شهداء الإعداد..
"مقاومون" يرتقون بـ"صمت"
السبت، 30
كانون الثاني، 2016
ما تزال المقاومة الفلسطينية
تواصل تجهيزها وإعدادها للجولات المقبلة مع العدو الصهيوني، ومن يخوض في وقائع ما يحدث
في تلك المهمات، خصوصا في أنفاق المقاومة، يذكرنا برواية "رحلة إلى مركز الأرض"
لما فيها من حكايات عز وبطولة.
في ساعات فراغهم يتحركون
بين أهلهم وأصدقائهم بوتيرة طبيعية حتى إذا أتت الساعة المتفق عليها توجهوا لنقاط متفق
عليها بعد أن يتخلصوا من كافة وسائل التكنولوجيا، فينخرطوا في مهمات عسكرية تكلفهم
كثيراً حياتهم فوق الأرض وتحتها.
وتقدم فصائل المقاومة في قطاع غزة شهداء بين الفينة
والأخرى، في معركة الواجب والإعداد خلال عمليات التدريب وحفر الأنفاق تحت مرأى الاحتلال
الذي بات يتحدث عن اجتهاد المقاومة في الاستعداد للجولة القادمة.
وكانت كتائب القسام أعلنت بعد صباح اليوم استشهاد
سبعة من مجاهديها ونجاة أربعة آخرين؛ إثر انهيار نفق للمقاومة بسبب سوء الأحوال الجوية
بغزة كانوا يقومون بترميمه، حيث استخدم في تنفيذ عمليات في "معركة العصف المأكول".
الجندي المجهول
بترتيبات خاصة يتوجهون
خفيةً إلى فوهات الأنفاق، ويشرعون ليل نهار في قطع عشرات الأمتار يومياً؛ استعداداً
للجولة القادمة التي يتحدث الاحتلال عن اقترابها.
ويرى المحلل السياسي مصطفى الصواف أن الاحتلال لا
يتحدث من فراغ؛ لأن المقاومة تعمل بشكل معلن لصد أي عدوان صهيوني قد يشنه الاحتلال
ضد القطاع.
ويضيف لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام":
"المقاومة أعادت ترتيب تجهيزاتها جيداً، ولن تقدم ما قدمته سابقاً للعدو بل لديها
الجديد.. هؤلاء الشهداء لا يلعبون فوق وتحت الأرض، لذا تقع هذه الأحداث".
ويدعو المحلل الصواف إلى عدم التصريح بتفاصيل عن
مهمات المقاومة؛ لأن ذلك من أسرار العمل العسكري، منتقداً ميل بعض القادة السياسيين
إلى الحديث ولو ضمناً عن قدرات المقاومة التي تعمل تحت مراقبة الاحتلال.
الشهداء الأحياء
"أسرعوا.. لا بدّ
من إنجاز الحفر في النفق".. هذه آخر جملة نطق بها الشهيد "عبد الله الطويل"
القيادي في كتائب الناصر صلاح الدين، والذي استشهد قبل سنوات في أحد أنفاق المقاومة.
يقول شقيقه محمد الذي كان يرافقه ساعة استشهاده:
إن همه الأكبر في آخر أيام حياته كان إتمام مهمات تصنيع الأسلحة وأحد الأنفاق، مجتهداً
بصمت، ومقلّاً في الكلام.
ويتابع لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام":
"كثير من نشطاء المقاومة بكافة فصائلها يعرفون اجتهاده في الإعداد، وآخر كلمة
له قبل انهيار النفق كان يقول لزملائه لا بدّ أن ننهي العمل، ثم شرع في قراءة القرآن،
وظل يقرأ حتى غمرته الرمال، واستشهد وآخر ما نسمعه هو قراءته للقرآن".
أما الشهيد ياسر راضي من كتائب القسام فتسلل ليلة
استشهاده من فوهة النفق، وبدأ على عمق 9 أمتار تعديل بعض الزوايا، وكان آخر ما طلبه
من رفقائه أن يبدّدوا عطشه.
سكب أحدهم الماء من أعلى في حركة مرحة متفق عليها
مسبقاً فشرب وارتوى.. حمد الله على مسمعهم ثم انهار عليه النفق، فكان أحد شهداء الإعداد
في نفقٍ للمقاومة استخدمته في معركة "حجارة السجيل"، وظل يحمل قسطاً من ذكرياته
أيام العمل.
قلق استراتيجي
منذ أسابيع والاحتلال
الصهيوني يتحدث عن اجتهاد فصائل المقاومة الفلسطينية في الإعداد للجولة القادمة، وخاصة
إعادة بناء وإصلاح أنفاق المقاومة التي أصبحت هاجساً للمستوطنين في "غلاف غزة".
ويقول المحلل العسكري العميد متقاعد يوسف شرقاوي
إن "إسرائيل" لديها قلق من إجادة المقاومة إعداد وسيلة استراتيجية هي الأنفاق
في صدّ العدوان.
ويضيف لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام":
"الأنفاق أحد أسحلة المقاومة والإعداد، وعادة به أخطاء ومخاطر، وما جرى في نفق
القسام أمس وما نسمع به عن شهداء الإعداد لا يعيب المقاومة التي تواجه احتلالا مدعوما
بأسلحة أمريكية وغواصات ألمانية".
هوامش الخطأ
بدأبِ نملة ونشاطِ خلية
نحل تتواصل مهمات الإعداد في كافة الوسائل القتالية التي تمتلكها المقاومة بدءًا من
"التصنيع العسكري- حفر الأنفاق- التدريب الميداني"، ومهمات أخرى.
ويقول أحد خبراء المقاومة الذي رفض الكشف عن هويته
إن الإعداد والتدريب في الجيوش أو حركات التحرر تنتابها مخاطر خلال التدريب وإعداد
المقاتلين وحتى استخدام بعض الأسلحة والذخائر سيئة التخزين يحتمل انفجارها في التدريب.
ويشير إلى أن ما وقع
في نفق القسام، وأسفر عن استشهاد 7 بغزة إذا كان بفعل ظروف مناخية خارج السيطرة يعد
أمراً طبيعياً، أما إن كانت الحادثة في ظروف عادية فإن ذلك بحاجة لمحاسبة ومراجعة.
ويضيف لمراسل
"المركز الفلسطيني للإعلام": "تسليح وإمكانات المقاومة ليس كتسليح الجيوش؛
فصفقات أسلحة أو معدات الجيوش تكون ضمن صفقات أسلحة بمواصفات متفق عليها، أما فصائل
المقاومة فقد تحصل على سلاح قديم بدعم من دولة، وتكون صلاحيته قديمة ومواصفاته خطرة".
ويؤكد أنه شهد حادثة
في لبنان مع فصيل مقاومة فلسطيني قبل عشرات السنوات انفجر فيه لغم خلال التدريب، ما
أدى لاستشهاد المدرب والمجموعة من حوله، مشدداً أن المخاطر موجودة دوماً في عمليات
الإعداد والتدريب.
سرّية العمل
ويتجشّم "شهداء
الإعداد" عناء العمل في صفوف المقاومة بشكل مضاعف؛ فعلاوة على جهدهم البدني والذهني
يضطرون للحفاظ على العمل بسريّة؛ أملاً في نجاح ما سهروا من أجله الليالي الطوال.
ويقول درداح الشاعر
أستاذ علم الاجتماع إن المجتمع الفلسطيني ليس أمامه إلا يعرف أن هؤلاء الشهداء لا يعملون
من أجل غاية خاصة؛ بل غايتهم خدمة الوطن.
ويرى أن المجتمع الفلسطيني
اعتاد سماع أنباء استشهاد مقاومين في مهمات جهادية خلال الإعداد خاصة في الأنفاق التي
تشكل هاجساً للاحتلال.
ويتابع لمراسل
"المركز الفلسطيني للإعلام": "هناك قبول مجتمعي ودرجة تفاعل واحترام
كبيرة لشهداء الإعداد؛ لأن الخيار الآخر عن جهدهم هو مفاجآت وعدوان إسرائيلي يستهدف
المدنيين" .
وتتحدث الكثير من القصص
عن اجتهاد أفراد المقاومة في حفر الأنفاق وتصنيع الصواريخ والعبوات الناسفة حتى في
أيام حرب، وآخرها معركة "العصف المأكول"، ما يدلل أن مهمة الجنود المجهولين
سواء كانوا شهداء أم أحياء مستمرة تحت كل الظروف.