غزة.. بين
الاعتذار (الإسرائيلي) والوعد التركي
الرسالة نت - فادي الحسني
ما تحدث اثنان في السياسة هذا الأسبوع داخل قطاع غزة إلا
وكانت عودة الدفء إلى العلاقات بين تركيا و(إسرائيل) ثالثهما لما لتلك العلاقة من تأثيرات
على الواقع الفلسطيني عموما وغزة على وجه الخصوص.
وفاجأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي زار المنطقة مطلع
الربيع المراقبين جميعهم بمسعى الزيارة الذي تكلل بإنهاء القطيعة بين (إسرائيل) وتركيا
على خلفية الاعتداء (الإسرائيلي) على سفينة "مرمرة" التركية على ساحل البحر
المتوسط قبل ثلاثة أعوام.
ومثل اتصال رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو بنظيره
التركي رجب طيب أردوغان واعتذاره عن حادثة الاعتداء على السفينة التي قدمت حينئذ لرفع
الحصار عن قطاع غزة علامة فارقة في تاريخ العلاقة بين الطرفين لما سيترتب عليه من استئناف
للنشاطين العسكري والتجاري.
الاعتذار (الإسرائيلي) بدا دبلوماسيا بالنسبة لتركيا أكثر
منه اعترافا بالذنب أو إقرارا بالجريمة التي وقعت في مايو/أيار 2010، ولكن ذلك لم يمنع
اردوغان من قبوله على اعتبار أن "المصالح" هي لغة السياسة، ولاسيما في حال
علمنا أن التجارة العسكرية بين البلدين بلغت في مجملها قرابة 1.8 مليار دولار عام
2007 فضلا على التعاملات التجارية المدنية.
وتعقيبا على الاعتذار قال أردوغان في تصريحات لوكالة
"رويتر" السبت: "الاعتذار لبى شروط تركيا وأظهر نفوذها الإقليمي المتزايد".
عموما، توقيت الاعتذار بحد ذاته يحمل دلالات كبيرة على اعتبار
أن الجهود الدولية كافة لم تفلح طوال ثلاثة أعوام في إنهاء الخلاف بين الطرفين إلى
جانب أن دوائر صنع القرار في (إسرائيل) عبرت في أكثر من محفل عن رفضها تقديم الاعتذار
للدولة التركية، "لأن ذلك من شأنه أن يمس هيبة (إسرائيل)".
ومما لا شك فيه أن تطورات داخلية وإقليمية كبيرة لعبت دورا
أساسيا في تغير الموقف (الإسرائيلي)، وأبرز تلك التطورات نتائج انتخابات الكنيست (الإسرائيلي)
وتشكيل حكومة لا تضم اليميني المتشدد "افيغدور ليبرمان" الذي تقلد منصب وزير
الخارجية في الحكومة السابقة، وكان يعارض بشدة أن تقدم (إسرائيل) الاعتذار عن قتل النشطاء
الأتراك قرب سواحل غزة.
ووجه ليبرمان الذي يتولى حاليا ملف الخارجية والأمن في (الكنيست
الإسرائيلي) انتقادا حادا إلى رئيس حكومته على إجرائه اتصال الاعتذار، وقال:
"هذا خطأ فادح، وسيكون له أثره السيئ على الحالة المعنوية للجنود (الإسرائيليين)".
وهناك واحدة من أبرز التطورات التي دفعت بـ(إسرائيل) إلى
تغيير موقفها اتجاه تركيا أيضا وهي الملف السوري بما يحمله من خطورة على أمنها، لذا
فهي ترى أن "الدور العثماني" صمام أمان أمام أي انفجار سوري قد يحدث، لذا
لا يمكنها التخلي عن هذا التحالف حتى في حال ما قد يكلفه ذلك من ثمن.
وعبر نتنياهو علانية عن خطوة إعادة العلاقة مع تركيا بعزوها
إلى تعزيز ما سماه "التنسيق مع تركيا بشأن معالجة الأوضاع المتدهورة في سوريا".
وقال نتنياهو عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي
(فيسبوك): "سوريا تنهار والترسانة العسكرية والأسلحة المتطورة تكاد تقع في أيدي
المنظمات الإرهابية".
الشيء الذي لا يمكن لـ(إسرائيل) أن تبوح به على الملأ بشأن
إعادة العلاقات مع تركيا إلى سابق عهدها هو الحد من الدور الذي لعبه "أوردوغان"
-أو ما يسمى "العثماني الجديد"- على صعيد استعادة تركيا عمقها الإسلامي والعربي،
وحد نفوذها في المنطقة.
لكن، من الواضح أن تركيا تفهم جيدا قواعد اللعبة المبنية
على الحفاظ على مصالحها مع (إسرائيل) مع الإبقاء على علاقتها مع غزة، ولولا ذلك لما
اشترطت رفع الحصار عن القطاع لقبول الاعتذار (الإسرائيلي)، وقد أقر نتنياهو بذلك.
ويبدو جليا أن إعادة العلاقة بين الطرفين (التركي والإسرائيلي)
سيكون له ما بعده على قطاع غزة الذي توليه تركيا اهتماما بالغا ولا تسمح لـ(إسرائيل)
بالتغول عليه، وقد هدد أردوغان (إسرائيل) في أكثر من مرة بأن بلاده لن تسمح بالاستفراد
بغزة.
الاستنتاج الذي نحوم حوله أن غزة جزء من منظومة إقليمية تسعى
(إسرائيل) وتركيا معا للإبقاء على جبهتها هادئة لا لسبب إلا لأن الأولى تتفرغ في الوقت
الراهن للملفين السوري والإيراني، والثانية معنية بالحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية
مع (إسرائيل) بناء على أن أي توتر مع الفلسطينيين قد يعيد العلاقة إلى مربع القطيعة
مجددا.
وما إعلان رئيس الوزراء التركي نيته زيارة الأراضي الفلسطينية في أعقاب تلقي
الاعتذار إلا مؤشر واضح على التزام تركيا وعدها الفلسطينيين بأنها لن تتخلى عنهم رغم
أن بعضهم (أي الفلسطينيين) يرى في "الاعتذار الإسرائيلي المسموم" جرا لويلات،
وانتصارا وهميا لتركيا.