القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 22 كانون الأول 2024

إنهاء خدمات الانروا : كابوس يهدد قضية اللاجئين

إنهاء خدمات الانروا : كابوس يهدد قضية اللاجئين

الإثنين، 27 حزيران 2011

لم تعد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الانروا" بالنسبة للاجئين الفلسطينيين مجرد هيئة دولية تقوم بتقديم العون والإغاثة للملايين من الفلسطينيين في عدد من الدول المستضيفة, بقدر ما هي مسألة رمزية باستمرار وجود اللاجئين, وبالتالي وجود بلد مغتصب ومحتل من قبل عدو يحاول من خلال آلته الإعلامية تحجيم مصطلح "لاجئ" والقضاء عليه نهائيا مع الوقت.

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة, لا يكاد يمر عام إلا ويتم بث الأخبار التي مفادها بأن الانروا على وشك تصفية خدماتها, بل أنها بالفعل قامت خلال ال18 عاما الأخيرة- أي منذ توقيع اتفاقية اوسلو1993- بتخفيض عدد كبير من المعونات الاغاثية الأساسية كمؤشر لقرب انجاز المخطط الصهيوني الرامي إلى إنهاء الدليل الأكبر على وجود وطن سليب والقضاء على هوية شعب بأكمله. هذا من جهة, أما من جهة أخرى فأن إسرائيل تعمل باتجاه قضية تعويض اللاجئين, ليس عن سنوات تشريدهم كما يعتقد البعض- بل عن حقهم التاريخي في فلسطين – وبالتالي عدم أحقيتهم مستقبلا في المطالبة بأي حق لهم في فلسطين المحتلة وطي صفحة اللاجئين التي تعتبرها إسرائيل الأكثر تعقيدا في هذا الصراع.

قراءات بين السطور

في رسالته التي وجهها مفوض عام الأونروا فيلبيو جراندي إلى الموظفين في الأونروا بداية هذا العام, صرّح كلاما هاماً جدا يستدعي التوقف مليا. وقد رسم في هذه الرسالة معالم خطته خلال السنوات القادمة خصوصاً خلال العام الحالي،

وتفيد الرسالة بأن ثمة متاعب سوف تواجه الأونروا لا سيما في زيادة الموازنة، كما أن ثمة مصاعب أخرى سوف تواجه اللاجئين الفلسطينيين في مناطق العمل الخمسة. وفي العموم سوف تواجه قضية اللاجئين تحديات أخرى إضافية، تأمل الأونروا تجاوزها بما لا يمس الخدمات الأساسية المقدمة من قبلها خصوصاً الصحة والتعليم. الأخطر من ذلك قول غراندي: "ستدخل الأراضي الفلسطينية عامها الخامس والأربعين تحت الاحتلال في حزيران القادم" وهي إشارة إلى أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. أي انه لم يشر إلى فلسطين المحتلة عام 1948 أبداً، وهي دلالة إلى أن حتى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم وفق القرار 194 لم تعد من اهتمامات الأونروا على الأقل من الناحية الثقافية، علما أن عمل الأونروا يرتكز على مفهوم خدماتي ومفهوم سياسي، وان عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين المحتلة عام 1948 يشكل صلب المفهوم السياسي من عمل الأونروا.

المزيد من التقليص خلال عام 2011

يبشر مفوض الأونروا للاجئين الفلسطينيين خلال رسالته المثيرة للجدل بأن العام 2011 سوف يشهد مزيداً من التقليص في الخدمات أكثر مما هو قائم فعليا. وإذا كانت الأونروا قد تغلبت على أزمة العام المنصرم بحسب ما ورد في الرسالة من خلال إتباعها سياسة مالية حصيفة، فإن العام 2011 قد يكون عكس ذلك. وأن ثمة تضحيات سوف تقوم بها الأونروا هذا العام حفاظاً على الخدمات الأساسية.

ويطلب غراندي من موظفي الأونروا عدم الانخراط في أي عمل سياسي قد يشكل قلق للدول المانحة التي تعتمد على ما تجمعه من ضرائب المواطنين لديها. يقول غراندي: "علينا أن نكون يقظين على وجه الخصوص في المحافظة على الشخصية الحيادية وغير السياسية لعملنا". وقد اعتبر غراندي عدم الانخراط السياسي بما فيها الأعمال الوطنية هي من "القيم التي يتوقع من كافة موظفي الأمم المتحدة دون استثناء أن يؤيدوها". وهنا نكون قد أسقطنا من حوالي ثلاثين ألف موظف حقاً هاما من حقوق الإنسان وهو الحق في التعبير والحق السياسي. وهو معنى خطير للغاية إذ أن الدول المانحة، على الأقل الغربية منها، بحسب الأونروا تريد أن ينعزل الفلسطينيون عن قضاياهم المهمة وأن يكتفوا بالصمت وعدم التعليق حفاظا على مزيد من الأموال وبالتالي لقمة عيشهم وعيش اللاجئين.

وحول أوضاع الموظفين في الأونروا فقد أكد غراندي التزامه "بتحسين ظروف الخدمة للعاملين إلى الحد الأقصى الممكن بما يتماشى مع سياسة الرواتب لدينا" وبحسب الرسالة أيضا فقد تم زيادة الرواتب في غزة الضفة والأردن بنسبة 6%، أما في لبنان فقد بلغت زيادة الرواتب نسبة 3%، حيث لم تقنع هذه الزيادات الموظفين العاملين في الأونروا خصوصاً في لبنان. ويوصي غراندي بمزيد من التواصل مع الاتحادات لمعالجة مشاكل الموظفين. ويضيف غراندي في رسالته: " في العديد من الأوقات، سمعت مسؤولين من الدول المانحة يسألون "كيف يمكننا أن نعطيكم مساعدة إضافية في الوقت الذي نقوم فيه بالتخفيض في موازنتنا الخاصة بالتعليم والصحة والخدمات العامة الأخرى"... وبحلول منتصف العام 2010 تجاوز عجز الموازنة العامة مبلغ 100 مليون دولار".

مسؤولون في الانروا ينكرون حق العودة

تصريحات مدير مكتب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين – الأونروا في نيويورك أندرو ويتلي حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين في شهر تشرين الأول من العام الماضي فجرت ضجة كبيرة، حين قال "إن على اللاجئين الفلسطينيين أن لا يعيشوا على وهم تحقيق حق العودة، وبأنه يجب على الدول العربية أن تبحث عن مكان لهم في أراضيها لتوطينهم فيها".

هذه التصريحات الخطيرة من مسؤول مختص في إدارة شؤون اللاجئين, أي انه مؤتمن على حقوقهم تدلل على وجود مؤامرة من داخل الانروا نفسها. كما أن إصدارات الانروا خصوصا المفكرة السنوية التي وزعتها لعام 2011 والخرائط التي توزع تؤكد أن فلسطين المحتلة عام 1948 هي إسرائيل الدولة العضو في الأمم المتحدة، كل ذلك يعتبر إهانة لمشاعر ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين لطالما تسعى الأونروا لخدمتهم.

التعويض واجب الأداء

الباحث الفلسطيني الشهير د سلمان أبو سته يرى أن التعويض واجب الأداء على كل متسبب بالضرر، والأصل فيه " إعادة الشيء إلى أصله "، أو التعويض عنه بما يشابهه. والصيغة الموجودة فى القرار 194 ليست جديدة، وإنما هي تطبيق للقانون الدولى.والتعويض إجراء تعاقدي ثنائي بين المتضرر والمتسبب فى الضرر. وفى هذه الحالة، فأن المتضرر هو اللاجئ كفرد، والمتسبب فى الضرر هو "الحكومات والسلطات المسئولة" كما جاء فى القرار 194، وهذه هى حكومة إسرائيل والصندوق القومي اليهودي والوكالة اليهودية وغيرهم.

إذن فالتعويض بحسب أبو سته- يعود إلى اللاجئ نفسه كحق فردى، وليس لأي سلطة أو حكومة حق استلامه بالنيابة عنه. ولو استلمت جهة ما التعويض عن اللاجئ بدون توقيعه الفردي على ذلك، لما أسقط هذا حقه فى المطالبة به، إذ أن أية اتفاقية سياسية أو معاهدة لا تسقط حقوق الأفراد. والأمثلة على ذلك عديدة. وعندما نجحت المنظمة العالمية لاستعادة أملاك اليهود فى أوربا ( W J R O )، بمساعدة الإدارة الأمريكية وعلى رأسها ستيوارت أيزنستات فى إرغام الدول الأوربية على إعادة الأملاك اليهودية لهم، رفعت جمعية اليهود فى بولندا قضية عليها، وطعنت فى صلاحيتها باستلام أملاك اليهود أو التعويضات المالية بالنيابة عنها، وصدر الحكم لصالح الجمعية البولندية اليهودية.

ويرى الباحث أبو سته أن الذين يأملون فى التعويض كوسيلة وحيدة لإنهاء النـزاع مع إسرائيل واهمون. ذلك لان خطة إسرائيل للتعويض تعتمد على شروط غير مقبولة وغير عملية وتعجيزية. ترى إسرائيل أن التعويض هو ثمن التسوية، بموجبها يتم الاتفاق على القدس والمستوطنات والحدود والدولة واللاجئين بالطبع. وترى أن دفع التعويضات يجب أن يكون مرحلياً، وفى كل مرحلة يهدم مخيم ويشطب اسم لاجئ ويقفل مكتب فى وكالة الغوث. وترى أنها لا تستطيع دفع التعويض لأنها مشغولة بإيواء الروس والأحباش وتطلب إنشاء صندوق دولي تساهم فيه الدول الغربية والعربية الغنية، وتصر إسرائيل على أن يكون لها الحق فى أن تقرر من هو اللاجئ المستحق بموجب وثائق تقدم لها وذلك خلال مدة محدودة تسقط بعدها المطالبات.

كما تقدر إسرائيل قيمة التعويض بمبلغ يساوى 1 % من قيمة الممتلكات الفعلية ناقصاً الرسوم والمصاريف إلى ستتقاضاها. وأخيراً تلقى إسرائيل على السلطة مسئولية إلزام اللاجئين بقبول هذه الشروط وإلا يعتبر من يخالف ذلك معادياً للسلام. و الخلاصة أن إسرائيل، تريد الاستحواذ على أملاك الفلسطينيين التى تساوى 92 % من مساحتها مجاناً أو مقابل مبالغ تافهة يدفعها الآخرون، ويتم تسليمها لهم بموجب صك شرعي موقع عليه من أصحاب الحق أنفسهم. غنى عن القول أن هذا الطرح الإسرائيلي مخالف للقانون الدولى ويستحيل قبوله، ولو تم على أى صورة فأنه لا يسقط أياً من الحقوق الفردية للفلسطينيين.

أما القيمة الفعلية للأملاك الفلسطينية حسب دراسات سامي هداوى وعاطف قبرصي، فتصل إلى مبلغ 562 بليون دولار فى (قبل عشرة أعوام)، وهذا لا يشمل كثيراً من البنود التى لم يتم تقديرها، مثل المعاناة النفسية وفقدان الهوية والشتات. كما أنه لا يشمل جرائم الحرب، التى استثناها قرار 194 عمداً، لأنها منصوص عليها فى المنظومة القانونية لجرائم الحرب، وذكرت المذكرة التفسيرية للقرار 194 أن جرائم الحرب يجب أن تعالج فى إطار معاهدة سلام حسب القانون الدولى. وقد تعززت أهمية هذا القانون وشموله بانشاء محكمة جرائم الحرب التى نص عليها ميثاق روما عام 1998. وهذه الجرائم تقسم إلى ثلاث فئات : جرائم الحرب ومنها القتل وسوء المعاملة وقتل أسرى الحرب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة دون سبب عسكرى، وجرائم ضد الإنسانية مثل قتل المدنيين وحبسهم و ترحيلهم وطردهم وتشغيلهم فى أعمال السخرة وممارسة التمييز العنصري أو العرقي أو الديني ضدهم، وجرائم ضد السلام مثل التخطيط للعدوان والمبادرة له والتحريض عليه.

دول مضيفة تأمل في الاستحواذ على تعويضات اللاجئين

ويؤكد الباحث أبو سته بأن بعض الدول تأمل فى الاستحواذ على جزء من تعويضات اللاجئين مقابل إيوائهم وهذا غير قانوني. فاللاجئون فى بلد ما إما بقوا فيها بصفة لاجئين أو أصبحوا مواطنين. فى الحالة الأولى يجيز القانون الدولى للدولة المستقبلة أن تطالب الدولة الطاردة ( إسرائيل ) بتعويض مقابل الأعباء التى وقعت عليها من جراء اضطرارها لأسباب إنسانية قبول هؤلاء اللاجئين الذين طردتهم إسرائيل خارقة بذلك سيادة الدولة المستقبلة.

وإذا أصبح اللاجئون مواطنون فإن عقد المواطنة بين الفرد والدولة يفرض على الدولة أن تقدم لمواطنيها الإعاشة والتعليم والصحة مقابل التزام هذا الفرد بقوانين الدولة. ويشير الدكتور أبو ستة إلى خطة المحامية اليهودية الأمريكية الروسية الأصل دونا آرزت التى تبنّى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي كتابها " من لاجئين إلى مواطنين ". فهي تقترح ترحيل هذا العدد من سكان قطاع غزة والأردن إلى الضفة لتوطينهم هناك. وتقترح كذلك ترحيل ما مجموعه 1.5 مليون لاجئ من أماكن اللجوء الحالية إلى أي مكان فى العالم عدا وطنهم. وتقترح توطين الباقي حيث هم. وتقترح عودة رمزية لبعض اللاجئين فى لبنان إلى بيوتهم فى إسرائيل بما لا يزيد عن 75,000 أي 1.5 % من اللاجئين، (ولو عادوا عام 1948 لكان عددهم 8000 آنذاك )، على أن تتوفر فيهم شروط عدة منها كبر السن ووجود أقارب أحياء هناك وأوراق ثبوتية للأملاك وغير ذلك مما يجعل هذا الرقم عديم القيمة من ناحية عملية. فهل المقصود بمطالبة المفاوضين الفلسطينيين بهذه المبالغ توطين اللاجئين حسب خطة آرزت ؟ وهل يتوافق هذا مع الإعلان الرسمي عن التمسك بقرار 194 القاضى بالعودة و التعويض. لا نعتقد ذلك ولو حصل وهذا مستبعد كيف يكون رد فعل الشعب الفلسطيني على ذلك؟

الشعب الفلسطيني لن يقع في فخ الرشوة

ويؤكد أبو ستة انه وبعد تاريخ طويل من المعاناة لن يقع الشعب الفلسطيني فى فخ الرشوة الدولية الموعودة لفظياً والتي بدأت ب 100 مليار دولار ثم تضاءلت إلى 50 ثم 40 ( ربما بسبب تحويل المبالغ إلى جهات أخرى )، لكي يتنازل عن حقوقه التاريخية تحت أي مسمى. لكنه يقول لقادته : إذا لم تؤدى جهودكم إلى تحقيق المطالب الوطنية فلا تخفضوها إلى مستوى تلك الجهود، بل أتركوا ذلك إلى جيل قادم يستطيع ذلك.

وباختصار فان الفلسطينيين يطالبون بالعودة إلى ديارهم التى طردوا منها عام 1948. واللاجئ يبقى لاجئاً بالمعنى الوجداني والقانوني حتى لو غيروا عنوان المخيم أو نقلوه إلى دار فخمة، ولا تسقط عنه هذه الصفة إلا إذا عاد بكامل حقوقه إلى بيته الأصلي. ولذلك فإن الترحيل أو التوطين أمران مستحيلان، ومجرد محاولة ذلك إنما تؤدى إلى سفك دماء بريئة. ويطالب الفلسطينيون بحقهم فى التعويض من أجل المعاناة النفسية والضرر المادي الذي وقع عليهم خلال 50 سنة والذي أكده قرار الأمم المتحدة الأخير فى نوفمبر 1999، والتعويض بالنسبة لهم لا يعنى قطعاً بيع الوطن واستبداله بمكان آخر. وحق التعويض فردى فى الأساس، لا تملك سلطة أن تستحوذ عليه ولا أن يطالب به باسم اللاجئين إلا أهل فلسطين أنفسهم الذين يملكون أرضها وهى موطنهم التاريخي.

المصدر: الخيمة