أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الأردنية.. وضع سياسي واجتماعي مزرٍ وتزييف المعلومات الإحصائية!
الأربعاء، 15 شباط، 2012
تقتضي دراسة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن الوقوف على عددهم بادئ ذي بدء، وقد تبين أن عددهم قارب حوالى المليونين ونصف المليون نسمة، أي بنسبة تُقدر بأكثر من 60% بالمئة من مكان البلاد.يتوزع اللاجئون الفلسطينيون على جميع أرجاء الأراضي الأردنية، بما فيها عشرة مخيمات، من بينها أربعة أقيمت في العام 1948، أما المخيمات الستة الباقية فقد أُنشئت في العام 1967. ويوجد لاجئو عام 1948 في المخيمات التي تقرب من المدن والمراكز الحضارية، ومعظم اللاجئين الفلسطينيين في الأردن جاؤوا من المناطق الوسطى قبل عام 1948.
وتشكل المخيمات التالية مركز الثقل الأساسي للاجئين وهي: الوحدات، ماركا حطين، جبل الحسين، اربد، الحصن، الزرقاء، سوف، جرش، الطالبيه، البقعه. وتنتشر هذه المخيمات في العاصمة عمان، واربد شمال الاردن، بالاضافة الى وسط الاردن حيث توجد 4 مخيمات.بعد قرار فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية، أصبح بعض الفلسطينيين يحملون جوازات سفر أردنية موقتة صالحة لسنتين أو خمس سنوات، إلا أنها ليست دليلاً على المواطنة أو الجنسية الأردنية، ما أوقع معظم العائلات الأردنية تحت رحمة النظام الأردني، حيث بات بمقدور الأخير طردهم من الأردن في أي لحظة سياسية يشاءها، دون قدرة للمواطن الفلسطيني على الدفاع عن حقه بالوجود والاستقرار. العلاقة بالحكومة تعتبر دائرة الشؤون الفلسطينية منذ العام 1998 التابعة لوزارة الشؤون الخارجية، المعنية الأولى بمطالب الفلسطينيين، ويتم الاتصال ما بين اللاجئين وهذه الدائرة عن طريق لجان الخدمات التطويرية في المخيمات والتي تأسست عن طريق الدائرة في العام 1998.وتعتبر هذه اللجان، الممثل عن المخيمات لدى الحكومة الأردنية، رغم أنها لا تنتخب من قبل اللاجئين، وإنما تعين من قبل المدير العام لدائرة الشؤون الفلسطينية بالتعاون مع المحافظ الإداري للمنطقة التي يقع فيها المخيم. وتنفذ هذه اللجان مهامها في المخيمات بالتعاون مع الدائرة وبإشرافها التام. الأوضاع الاقتصادية تفيد التقارير الصحافية والحقوقية الواردة عن المخيمات في الأردن - كتقارير منظمة فافو- بأن اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الأردن يعانون أوضاعا صعبة من جميع الجوانب الحياتية، فهم يعيشون في منازل سيئة البنيان، ويعانون الكثير من المشاكل الصحية والنفسية ومن نسب بطالة عالية ودخل مالي محدود جدا. ويفيد أحد التقارير أن اكثر من 40% من اللاجئين في الأردن هم دون سن الخامسة عشرة - مجتمع فتي - ولذلك فهم غير مشمولين في إحصائيات قوى العمل في أوساط اللاجئين من مجموع قواهم العاملة، ويعتبر اقل من نصفهم نشطاً وفاعلاً، إذ عادة ما تشغل القوى العاملة الفلسطينية كعمال مهرة وسائقين ومستخدمين في قطاع الخدمات. يشار إلى أن نسبة 20% من هذه القوى هي من المدرسين والمدراء إلى جانب 15% يعملون في وظائف عادية. ويفيد التقرير أن اكثر من 25% من اسر المخيمات تحصل على دخل سنوي مقداره اقل من 900 دينار أردني أي ما يساوي 640 دولارا في السنة فقط !وهذا يعود بالأساس الى معدلات البطالة المنتشرة بين الشباب في المخيمات وقلة مشاركة من هم اكبر سناً في سوق العمل، إلى جانب تدني مستوى الأجور. وأفاد التقرير أيضا أن دخل 6% من اللاجئين في المخيمات يتراوح بين 3600 دينار و2550 دولارا سنوياً مقارنة مع 20% من باقي الأسر. الأوضاع الديمغرافية يعتبر سكان المخيمات ملحقين بالمناطق المجاورة لهم، حيث تقوم المسوحات السكانية الأردنية بشملهم مع سكان تلك المناطق، وذلك بغية عدم تقديم صورة الوضع الديمغرافي الحقيقية لأعداد الفلسطينيين في الأردن ما قد يؤدي، في حال تبني الدولة الأرقام الحقيقية بشكل رسمي، إلى مطالبة الفلسطينيين بحقوق سياسية واجتماعية توازي حجمهم السكاني.وقد بلغ معدل الزيادة السنوية 3% مع الانخفاض في معدل الوفيات عند الأطفال، فقد بلغ معدل وفيات الرضع في الأردن حوالى 24 حالة وفاة لكل الف مولود حتى عام 1994 ، بينما بلغ معدل وفيات الأطفال دون الخامسة حوالى 25 حالة لكل الف مولود في الفترة نفسها.ويعد المجتمع الفلسطيني، في مخيمات اللاجئين في الاردن، مجتمعًا فتيًا، فقد بلغت نسبة من هم دون الخامسة عشرة من العمر حوالى 42.6% من مجموع اللاجئين المسجلين في الأردن. الأوضاع التعليمية تعتبر نسبة المتعلمين في المجتمع الفلسطيني مرتفعة بشكل ملحوظ، وذلك يعود لإدراك الفلسطينيين أهمية العلم والمعرفة في مواجهة التحديات التي فرضت عليهم، خاصة أن أرضهم سلبت منهم، وتم طردهم بعد سرقة كل ممتلكاتهم من قبل العدو الصهيوني الغاصب.تتبع الأونروا في سياستها التعليمية في مخيمات اللاجئين في الأردن السياسة الأردنية نفسها، حيث تقدم الخدمات التعليمية للمرحلتين الابتدائية والإعدادية فقط، وتقدم بعض المنح للطلبة المتفوقين في الثانوية العامة، كما تقدم أيضاً الخدمات لأبناء اللاجئين في معهد تدريب عمان، ومعهد وادي السير.على الصعيد التعليمي، يوجد في الأردن اكبر عدد من المدارس الابتدائية والإعدادية التي تديرها الأونروا للاجئين الفلسطينيين، وقد بلغ عددها 190 مدرسة. كما بلغ عدد الطلبة في هذه المدارس اكثر من مئة وتسعة وثلاثين الف طالب وطالبة.ويعمل في تلك المدارس طاقم تدريس يقدر بحوالى 4500 ما بين مدرس ومدير، على ما جاء في تقارير الأونروا. ومنذ سنوات كانت الوكالة قد أوقفت بعض المساعدات للطلبة مثل القرطاسية، فأضافت عبئاً مادياً كبيرا على أولياء الأمور. كما لم تقم بترميم المدارس، وزيادة عدد الصفوف، ما أدى إلى اكتظاظها، علاوة على انها أوقفت تعيينات المعلمين، على الرغم من تزايد عدد الطلاب. الأوضاع الصحية يلاحظ ان خدمات الصحة تقدم فقط للاجئين المسجلين لدى الأونروا، باستثناء الحالات الطارئة. وتشغل الاونروا او تدير حوالى 23 عيادة طبية في الاردن ، تخدم اللاجئين في المخيمات، وهذا العدد يقارب الأعداد الموجودة في الدول الأخرى مثل: سورية ، لبنان ، الضفة وغزة، وذلك رغم عدد اللاجئين الضخم في الأردن.ان الخدمات التي تقدمها الأونروا في هذا الصدد لا تغطي احتياجات السكان، فمثلاً نجد أن مخيم البقعة لا توجد فيه سوى ثلاثة مراكز صحية، بالاضافة الى عدد محدود من الأطباء العاملين في المراكز الصحية في المخيمات، فعدد الأطباء يبلغ حوالى 64 طبيباً لما يزيد على 300 آلف نسمة في المخيمات، أي ان هناك طبيبا واحدا لكل 4425 شخصا. وهذا عدد كبير جداً إذا قورن مع عدد الأطباء في المخيمات الأخرى، علماً بان هؤلاء الأطباء لا يداومون الدوام الكافي لمعالجة المرضى، وهناك طبيب أسنان واحد يداوم في كل مخيم دواماً جزئياً ثلاثة أيام في الأسبوع.و تتلخص المشاكل الصحية التي يعاني منها سكان المخيمات بما يلي:- عدم كفاءة المؤسسات الصحية القائمة سواء من ناحية الكم، او الخدمات الموجودة ونوعيتها. وحل هذه المشكلة يتطلب تحسين مستوى الخدمات الصحية المقدمة، والسماح ببناء مؤسسات إضافية، وبناء عيادات ومستشفيات حديثة، وتوفير الفنيين والعاملين في هذا المجال، والأطباء المتخصصين والأطقم الطبية المساعدة، وتشجيع الحكومة ودعمها مادياً وتشريعياً .- توفير الخدمات الصحية والنفسية والعامة، وذلك عبر وضع وتنفيذ برنامج من خلال تخصيص المزيد من الجهود المالية والبشرية له، أي لهذا البرنامج. - العمل الجاد للسيطرة على الأمراض الانتقالية والمعدية، وتوفير بنية صحية جيدة، عبر البيئة الصحية من أقنية وصرف صحي محيط بالمخيمات.- وضع برامج تحسين وتطوير للأوضاع الصحية العامة وزيادة الرعاية الصحية الحقيقية في مراكز الأمومة والطفولة، وتفعيل برامج التغذية وتحسين مستوى المراكز الصحية وزيادة العناية بالإرشاد الصحي.أما في ما يتعلق بحالات الفقر في صفوف اللاجئين في الأردن فقد وصلت الى نسبة 38.8%. وقد تم تسجيل نسبة 2.6% من بين اللاجئين في الأردن من ذوي الحالات الخاصة بزيادة سنوية مقدارها 3.4%. . الأونروا والميزانية العامة تخضع ميزانية الأونروا لسياسات الدول التي تدعم الأمم المتحدة ومؤسساتها، وخصوصًا الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وتؤكد الأونروا بأن ميزانيتها في الأردن تقدر بحوالى خمسة وسبعين مليون دولار موزعة على قطاعات عدة: فقد حاز قطاع الصحة على حوالى 12.2 مليون دولار. أما قطاع التعليم فتقدر ميزانيته لعام 1999 بحوالى 99 مليون دولار، وقطاع الخدمات العامة والاجتماعية فقد بلغت الميزانية العامة له 11 مليون دولار، بينما قطاع الخدمات التشغيلية فقد بلغت ميزانيته حوالى 3 ملايين دولار، على حد زعم الوكالة.ورغم كل ذلك، يلاحظ التقليص المستمر في الميزانية وحجم الخدمات المقدمة، وهي اليوم مهددة بالنقص الحاد لدرجة عبر فيها المسؤولون الفلسطينيون عن قلقهم ازاء هذا الشح المريع في الخدمات.رغم كل ما تم عرضه ونشره عبر دراسات وتقارير عن وضع المخيمات في الأردن، الا أنه لا توجد دراسات ميدانية تفصيلية علمية حول الواقع أو الوضع الاجتماعي للاجئين في المخيمات، وذلك بقرار من السلطات الأردنية التي ترفض الاعتراف بالواقع الفلسطيني في الأردن وبحقوق الفلسطينيين المدنية والسياسية والاجتماعية، خوفاً مما قد ينتج ذلك من تغيير حتمي لشكل النظام الأردني، مع ما سيرافق هذا التغيير من تبعات في الصراع مع العدو «الاسرائيلي» الغاصب.ومع ذلك، تلفت بعض التقارير والدراسات إلى تلمس بعض النشاطات التي تم تسجيلها في حدود معينة والتي تتلخص على النحو التالي:نشاط متزايد في مجال العمل التطوعي عبر المراكز والأندية من خلال تنظيم الرحلات والمخيمات الصيفية وتقديم الخدمات لابناء المخيمات سواء في برامج محو الأمية أم في عقد ندوات في مجالات التعليم والصحة والخدمات الطبية حيث تقوم اللجان الطبية في المخيمات بالتوعية والارشاد الصحي، والتطوير الحضري، أو في الميدان الثقافي وفي مجال إحياء التراث الشعبي الفلسطيني، وعقد ندوات واقامة احتفالات في بعض المناسبات كيوم الأرض ويوم المرأة ويوم الطفل، وتقديم مهرجانات فنية في مناسبات وطنية، كيوم الشهيد وانطلاقة الثورة وغيرها بالاشتراك والتعاون مع اللجان المختلفة: كاللجنة الثقافية، واللجنة الرياضية ولجنة الفتيان والأيتام ولجنة التطوير الحضري .وهناك نشاطات اجتماعية أخرى ومتنوعة، تقدم عبر الأندية الشبابية ولجانها التي تسعى إلى توفير خدمات للمجتمع المحلي بروح تطوعية من خلال العمل المستمر والمتصل مع البيئة والإنسان فتقدم خدمات اجتماعية كتنفيذ عمل تطوعي، يتم فيه تنظيف الشوارع والقنوات في المخيمات، وإقامة حفلات تعارف لأعضاء الفرق والنوادي تنظم خلالها مسابقات ثقافية، كلها ترمي إلى توثيق العلاقات بين الأفراد والأندية والمجتمع المحلي، بالاضافة الى تنفيذ عمل يوم طبي مجاني بحضور ومشاركة عدد من الأطباء العاملين والاختصاصيين ومشاركة شركات أدوية وتقديم علاج للأفراد وذوي الدخل المحدود وذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى نشاطات رياضية وكشفية متنوعة.ولكن كل هذه النشاطات لا تفي بالغرض المطلوب، بالاضافة إلى كونها بمجهود فلسطيني محلي شعبي ذاتي. تواطؤ وتمييز عنصري يعاني اللاجئون الفلسطينيون من مشكلة خطرة، تقبض على أعناقهم، هي مشكلة التمييز بين أردني أصلي، وأردني غير أصلي من «أصول فلسطينية». ورغم التصريحات السياسية الأردنية التي تؤكد على حق اللاجئين في العيش بسعادة وهناء، الا أن اللاجئين الفلسطينيين قلقون من استمرارية هذا الوضع على حاله، ويطالبون دائماً بحقهم في العودة الى ديارهم وأراضيهم ومزارعهم وبيوتهم وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وخصوصًا القرار رقم 194 المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين واحترام حقوق الإنسان. كما يطالبون أيضا بحقوقهم في العمل والتوظيف في جميع المجالات ووقف سياسة التمييز بين أردني أصلي وأردني غير أصلي.وهذا الوضع يعززه النظام الأردني لتأمين شرعية لنفسه عبر فصل الأردني «الأصلي» من الأردني ذي الأصول الفلسطينية، ولشدّ العصب الأردني حوله!الى ذلك، يطالب اللاجئون الفلسطينيون بعدم تقليص خدمات وكالة الغوث، خاصة في مجالي الصحة والتعليم، وبعدم تخلي الوكالة عنهم حتى يتم تحقيق حلمهم في العودة إلى أراضيهم في فلسطين ليحيوا فيها بسعادة وهناء كباقي شعوب الأرض.وأخيراً، فقد أظهرت الدراسات، أن أبرز ما ينتقده اللاجئون هو اعتماد الوكالة الدولية أي الأونروا على الولايات المتحدة في مواقفها والتي ينظر إليها اللاجئون على أنها الوجه الآخر للعملة «الإسرائيلية»، وهم قلقون أيضاً من المؤامرات التي تحاك ضدهم، ويعتقدون أن الاونروا مشتركة في هذه المؤامرة عن طريق تزييف المعلومات الإحصائية، ما يزيد قلقهم من استمرارية هذا الوضع، وخوفهم على وجودهم في ظل اتفاق ضمني بين الأونروا والسلطات الأردنية.
إعداد: سرجون خليل
المصدر: صحيفة البناء