القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

المونيتور: تأسّف الاحتلال على إحراق الرضيع علي لا يعفيه من المسؤولية

المونيتور: تأسّف الاحتلال على إحراق الرضيع علي لا يعفيه من المسؤولية


الإثنين، 10 آب، 2015

علي دوابشة هو اسم سيحفظه التاريخ، إنه الرضيع الفلسطيني الذي أحرقته عصابة "إسرائيلية" متطرفة حتى الموت، في جريمة بشعة تمت يوم 31 يوليو 2015 في قرية دوما الواقعة قرب نابلس، في الضفة الغربية، كلمات افتتاحية لمقال ترجمه الكاتب حسام شاكر، عن موقع صحيفة "ميدل إيست مونيتور" البريطانية.

وتستعرض الصحيفة جرائم العصابات "الإسرائيلية" ضد سكان القرى الفلسطينية تحت شعارات مثل "تدفيع الثمن"، والتي نفّذت في الأعوام الأخيرة عشرات الاعتداءات التخريبية وهجمات الإحراق وحملات الترويع، علاوة على تدنيس المساجد والكنائس والمقابر وإضرام النار فيها وتشويهها بالشعارات الفاشية.

وتعدّ "ميدل إيست مونيتور"، أنّ إشعال النار في منزل أسرة فلسطينية خلال النوم يمثِّل تطوّراً فائق الخطورة في هذا المنحى الإجرامي الذي دفع الرضيع علي ثمنه من حياته.

"جاءت الجريمة بعد سنة تماماً من الاعتداء الرهيب على الطفل محمد أبو خضير الذي أحرقته عصابة إسرائيلية متطرفة حيّاً في غابة في القدس، وهو ما يشير إلى خبرات جديدة من الفظائع تقترفها عصابات المستوطنين الإسرائيليين المسلّحين" بحسب الموقع.

وأضاف: "استنكر المجتمع الدولي الحادثتين، والجديد في الأمر أنّ حكومة بنيامين نتنياهو قد وصفت إحراق الطفل علي دوابشة بـ"العملية الإرهابية". حسناً إنه تطوّر "لفظي" ملفت للانتباه على أي حال، لكنه يثير تساؤلات عميقة عن حقيقة الالتزام الأخلاقي للحكومة الإسرائيلية نحو سلامة الأطفال والرضّع".

وتتفق الصحيفة مع وصف الحكومة "الإسرائيلية" بأنّ إحراق رضيع فلسطيني بهذا الشكل هو "عملية إرهابية"، ولكنها تقترح إطلاق الوصف ذاته على وقائع شبيهة تم فيها إحراق عشرات الرضع وصغار الأطفال بالنيران، مع فوارق بسيطة تتعلق بطبيعة الأداء وهوية القتلة. فقد تم استخدام أسلحة وذخائر حديثة بدل أعواد الثقاب، وتم تنفيذ عملية الإحراق الجماعية في قطاع غزة خلال صيف 2014 حسب أوامر عليا في الجيش الإسرائيلي، وليس بمبادرات هوجاء غير نظامية.

وتطلق الصحيفة دعوة للتخيل، قائلةً: دعونا نتخيّل المغزى الذي يتبادر إلى الذهن من رسائل التوبيخ الإسرائيلية لمقترفي الجريمة الأخيرة: "لا تحرقوا الأطفال والرضع، إنها ليست مهمّتكم؛ بل مهمّة جيشنا وقوّاتنا التي تقوم بواجبها بلا هوادة، إنّها مهمّة مؤسّساتنا التي تستعمل أطنان المتفجرات، وليس أعواد الثقاب البدائية".

هذا تقريباً ما يوحي به المنطق الرسمي الإسرائيلي، وكأنّ المشكلة مع تلك العصابات الهوجاء هي في تجاوز حدود التصرّف المرسومة لها بضرب الفلسطينيين وقطع أشجارهم. ما فعلته هذه المرّة هو أنها تشبّهت بالجيش الإسرائيلي عندما كان يقوم بقتل الأطفال الفلسطينيين. حسناً، لربما كان عليهم الالتحاق بالجيش لتنفيذ المهمة بالإتقان العسكري اللازم وفق توجيهات القيادة والسيطرة.

وخلافاً لموقفها بعد جريمة قرية دوما؛ لا تستنكر الحكومة الإسرائيلية عادة الاعتداءات التي تنفذها جماعات المستوطنين بشكل شبه يومي في أنحاء الضفة الغربية وفي شرقي القدس. ذلك أنّ التفويض الضمني الممنوح لهم يمنحهم حق التعدِّي "المحسوب" على القرى الفلسطينية المحيطة بالمستوطنات كلما راقت لهم هذه الهواية، وهذا يعني التنكيل بقاطنيها تحت ضوء الشمس وعلى مرأى من جيش الاحتلال، مع إحراق الحقول والأشجار المثمرة ووضع الأيدي على مزيد من الأراضي الزراعية لتوسيع المستوطنات.

لكنّ الطائشين في عصابات "تدفيع الثمن" وما شابهها ذهبوا بعيداً في تنفيذ الاعتداءات إلى حد القتل البشع، وهذا ما يعود بأضرار بالغة على صورة "إسرائيل" في العالم الذي لن يحتمل مجرّد تخيّل شواء طفل حتى الموت.

تؤكد الوثائق أنّ الهجمات العسكرية الإسرائيلية قد تسببت في إحراق أعداد هائلة من الأطفال الفلسطينيين حتى الآن إلى أن تفّحمت أجسادهم، والصور الوفيرة لتلك الوقائع صادمة بحقّ.

الفارق بين الحالتين أنّ الجيش الإسرائيلي يمتلك فريقاً متخصصاً في الإعلام والعلاقات العامة يتحدث إلى العالم بقرابة 28 لغة، ولديه قدرة مذهلة على تبرير كلّ شيء، تماماً كلّ شيء. هذه ميزة لا تتوفر لعصابات "تدفيع الثمن" التي ترتكب جرائمها دون أن تأبه بانطباعات العالم عن هذه الفظائع.

إنّ الإدانة الرسمية الإسرائيلية لجريمة إحراق الطفل علي دوابشة تبقى جوفاء وغير ذات معنى طالما استمرّ تبرير قتل غيره من الرضّع والأطفال الفلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي. إنها محاولة للتنصّل من المسؤولية وتبرئة النفس وإلصاق التهمة بأفراد معدودين وحسب.

وهذه الإدانة لا تتطرّق إلى نظام الرعاية والدعم الإسرائيلي للمستوطنين المسلحين وجماعاتهم المتطرفة التي تتحرّك تحت حماية الجيش الإسرائيلي في أرجاء الضفة وتقتحم القرى الفلسطينية لاقتراف أعمال الترويع والتدمير فيها على مرأى من جنود الاحتلال، وقد استمرّ هذا كما كان عليه الحال بعد الإحراق البشع للرضيع في دوما.

لا يمكن إنكار الحقائق، ومنها أنّ من يتحمّل المسؤولية عن هذه الظواهر هي الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بسلطاتها وجيشها ومخابراتها، فهي التي أوجدت الحالة الاستيطانية ودعمتها وسلّحت مستوطنيها المتعصبين، وأطلقت أيديهم للاعتداء على القرى ومنازل الفلسطينيين وترويع الأسر والأطفال.

هل يصدِّق أحد أنّ المؤسسات الإسرائيلية ومخابراتها وجيشها عاجزة عن ملاحقة مرتكبي الاعتداءات التي تتواصل تصاعدياً منذ عدة سنوات؟ الواقع أنّ القيود الرسمية الإسرائيلية ومطاردات الجيش والمخابرات لا تكاد تسري إلّا على الفلسطينيين تقريباً، بينما تنشغل المؤسسات الإسرائيلية بصياغة قوانين جديدة لإنزال أشد العقوبة برماة الحجارة على أهداف الاحتلال العسكري الإسرائيلي، إنه أحد وجوه "الأبارتهيد" على أي حال.

الحقيقة الجوهرية في كل ما يجري هي أنّ عصابات العنف والتطرف الإسرائيلية الصاعدة نتاجٌ طبيعيّ لثقافة الاحتلال والاستعلاء العنصري وسياسات الاستيطان وتجاهل الحقوق الفلسطينية، بل إنكار وجود الشعب الفلسطيني من أساسه.

وقد تصاعدت جرائم "تدفيع الثمن" في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، وهي الأكثر تطرّفاً من سابقاتها، حتى إنّ بعض وجوهها لم يتردد يوماً في تمجيد العنف الأعمى ضد الفلسطينيين.

لقد نشأ مقترفو هذه الجرائم في بيئة الاستيطان، وتشرّبوا أيديولوجيا التعصّب والكراهية في المدارس والمناهج ووسائل الإعلام الإسرائيلية، وتم تعليمهم فيها كيف يحملون السلاح ويطلقون النار دون وازع من ضمير. وهذا كلّه يفرض التحقّق من نظام الدعم والحماية الإسرائيلي لتلك العصابات التي تقترف الاعتداءات المتواصلة، وتهدد أمن المواطنين الفلسطينيين في قراهم وأحيائهم.

إنّ مأساة الرضيع علي لم تهبط من السماء؛ بل برزت من واقع الاحتلال الإسرائيلي ذاته، الذي يُسمَع فيه خطابُ التحريض والكراهية ضد الفلسطينيين مع نزع الصفة الإنسانية عنهم، وإطلاق هتافات "الموت للعرب".

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام