عباس ونصف الدولة الفلسطينية: التفاوض بالتنازل...عمّا تبقى من أرض
الخميس، 29 تشرين الثاني، 2012
لا شيء يقف أمام مساعي الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة، برغم التنازلات التي يقدمها في هذا المحفل الدولي دورة بعد دورة، فهو دائماً يجد الحل ليعود ويطرح حصول فلسطين على عضوية أو شبه عضوية، وبحدوده هو، أي حدود العام 1967.
وبعد فشله في الحصول على صفة دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، يعيد عباس اليوم التجربة مرة أخرى، ولكنه سيكتفي بتحويل فلسطين إلى دولة غير عضو أو مراقب، الأمر الذي وصفه البعض بـ«الخطوة الإستراتيجية»، فيما رأى فيه آخرون دليلاً على «اليأس»، وخطوة باتجاه العودة إلى طاولة المفاوضات مع "إسرائيل" من جديد.
وبالرغم من احتمال حصول الطلب الفلسطيني على غالبية أصوات الجمعية العامة اليوم، وبالتالي تحوّل فلسطين، وليس كامل أرضها، إلى دولة خارج نطاق الأمم المتحدة، إلا أنه لا بد من التذكير بأن كان الهدف من هذه الخطوة هو المفاوضات، فإنها قد فشلت طوال 20 عاماً، ولم نرَ منها سوى تنازلات فلسطينية يوماً بعد يوم، وكون فلسطين دولة تحت الاحتلال لن يغيّر شيئاً، فـ«الدولة لا تقام في الأمم المتحدة بل على الأرض في فلسطين».
واختلفت الآراء بين مؤيد لهذه الخطوة، ومن اعتبرها رداً على عملية السلام «الفاشلة».
وبحسب المحلّل السياسي الفلسطيني هاني المصري، إن هذه الخطوة «يملؤها الكثير من اليأس لاستكمال المفاوضات خصوصاً في ظل التعنّت الإسرائيلي». ويضيف في حديث إلى «السفير» أنها تعتبر «تكتيكاً أكثر من كونها إستراتيجية... وهي من دون الأخيرة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، خصوصاً إذا استأنفت المفاوضات من دون تلبية الشروط الفلسطينية».
وفي تأكيد على هدف السلطة «الدائم»، يقول الخبير في الشؤون الفلسطينية عبد الرحمن فرحانة لـ«السفير»، إن خطوة الأمم المتحدة الجديدة تبقى في إطار «إحدى الخيارات التي طرحتها السلطة لتحافظ على مسار التسوية التي تضررت بعد الحرب الأخيرة على غزة، وهي ليس بالضرورة أن تكون مجدية»، وغالباً لن تكون.
الأمر الذي رفضه رئيس كتلة «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» في الكنيست النائب العربي محمد بركة، الذي وجد أن هذه الخطوة «ليست ورقة ضغط»، بل إنها تعكس توجهاً إستراتيجياً «في إطار حقوق الشعب الفلسطيني، فالخطوة المرتقبة، هي خطوة اللا مفرّ، بعدما أجهضت الولايات المتحدة في مجلس الأمن في العام الماضي، الاعتراف الكلي بدولة فلسطين، عضوا كاملا في الأمم المتحدة».
ويؤكد بركة في حديث الى «السفير» على ضرورة «التفريق بين السلطة الفلسطينية، التي هي هيئة مؤقتة لتسيير أمور الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الجـــامع للشعب الفلسطيني، وهي الممثلة كمراقب في الأمم المتحدة، وهي التي تدير المفاوضـــات»، موضـــحاً أن «إسرائيل معنيّة أن تنحصر المفاوضات مع السلطة وليس مع المنظــمة».
لكن لا أحد يمكنه إنكار وجود «الحبل السرّي الذي يربط بين القيادة الفلسطينية والمفاوضات»، بحسب المصري، فهو لا يجد في الطلب الجديد أمام الأمم المتحدة سوى ما تنظر إليه السلطة «بتحويلنا من أرض متنازع عليها إلى دولة تحت الاحتلال... وذلك لا يغير شيئاً من مكانتنا حتى في المفاوضات»، وبالتالي لا بد بالاعتراف بفشلها.
وهذا الفشل ليس ناتجاً برأيه عن «سوء الحظ أو مشكلة عارضة أو وجود حكومة إسرائيلية معادية، بل إنها فشلت منذ 20 عاماً لأن "إسرائيل" غير جاهزة للتسوية، وهي القوية والمدعومة أميركياً، ولا شيء يجبرها على أن تغيّر موقفها... فليس هناك معسكر سلام في إسرائيل»، خصوصاً في ظل توجه الأحزاب الإسرائيلية كافة نحو التطرف أكثر، ولم تكن انتخابات حزب الليكود الأخيرة سوى تأكيداً على ذلك.
وبالنتيجة، وفقاً للمصري، يجب «تغيير الإستراتيجية لتشمل المقاومة والصمود ووحدة الشعب الفلسطيني وليس الفصائل الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني تمزّق تحت اتفاق أوسلو، وهناك قضايا أساسية يجب التركيز عليها من اللاجئين والشتات وحقوق فلسطينيي العام 1948»، ولذلك يجب إعادة التأكيد والتنبيه إلى أنه «ليست الدولة في الضفة وغزة من سيغير ميزان القوى».
ويناقض بركة هذا التوجه تماماً، فبالنسبة له فإن «هذه الخطوة، أكثر من كونها رمزية، كما يحاول البعض تصويرها، لأن في هذا اعتراف آخر من العالم، بأن فلسطين دولة واقعة تحت الاحتلال، وأن المفاوضات مع "إسرائيل" ليست على أرض متنازع عليها».
ويشرح النائب العربي أن «إسرائيل تعي كلياً معنى الاعتراف بدولة فلسطين، حتى وإن كانت دولة غير عضو، لأن تسمية العالم رسمياً لفلسطين دولة، يمس بجوهر الموقف التاريخي والأساسي للحركة الصهيونية ومشروع دولة إسرائيل، الذي يرفض عملياً وضمناً وممارسة وجود دولة فلسطينية على الأرض، حتى وإن كانت على جزء بسيط من فلسطين التاريخية، وحتى أقل بكثير مما تتضمنه قرار التقسيم في العام 1947».
حماس والدور المصري
أما موقف حماس «المفاجئ» من دعم خطوة عباس، فهو الشغل الشاغل اليوم، فعلى ماذا وافقت تحديداً؟ على أي دولة؟ وأي حدود؟ وهل يربح الوجه المعتدل في الحركة على وجهها الرافض للتسوية وللاعتراف بجزء بسيط من أراضي فلسطين؟
وفي هذا الملف أيضاً، تتناقض الآراء، فهناك من وجد فيها خطوة إيجابية، ومنها من رفضها تماماً على اعتبار أن الحركة تهدف أساساً ومنذ سنوات إلى الدخول على خط التسوية.
ويلفت بركة إلى «إيجابية» بعض التصريحات الصادرة عن قادة حماس، وخصوصاً رئيس المكتب السياسي لها خالد مشعل، وذلك بعد تأكيده على أنه آن الأوان لأن «تحتكم حماس للمصلحة الوطنية الفلسطينية والعليا، وليس للاعتبارات الحركية الضيقة، ولا لاعتبارات ممولي سلطة حماس المتقلبين، ســواء كانوا إيران سابقا، أم قطر لاحقا».
أما المصري فلا يوّصف القضية إلا في إطار أن حماس تعمل منذ سنوات وبجهد على أن «تؤهل نفسها للاعتراف العربي والإسرائيلي بها، ما اقتضى أن تعتدل وتبدي مرونة، والحرب الأخيرة على غزة نجحت في إعطائها شعوراً بالقوة». وبالنسبة له، فإن بروز خالد مشعل مجدداً، لا يعني سوى ترجيح كفة الاعتدال في الحركة، فهو في مقابلة مع قناة الـ«سي إن إن» الأميركية، لم يعترف فقط بدولة فلسطينية على حدود العام 1967، بل أنه ذهب أبعد من ذلك ليقول إن «تلك الدولة من الممكن أن تعترف بإسرائيل».
والموقف الأكثر تشدداً في الدفاع عن حركة حماس يتخذه فرحانة، فهو لا يجد فرقاً بين تصريحات الحركة سابقاً وحالياً، فهي طالما كررت أنها من الممكن أن تعترف بالدولة على أراضي العام 1967 من دون أن تتخلى عن كامل الأرض الفلسطينية، أي «القبول بجزء من دون التفريط بالكل»، وبالتالي فإن حديث مشعل ليس بالجديد، وهو يقع في إطار «التكتيك السياسي».
وصوت الاعتدال «الحماسي»، وفقاً للمصري، يهدف إلى قبول «الولايات المتحدة بحماس كما قبلت بجماعة الإخوان المسلمين»، في دول الثورات العربية وخصوصاً في مصر.
ومن هنا ندخل إلى الدور المصري، فقد أظهر العدوان الأخير على غزة دوراً بارزاً لمصر، سعت الولايات المتحدة بتكريسه أكثر، ما يقع في إطار «المؤشرات المقلقة»، كما يصفها المصري، في توجه «الإخوان المسلمين نحو صفقة مع واشنطن تعتبر حماس أحد أهم معوقاتها حتى الآن... وبالتالي فإن الدور المصري يختصر بمحاولة ترويض حماس ودفعها إلى المزيد من الاعتدال».
«مصر في حالة انتقالية ومن الصعب تحميلها أكثر»، يقول فرحانة، رافضاً للاتهامات الموجهة لمصر، خصوصاً أن «واشنطن غير قابلة للتواصل مع حماس».
وبالرغم من وصفه موقف حماس بـ«الايجابي»، إلا أن بركة رفض الذهاب أبعد من ذلك، آملاً في الوقت ذاته أن «يكون فاتحة لوقف حالة الانقسام». ولكنه لا يريد الدخول في تحليل الموقف ودوافعه، لأن «الممارسة المستقبلية ستحكم على مضمونه الجوهري»، مشدداً على «تمسكه بروح التفاؤل».
إلا أن المصري حرص على التنبيه من عدم تكرار غلطة أبو عمار، أي «الاعتراف بمنظمة التحرير قبل الاعتراف بالحقوق الفلسطينية»، فأولاً «الدولة لا تقام في الأمم المتحدة بل على الأرض في فلسطين»، و«المقاومة تقدمك إلى الأمام ولا ترجعك إلى الوراء».
المصدر: ربى الحسيني - السفير