بلير و«الرباعية» مارسا الخداع بمحاولة الإيقاع بين الفلسطينيين والروس عبر تزوير مواقفهما
الخميس 22 أيلول 2011
إثنتا عشرة شخصية فلسطينية تجوب أروقة الدبلوماسية الدولية في الأمم المتّحدة مرافقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في ما تنتظر وفود 193 دولة طلب العضوية الكاملة لفلسطين كدولة مستقلة في الأمم المتحدة يوم غد الجمعة. وكلّما مرّ يوم في الأمم المتحدة يكتشف الفلسطينيون كمية العصي التي ترمى في العجلات الدائرة صوب حقهم بالدولة.
على الرغم من أن الحركة الفلسطينية التي سبقت انعقاد الجمعية العامة، أدت الى تبلور الموقف الفلسطيني قبل المجيء الى نيويورك عبر الخطاب الذي ألقاه الرئيس محمود عباس يوم الجمعة الماضي معلناً فيه القرار النهائي للقيادة الفلسطينية بالتوجه الى مجلس الأمن الدولي، فإن الفلسطينيين يبدون مرغمين على التفكير في مخرج ما في حال «التفخيخ» السياسي المتعمّد للطلب الفلسطيني من جانب الولايات المتحدة مع شركائها الأوروبيين.
أمس الأول (الثلاثاء 20 أيلول) التقى عباس مع الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون، وروى دبلوماسي فلسطيني لـ«السفير» بأن «شيئاً ما تبدّل في نبرتها في نيويورك واعتمدت لغة مختلفة كلياً عن تلك التي استخدمتها في رام الله، إذ قالت بأن «أوروبا مهما كان الموقف الدولي في الأمم المتحدة فهي لن تفرض عقوبات على الشعب الفلسطيني، ولن تقطع المساعدات عنه وهي تتفهّم الموقف الفلسطيني وستبقى صديقة تساعد الفلسطينيين الى حين وصولهم الى الدولة المستقلة». أما كيف سينعكس ذلك على عملية التصويت في مجلس الأمن؟ «هذا ما لم نسألها إياه ولا يجوز أن نسألها» يشير الدبلوماسي المشار إليه.
أضاف «كانت آشتون تتحدّث عن رفع مكانة تمثيل فلسطين ولم تثر موضوع العضوية المراقبة بل تحدثت عن مكانة الدولة وهذا فارق كبير».
ساركوزي لعدم تقديم الطلب لمجلس الأمن
وقدّمت آشتون أمس الأول إحاطة عن لقاءاتها في مقر الأمم المتحدة لوزراء خارجية 27 دولة أوروبية، وكان اجتماع أيضاً مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، كذلك اجتمع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع الرئيس عباس في مقر إقامته في فندق «البلازا»، وعلمت «السفير» أن الرئيس الفرنسي أبلغ عباس «عدم تأييده لسلوك الفلسطينيين طريق مجلس الأمن الدولي مفضلاً الذهاب الى الجمعية العامّة». وأبلغ ساركوزي عباس بحسب دبلوماسي فلسطيني مطلع على أجواء اللقاء «بأنه سيطرح في كلمته أمام الجمعية العامة مبادرة فرنسية جديدة لم يكشف عن مضمونها»، ومن المرجح بحسب الدبلوماسي الفلسطيني «أن تكون مشروعا فرنسيا للعودة الى الجمعية العامة مربوطا بالعودة الى طاولة المفاوضات مع إسرائيل».
وأفاد الدبلوماسي الفلسطيني أن عباس قال لساركوزي أنه كان يجدر بفرنسا الإعلان عن موقفها هذا قبل 6 اشهر، على عكس ذلك فإنها قامت في مؤتمر المانحين في باريس بتقديم وعد للفلسطينيين بأنها تدعم طلب نيلهم العضوية كدولة كاملة في الأمم المتحدة، ومن المعروف بأن تحقيق هذا الهدف يتطلب اللجوء الى مجلس الأمن».
من جهة أخرى، أشار الدبلوماسي الفلسطيني الى أن «بعض الدول العربية التي التزمت سابقا بتأييد الخطوة الفلسطينية فى اجتماع لجنة المبادرة العربية في الدوحة بدأت تتراجع تحت وطأة الضغوط الأميركية، وهي شرعت بممارسة ضغوط على عباس بشكل مكثف لثنيه عن تقديم طلبه يوم غد الجمعة الى مجلس الأمن»، علماً بأن الرئيس أوباما كان حدّد أمس الاربعاء موعداً مع عباس للإجتماع به.
مناورة «الرباعية» الدولية
وكشف عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» ورئيس كتلتها البرلمانية وهو في عداد الوفد الفلسطيني المرافق للرئيس الفلسطيني عزّام الأحمد بعض تفاصيل التحركات الأوروبية والدولية قبيل قرار أبو مازن الحاسم قائلا: «لقد أعدّ طوني بلير بإسم اللجنة الرباعية مشروع مسودة بيان ولما اطلعنا على عناصره تبين لنا أنه أسوأ مشروع بيان عرفناه، إذ احتوى تراجعا كاملا عن المواقف التي اتخذتها «الرباعية الدولية» سابقا. ومن أهم عناصر مشروع بلير مثلا تحدثه عن العودة الى المفاوضات مع إسرائيل لمدّة سنة على مستوى عال على أن تعقد جلسة تقييم لها بعد ستة أشهر، وفيما كان أساس التفاوض هو حلّ الدولتين على اساس حدود 4 حزيران عام 1967، قال المشروع بأن الحدود الجديدة لن تكون هي حدود 4 حزيران، وذلك في صيغة إستفزازية ولغة جديدة غير مسبوقة».
وأضاف الأحمد: «كذلك تجاهل مشروع البيان بشكل كامل نقطة أساسيّة وهي قضية وقف الاستيطان، ونحن نقول بوضوح إننا لن نعود الى المفاوضات إلا بعد توفّر أساسين هما الإلتزام بمرجعية عملية السلام وحدود 4 حزيران 1967 مع تعديلات طفيفة يتفق عليها، ووقف كامل للاستيطان، وإلا فإننا لا يمكننا العودة الى لعبة المفاوضات التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتتناغم معه الولايات المتحدة». ولفت الأحمد الانتباه الى أن مشروع بيان عمد بلير الى تقديمه شخصياً وليس باسم الرباعية وكأنه يحول نفسه الى وسيط وما قدمه هو الأسوأ منذ تأسيس اللجنة الرباعية، وأمس الأول اختلفت اللجنة الرباعية حول مشروع البيان وكان بعض أعضائها قد لعبوا لعبة قذرة، وحاولوا خداعنا وخداع الروس قائلين لنا بأن روسيا اطلعت على مشروع البيان المذكور ووافقت عليه، ولما اتصلنا بالمسؤولين الروس تبين أن روسيا غير موافقة. وقيل للروس إن أبو مازن موافق وبعد التكاشف مع الروس ظهرت لنا عملية الخداع».
هل تؤخر أميركا الطلب الى ما لا نهاية؟
أما عن اجتماع الرئيس عباس في نيويورك مع أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون فيقول الأحمد: «لقد أبلغ عباس الأمين العام عزمه تقديم طلب العضوية كاملاً يوم الجمعة المقبل، واتفقا على أن يتسلم بان نصّ الرسالة الرسمية لطلب العضوية وقال إنه سيحيلها على الفور الى لجنة العضوية في مجلس الأمن الدولي وإذا ما كان هناك من قضايا خلافية أو ثغرات تقنية أو قانونية فإنه سيتم التعامل معها ثنائياً وحلها، أما إذا أثيرت قضايا سياسية فإن الوضع سيختلف، خصوصا أن هناك من يتكلم في الأوساط الدولية عن أنه قد تجري محاولة لتعطيل تقديم الطلب للنقاش في مجلس الأمن». ويتوقع الفلسطينيون بحسب الأحمد «أن يثير بعض أعضاء مجلس الأمن بطلب من الولايات المتحدة قضايا سياسية أو اختراع عراقيل، وثمة معلومات لدينا بأن الولايات المتحدة قد تلجأ ومجموعة من الدول المعارضة بقيادتها لتأجيل مناقشة الطلب الى أطول فترة ممكنة ولا نستطيع تحديد طبيعة التكتيك الأميركي».
وعن الدور الذي يمكن أن يلعبه لبنان كرئيس لمجلس الأمن الدولي قال الأحمد: «لا يستطيع لبنان أن يقدّم طلب العضوية إلا بعد مشاورات مع أعضاء المجلس وهؤلاء بإمكانهم إثارة مشاكل، ووضع عراقيل تؤخر تقديم الطلب، ولكننا نثق بقيادة لبنان لمجلس الأمن، ونحن على تواصل يومي مع الحكومة اللبنانية ومع الدكتور نواف سلام».
اضاف: «بدأنا نلمس ضغوطاً تمارس على المجموعة العربية ولجنة المتابعة للمبادرة العربية من قبل الولايات المتحدة حتى تتراجع عن موقفها، والطلب الى الجانب الفلسطيني التراجع عن سلوك طريق مجلس الأمن والاكتفاء بمناقشة الموضوع في الجمعية العامة للأمم المتحدة، علماً بأن صلاحية العضوية الكاملة تكون لمجلس الأمن الدولي لكن الولايات المتحدة تريد أن تريح نفسها وتتجنّب استخدام حق النقض من خلال عدم طرح الموضوع. بالإضافة الى وجود دول في مجلس الأمن تتعرض الى ضغوط هائلة حتى لا نتمكن من توفير 9 أصوات في مجلس الأمن وعندها ستعفي الولايات المتحدة نفسها من استخدام «الفيتو» وستزيل الحرج عن نفسها، لذلك فإن الأمور متشابكة ومعقدة».
وعن الخطة (ب) الفلسطينية قال الأحمد: «لن نتراجع البتة عن تقديم الطلب الى أمين عام الأمم المتّحدة، وتسليم هذا الطلب هو حدث سياسي كبير لا تريده الولايات المتحدة لأن كل ما يأتي بعد ذلك من سلبيات سيكون من صنع أميركا، ولكن شكل الفشل كيف سيكون؟ هل بواسطة «الفيتو» أم بواسطة النقل الى الجمعية العامّة أم بواسطة عدم توفّر 9 أصوات، لذلك نحن اليوم في خضمّ معركة سياسية شرسة، والقضية سياسية ولن نرضخ لضغوط الولايات المتحدة التي يجب أن تفهم أننا لسنا عبيداً عندها تعطينا الأوامر ونحن نستجيب في ما لا تطلب من إسرائيل شيئاً حتى تلتزم بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية».
وهل من تصور كامل للدولة الفلسطينية بالنسبة لقضايا اللاجئين وخطر التوطين والمياه والقدس وسواها يقول الأحمد: «بالطبع، لدينا تصوّر واضح، لأنه حتى لو حصلنا على العضوية الكاملة فلا يعني بأن الدولة الفلسطينية قامت فعلياً، وهذا يجب أن يكون واضحاً، إنما نتحوّل من أراض محتلّة متنازع عليها الى دولة أراضيها محتلة وعلى الأمم المتحدة أن تنهي هذا الاحتلال كما فعلت بدول أخرى. ولكن حصولنا على العضوية لا يعني عدم عودتنا الى المفاوضات ولكن الطبيعة ستختلف تماما. إن قضية المفاوضات تبقى قائمة ومطلوبة واساسية من أجل التفاوض حول نقاط الحل النهائي: القدس اللاجئون الأمن المياه وسواها». أضاف: «بالنسبة الى اللاجئين فإن تصورنا واضح وينطلق من مبادرة السلام العربية ومن برنامج الوطن وبالمناسبة فإن طلب العضوية المؤلف من رسالة من بضعة اسطر سيكون مرفقاً برسالتين توضيحيتين تتحدثان أولاً عن التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية وأنها تبقى قائمة تعبّر عن طموحات الشعب الفلسطيني وتقود نضاله وعملية التفاوض وهي المسؤولة الأولى والأخيرة عن المفاوضات وتبقى منظمة التحرير قائمة الى أن تتجسد دولة مستقلة ذات سيادة فوق الأرض الفلسطينية ويتم حل قضية اللاجئين على أساس القرار 194 الذي ينصّ على العودة والتعويض وهذا سيحل ضمن المفاوضات التي ستأتي لاحقاً إذا ما سارت الأمور بهذا الشكل فضلاً عن قضايا القدس والأمن، وطلب العضوية ليس بديلاً عن المفاوضات حتى يكون اتفاق سلام عادل وشامل ودائم».
المصدر: مارلين خليفة - السفير