي المحتلة عام 1948.
عدد أهالي لفتا
لم تدمّر القرية لكن تم تهجير أهلها البالغ عددهم ثلاثة آلاف نسمة عام 1948 ويبلغ مجموع اللاجئين من هذه القرية اليوم حوالي 42000 نسمة، هُجر سكانها الى قرى ومدن الضفة الغربية والدول العربية وقسم آخر الى أحياء وحارات القدس كحي الشيخ جراح.
ومنذ ذلك الوقت يحاول أهالي القرية العودة إليها والاستفادة من كل تحرك صهيوني فيها للمطالبة بحقهم وهو العودة إلى القرية وإعادة تأهيل منازلها ومسجدها والاستفادة من عين الماء والبركة واسترجاع البعض من أراضيها كما يطالبون بامكانية دفن موتاهم في مقبرتها التي ما زالت واضحة المعالم رغم السنين والإهمال القسري الذي لحق بها.
والجدير بالذكر ان القرية هي الوحيدة التي لم يسكنها المستوطنون حتى هذه الأيام من بين القرى الثلاثة التي لم تهدم. فلذلك يعتبر أهلها أن معركتهم للعودة اليها ممكنة اذا تضافرت الجهود والتحركات الشعبية والاعلامية. فهم من ناحية ينتمون الى منطقة القدس التي تم احتلالها والسيطرة عليها من قبل الكيان الصهيوني رغما عما يسمى ب"الارادة الدولية" عام 1948 ومن ناحية أخرى فهم جزء من لاجئي الداخل الذين يقومون منذ سنوات عديدة بتحركات شعبية للمطالبة بالعودة الى قراهم الأصلية.
قصة لفتا ما بعد النكبة هي قصة قرية بقيت بيوتها الجميلة والواسعة شاهدة على نكبة وقعت منذ أكثر من ستين عاما. كان عدد بيوتها قبل هدمها قرابة 450 بيتا لم يبق منها الاّ 55 بيتا. فمن يستطيع الدخول الى لفتا والى بيوتها يلاحظ متانة ورونق حجرها وصلابة جدرانها رغم بعض الشعارات العنصرية التي خلفها مستوطنون أو أرقام كتب عليها بالعبري "ملك خاص – الدخول ممنوع" و يلاحظ أيضا ماذا فعل بها هؤلاء المستوطنين : في كل زاوية من زوايا بيوتها، بقايا وآثار تعاطي المخدرات وهنا، في هذه البيوت الصامدة، يتم تصوير أفلام اثارة وأغاني للشركات اليهودية. لقد استولى عدد من اليهود على بعض بيوتها ورفعوا الاعلام الاسرائيلية عل سطحها. أما المسجد فقد تم تدنيسه وغطت الكتابات والشعارات أرضيته وجدرانه.
بوابة القدس
يقال عنها بوابة القدس الغربية والشمالية لأن كل من يدخل الى القدس الشريف لا بد وأن يمر من أراضيها التي كانت قبل 1948 تضم قسما من الأراضي التي أقيمت عليها مستوطنة التلة الفرنسية وأخريات. اعتبر احصاء 1945 في أيام الاحتلال البريطاني ان القرية هي الثانية من حيث مساحة مسطح القرية بين قرى مدينة القدس. بلغت مساحة أراضي لفتا في عام 1945، 8743 دونمًا حسب الوثائق البريطانية وخريطة فلسطين، وحدودها حسب هذه الأخيرة لعام 1945، هي من الشمال قرى شعفاط وبيت حنينا وبيت أكسا، ومن الغرب بيت إكسا وقالونيا ومن جهة الجنوب، مدينة القدس ودير ياسين ومن جهة الشرق، قرى طور والعيسوية وشعفاط.
بسبب اتساع مساحة قرية لفتا ، أقام العدو على اراضيها بعد عام 1948 الكثير من مؤسساته والعديد من الوزارات والبنك المركزي وأحياء سكنية كثيفة كحي (روميما) –حيث مبنى التلفزيون الاسرائيلي الرئيس.
مخطط 1636 لتدمير القرية
فالمشروع الذي تشرف عليه وتتولى تنفيذه دائرة أراضي اسرائيل وبلدية الاحتلال في القدس يحمل رقم 1636 وهو مخطط "حي مي-نفتواح"، ودائرة أراضي اسرائيل هي السلطة الرسمية "الاسرائيلية" التي سيطرت على معظم الأراضي والقرى الفلسطينية بعد تهجير سكانها بمفعول ما يسمى قانون "أملاك الغائبين".
فقد بدأ الطاقم الهندسي بإعداد المخطط عام 1996 وانتهى منه في أواسط عام 2004 وتم الاعلان عنه فيما بعد في الجريدة الرسمية. ينطوي المشروع على إقامة حي سكني يضم 245 شقة فاخرة ومركزا تجاريا، وكنيس يهودي، ومتحف وفندق يحتوي على 120 غرفة، وحدائق عامة ومحمية طبيعية. ويدّعي المخطط أنه سيرمم بشكل جزئي بعض بيوت القرية القديمة مع إضافات عمرانية إليها وكل ذلك على مساحة 455 دونما من أراضي القرية وتحديدا في المنطقة التي بقيت فيها عشرات البيوت العربية بعد التهجير، وبالأخص في المنطقة حيث يتواجد مسجد القرية ومقبرتها ومعصرة الزيت وعين الماء وأشجار اللوز والتين والصبار.
وقد خصص المخطط قطعة أرض رقم 216 لإقامة مركز تجاري ووحدات سكن خاصة، علما انها القطعة التي يقوم عليها مسجد القرية. أما قطعة رقم 51 فخصصت لتكون محمية طبيعية، وهي القطعة التي تقوم عليها المقبرة.
لم يكن النداء الموجه من قبل أهالي قرية لفتا الى اليونسكو والعالم لحماية القرية والتحرك السريع لوقف المخطط التهويدي أول تحرك يقومون به. ففور الاعلان عن المخطط في الجريدة الرسمية ، باشر أهالى القرية الذين شكلوا "جمعية أهالي لفتا المهجرة" الى الاعتراض على المخطط: لقد تم في شهر شباط 2005 لقاءا داخل وزارة الداخلية الصهيونية للاعتراض على المشروع ضم كل من الجمعية وجمعيات فلسطينية أخرى وكذلك مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الاسلامية (التي أسسها رئيس الحركة الاسلامية في الداخل الشيخ رائد صلاح والتي تبنّت اسما آخر بعد الغارة الصهيونية عليها عام 2009 قبل مهرجان "الأقصى في خطر" في أم الفحم) بحضور ممثلين، من الجانب الصهيوني، عن اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء لمنطقة القدس، وممثلين عن مهندسي ومخططي المشروع.
العودة ممكنة ويجب الغاء المشروع
بالنسبة لمؤسسة الأقصى، فالمشروع تجاهل المسجد والمقبرة. فطالبت بتعيين مسجد القرية كمكان مقدس يجب المحافظة عليه وكذلك المقبرة في حين طالبت جمعية أهالي القرية عدم التعرض للقرية وتغيير معالمها مصرين على أنهم أولى من يحق لهم العودة الى قريتهم وإعمار بيوتهم التي هجروا منها قصرا عام 1948. فكان الرد على مؤسسة الأقصى انه يمكن جعل من المسجد مكانا عاما وليس مسجدا. رفض محامي المؤسسة وبشكل قاطع اعتبار المسجد والمقبرة أماكن عامة وقال يومها : "تحديد موقع المسجد كمكان عام يمكن بالواقع الفعلي جعله متحفًا، أو معرضًا، أو مطعمًا، أو مقهى أو ما شابه، وهذا ما حصل في أكثر من قرية من القرى المهجرة عام 1948، الأمر الذي يتنافى ويتعارض مع قدسية المسجد وحرمته".
أما محامي الجمعية، فقد طالب الغاء المشروع جملة وتفصيلا معتبرا ان الهدف الأساسي لبناء الشقق السكنية والمنتجع السياحي على أراضي لفتا هو محو القرية وتاريخها الفلسطيني العربي ولا علاقة للمشروع بما يسمى تنمية أو ما شابه وذلك لأن "هناك مساحات واسعة داخل حدود بلدية القدس يمكن إقامة مشاريع إسكانية وتجارية على اراضيها، دون المس ببيوت قرية لفتا".
أما اليوم، تقوم عدة مؤسسات في الداخل الفلسطيني بالمشاركة مع أهالي لفتا بمسيرات سنوية مطالبة بعودة اللاجئين الى القرية المهجرة كما تقوم جمعيات مقدسية بتنظيم زيارات لطلاب المدارس الى القرية للتعرف على معالمها وتاريخها. وذلك لمواجهة الهجمة الاستيطانية الرسمية التي شتنها مؤخرا المؤسسة الصهيونية بادعائها ان اليهود كانوا قد سكنوا قرية لفتا في الماضي وان البركة الموجودة فيها هي جزء من أماكن مقدسة يهودية. أصبحت القرية مزارا يهوديا منذ بضعة سنوات وذلك لمنع أي مطالبة فلسطينية بالعودة اليها. هنا أيضا يخترع الكيان تاريخا مفبركا لإضفاء شرعية على أعماله الاستيطانية ولفت انظار اليهود في العالم الى هذا المكان من أجل تمويل مشاريعه التهويدية الاحلالية.