رجل «حماس» في غزّة: الإخواني الإيراني
الثلاثاء، 05 شباط، 2013
في غزة، حماس، زغردة المنطقة وحربها، قائد حمساوي قدم فلذتين من كبده وصهره شهداء، زار إيران مؤخراً. يعرف بأنه رجل حماس القوي. وأبرز «صقورها». في بيته مكتب وكراسيّ كثيرة. اجتماعات كبيرة تدور هنا. في منزل لا تنقطع عن هواتفه طهران ولا تترك شخصيته سنوات شبابه المصرية. إخواني عليه الضوء والبندقية. يحاكي الوحدة الإسلامية، وحريص وحزين على سوريا.
يشرح عضو المكتب السياسي في حركة «حماس»، الدكتور محمود الزهار، أن الغموض ليس في موقفهم من سوريا، بل من فهم الناس. يقول «من البدء نادينا بحل سياسي لا أمني. نحن ندرك أن تدخلنا في الشؤون الداخلية في كل بلد يؤدي في نهاية المطاف إلى الطرد. هذا ما حدث مع الفلسطينيين في الأردن في السبعينيات، وكذلك إبان الحرب العراقية الكويتية». ويضيف «نحن حركة مقاومة نطلب مساعدة من كل الناس، عرباً ومسلمين وبدون شروط. لسنا أداة من أدوات الصراع العربي». ويتابع «كل طاقتنا ستفرغ في الخارج إن شاركنا في الصراعات الداخلية. إيران لا تطلب منا في سوريا إلا الموقف المحايد».
وتعليقاً على سؤال حول وفد الأطباء الحمساويين الذي سافر على الحدود التركية السورية يقول: «الموقف المحايد لا يعني إلا أن نقدم خدمة إنسانية. هل مطلوب منا أن نكون جزءاً من الشارع السوري وندخل في حرب مع النظام السوري؟ لا، نحن حركتنا في فلسطين وكل وجهتنا هي القدس ولا يجب أن نصرف نظرنا عن هذا الهدف. مصلحتنا أن تبقى كل رصاصة عربية في فلسطين. نحن نشعر بالأسى والأسف لما يجري في سوريا والذي يحدث هو كارثة لبرنامج المقاومة».
يرى الزهار أن الحرب الأخيرة على غزة كرست ثوابت ثلاث. «أولاها أن إسرائيل لا يمكنها أن تجتاح غزة بعد اليوم. ثانيتها أن المواجهة الإسرائيلية المحتملة مع إيران صعبة ومستحيلة وأن السلاح الإيراني الصاروخي متقدم ومتطور. وأن العقيدة القتالية الإسرائيلية خسرت إحدى ثوابتها وباتت لا تتحكم بوقت العملية العسكرية وتستنزف بسرعة ولا تنتهي بشروطها بل بشروط الطرف الآخر».
أما الحديث عن هدنة سياسية طويلة، فيراه الزهار كلاماً غير مسؤول. «الحديث على المستوى السياسي هو أننا الآن أقنعنا الاحتلال بأن دخوله إلى غزة مستحيل. فكيف يمكننا أن نتحدث عن هدنة. نحن الآن نتحدث عن أولوية توحيد الصف الفلسطيني بالمصالحة».
شارع «حماس» وبكل صراحة، يتنفس الفتنة السنية الشيعية، ولكن الشارع نفسه يسمع أناشيد حزب الله وفرقة الولاية أثناء حربه. العقيدة القتالية تتشابه وإن اختلفت. مقاومة شعبية وإسلامية والبطن الداعم واحد. في حماس، من هم كالزهار، يشددون على الوحدة الإسلامية، فلا ينتقدون حزب الله، ولا يبتعدون عنه. وتقول مصادر مطّلعة إن الزهار استُقبل في إيران استقبال والد الشهيد عماد مغنية. وأن هيئات الجمهورية الإسلامية أكرمت زوجته والدة الشهيدين. الزهار في الأروقة، هو الرجل الإيراني. لكنه تعلم وارتبط بمصر كما معظم الغزاويين. وفي الأروقة كلام يدور عن إقصائه أو محاولة إقصائه بفعل القرب هذا. حرب سياسية تدور.
خلافات حماس أمر لا ينكره. ويستشهد بخلاف بين الصحابة أبي بكر وعمر بن الخطاب. بأية حال، يعكس الرجل صلة الترابط ويحكي عن مصر كابنها. ويستذكر إمام إخوانها المسلمين حسن البنا. وثم يعود ليخبر عن إيران والحديث الذي دار في طهران. يقول: أكد لنا الإيراني حرصه على المقاومة وحماس، واتفقنا على ضرورة حل للمشكلة السورية.
وعن العلاقة مع حزب الله، يقول «رؤيتنا لحزب الله ليست العداء، ولكن هناك إما توافق مصالح وإما اختلاف مصالح». ويضيف «نحن لا يجب أن يحكم علينا بما يقوله فرد أو اثنان أو مشاعر بعض الناس، يحكم علينا بسياستنا». يقول كل هذا، ولكن لا يبعث برسائل المودة إلى المقاومة اللبنانية. يحكي عنها كلام المصالح المشتركة. كأنهما لاعبان سياسيان.
ويشير الزهار إلى أن «من يعزز الفتنة: مجموعة من القادة الذين لا يؤمنون بالفكر الإسلامي، يعززها الإعلام الفاسد والغرب. كلها عوامل ضد الحضارة الإسلامية. ضد المشروع الإسلامي المعاصر». أما عن رأيه في ما يسمى «الربيع العربي»، فيقول «ليس اسمه ربيعاً عربياً، هذا قول مضلّل. إنه صحوة إسلامية».
في لقائه مع الصحافيين الغزاويين عقب الحرب وزيارته الإيرانية الأخيرة، أعلن الزهار أنه سوف يحاكم أبو مازن إن أتى إلى غزة. ولكن في جو غزة حديث حول المصالحة التي عقد لأجلها مؤتمر في القاهرة وبعدها في قطر ولم تنته بعد. ففي تلك المصالحة بنود خمسة وملفات خمسة. أولها تشكيل حكومة برئاسة أبو مازن. ثانيها أن يكون هناك انتخابات في الضفة والقدس والقطاع. ثالثها إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع وإعادة توحيد العقيدة القتالية، رابعها إصلاح منظمة التحرير بإشراك الإطار القيادي المؤقت المكون من الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، بما فيها الجهاد الإسلامي وحماس للمرة الأولى. خامسها تفعيل لجان المصالحة الاجتماعية.
في الحديث الفلسطيني، يزأر أسد داخل الرجل. فهو يتهم آلة دحلان وآلة أبو مازن الإعلاميتين بالعمل على تشويه صورة الحركة وبإشاعة أن لها أصحاب «مليونيريات» بفعل استثمارها للأنفاق الحدودية مع مصر. وهو يقول إن الإسرائيلي لا يريد المصالحة لأن حالة مسلحة في جنين مثلاً قد تهدد بقطع شمال كيانهم الغاصب عن جنوبه. ويقوا إن التعاون الامني مع أبو مازن يفيد إسرائيل، بحسب ما يقول الزهار، فسيعطي إحداثيات عن أماكن وجود قيادات المقاومة، وبالتالي سوف يتعقبوننا ويقتلوننا.
بعد كلامه العنيف عن فتح، يسأل السامع: لماذا المصالحة إذاً؟ يرد الحمساوي العتيق: «لإعادة المواطنة لهؤلاء، لا يمكننا استئصالهم».
حديث حماس هذا يخفي خلفه تخوفاً من انتخابات تعقد وتمتحن الشارع الذي يزداد حراكاً. يقول الزهار: «بإمكانهم أن يعقدوا انتخابات ويزوّروها ويربحوها ويظنوا أننا نخرج من الباب الذي دخلنا منه. لكن الزمن تغير». يرجع في كرسيه، تلمع عينه يميناً إخوانياً: «الإخوان في مصر وتونس والمغرب وسوريا وكل مكان، نحن الآن أقوى».
المصدر: غدي فرنسيس - الأخبار