غزة بكل الحروف: كشف حساب لمأساة الشعب الفلسطيني
حملة دولية لعرض القصص المخفية

الخميس، 19 شباط، 2015
لم يعد الحرف حرفاً، بل أصبح قصة تكتبها غزة
بلغتها. لم يعد الحرف حرفاً، بل أصبح اسماً لأولاد غزة وحكاياتهم، واسماً لنا نحن الذين
نحاول أن نتذكر وجوه الضحايا وابتساماتهم. لم يعد الرقم رقماً، بل أصبح تاريخاً يوثق
حياة الذين استشهدوا، والذين بكوا، والذين تشردوا. لم يعد الحرف حرفاً، بل اصبح فتاة
وحيدة بين حطام منزلها، واصبح شباكاً في حي الشجاعية، وطفلاً جرحته القذائف الإسرائيلية
في مخيم الشاطئ. وأصبح الحرف محمد وزكريا وعهد الذين قتلتهم النيران الإسرائيلية وهم
يلعبون على الشاطئ.
يكتب الأولاد الفلسطينيون على الشاطئ الرملي
اسماءهم أو اسماء حبيباتهم أو اساتذتهم ربما. يقترب الموج من الأحرف فيخشى عليها وينحسر.
يحاول الاحتلال الإسرائيلي أن يمحو ما كتب، غير أن الشاطئ يحفظ الأحرف والأسماء، فلغة
غزة لا يقضي عليها الطيران الجوي، ولا تقترب منها الأمواج بل تحفظها الشطآن المتعمدة
بالدماء.
«ما كتب لا يمكن أن يُمحى»، بتلك الرؤية أطلقت
«السفير»، بالتعاون مع وزارة الثقافة، أمس، في قصر الأونيسكو، مشروع حملة دولية بعنوان
«غزة بكل الحروف» الذي يرتكز على عرض القصص المخفية لغزة - فلسطين، من خلال دمج الأحرف
اللاتينية الأجنبية بالصور المعبرة عن مآسي الأطفال في غزة، ودمج الأرقام بالمعلومات
التوثيقية عن آثار الحرب وضحاياها.
فعلى سبيل المثال، يكشف حرف «V» الذي ينضوي على صورة نقل الجرحى عن مشاهد تدمير حي الشجاعية والشوارع
الممتلئة بالجثث والجرحى، وينقل حرف «W» صورة نساء غزة اللواتي يُحاربن من أجل حقوقهن. بينما يحمل فتيان فلسطينيون
رايات التحدي في حرف «Y» إذ لن يقضي التدمير على شعور العنفوان في نفوس الفتية الفلسطينيين.
في المقابل، يحمل الرقم 5 عدد المنازل التي هدمت خلال حرب غزة أي خمسين ألفاً ويلحظ
الرقم 6 عدد المساجد المهدمة بشكل كامل والذي وصل إلى 62. ويذكر الرقم 7 باليوم الأول
لحرب إسرائيل على غزة في تموز الماضي.
أشار رئيس تحرير «السفير» طلال سلمان إلى أن
«مأساة غزة تملأ الحروف جميعاً، الكلمات جميعاً، الصور جميعاً، الأخيلة جميعاً» وإن
«هكذا استوعبت المذبحة حروف اللغة جميعاً، وصار ممكناً الحديث عن «لغة غزة».. غزة حيث
«يولد أطفال في قلب النار الإسرائيلية ويكبرون في ظلال غارات الطيران الحربي الإسرائيلي.
يستشهدون قوافل قوافل، مع ذلك، يتكاثرون كأنهم يخجلهم الغياب».. غزة حيث «يكره الوحش
الإسرائيلي الحب والمحبين. يكره حكايات العشق ترويها العاشقات بدموع العين. ويكره الأطفال
الذين يتعلمون السباحة في الرمل قبل أن يقفزوا إلى البحر لينتصروا على الخوف».
ويهدف المشروع، وفق سلمان، إلى أن» تدخل مأساة
غزة كضحية لهمجية الاحتلال الإسرائيلي كل بيت أو مكتب، حيث يمكن ايصال هذه الروزنامة
التي تكاد تكون كشف حساب أو ملخصا يوجز بالصورة والكلمات الدالة على مكانها والزمان
- مأساة الشعب الفلسطيني في غزة في ظل الحرب الإسرائيلية المفتوحة».
ويسلط المشروع، وفق وزير الثقافة ريمون عريجي،
الضوء على الارتكابات والجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين والأبرياء والعزل في غزة ولبنان
وفي أي مكان تمر به آلة الحرب الإسرائيلية. إذ تظهر تلك الحروف الأبجدية اللاتينية
فظاعة الجرائم الإسرائيلية والمآسي والخراب الذي خلفته».
ويؤكد «أننا نؤمن بأن المقاومة الثقافية أساسية
لمجابهة إسرائيل والتكفيريين معاً. فكما نحن بحاجة إلى المقاومة العسكرية، كذلك نحن
بحاجة إلى مقاومة ثقافية لتحصين مجتمعاتنا وثقافتنا ضد محاولات إسرائيل الخبيثة لتقويضها
وتهويدها لطمس الهوية والفكر العربي المقاوم. والفارق أن المقاومة العسكرية تفترض امكانيات
ومهارات واشخاصا متخصصين، في حين أن المقاومة الثقافية هي فعل يمكن ان يقوم به كل واحد
منا».
ويلحظ وزير الإعلام رمزي جريج أن «المقاومة
الثقافية الفاعلة تحث المجتمع المدني على عدم التطبيع وعدم الإمتثال للواقع الذي نرفضه».
ويجد وزير التربية والتعليم العالي الياس بو
صعب أن «المشروع فكرة ذكية لتذكير العالم بما يجري في غزة من همجية ودمار».
رد حضاري
«أن تستخدم اللغة الأبجدية كوسيلة لعمل سياسي
نضالي لهو أمر مبتكر، خصوصاً أن الأحرف كانت تستخدم في السابق لإنتاج المواد التجارية»،
يقول المهندس المعماري رهيف فياض، معتبراً أن القيمة البصرية تساهم في إقناع الآخر
والمجتمع الغربي. ويلزم ايصال تلك الصور الوقت والتكرار، إذ يتطلب المشروع ثقافة بصرية
متعمقة.
ويدعو فياض إلى العمل على مشروع مشابه مرتكز
على الأحرف العربية، وإن كانت الأحرف العربية صعبة الاستخدام في تصاميم مشابهة، لمحاكاة
المجتمع العربي ومخاطبته.
ويجد مدير «مؤسسة بيت أطفال الصمود» قاسم عينا
أن المبادرة رد حضاري على الإرهاب الذي تمارسه القوى الإرهابية وتنقل صورة الإنسان
المقاوم الحضاري.
المصدر: السفير