فرن أبوسنينة في القدس.. صامد بوجه الطوفان الاستيطاني

السبت، 04 نيسان، 2015
"إنه محلٌ
عربي، اخرُج منهُ فورًا؛ لا تدخُلهُ مرةً أخرى" هكذا صرخت معلمة "إسرائيلية"
بوجه أحد طُلّابها حين حاول دخول مخبر أبو سنينة في البلدة القديمة بالقدس.
أجواء عنصرية مُلتهبة كما الحرارة في هذا الفرن التاريخي، "اعتدنا
صراخهم وشتائمهم العنصرية اليومية"، يقول أبو زياد أبو سنينة وقد تجاوز الـ
(64 عامًا).
فرن أبو سنينة في حارة الشرف، ورغم مُضيِّ (80) عامٍ عليه، ما يزال قادرًا
على إنعاش البلدة القديمة برائحة كعكه وخبزه، المشبع بنار الفرن المملوكي، ليبقى المحل
العربي الوحيد في الحارة التي نال من حجارتها ومنازلها ومحالها وأزقتها الطوفان الاستيطاني
عام (1967) بعد أن أخلاها من سكانها وهدم أجزاءً منها، واستبدلها بمباني أخرى أشهرها
ما يسمى "كنيس الخراب".
على نار هادئة يسعى الاحتلال جاهداً في التضييق على المقدسيين الصامدين
في أعمالهم، ففي حي الشرف وما يدعى اليوم "حارة اليهود " لم يتبق سوى ذلك
الفرن الذي يصنع الخبز والكعك بسمسم صامداً أمام ذلك الاحتلال.
محاولات الاستيلاء على الفرن
يقول المواطن زياد أبو سنينة أحد ملاك الفرن لـ "المركز الفلسطيني
للإعلام" :"فرن آل(سنينة) تعود ملكيته للأوقاف الإسلامية، وعائلتي مستأجرة
العقار من العام (1912) قبل الحرب العالمية الأولى، وقبل مجيء الاحتلال على مدينة القدس".
ويضيف: "الفرن مر عليه ثلاثة
أجيال متعاقبة، فجدي أورثه لوالدي، ووالدي لي ولأخوتي العشرة، والفرن مصدر رزق لأكثر
من سبعين فرداً من عائلتي".
"الفرن يعني
روحي التي أتنفس بها وعندما أدخل إليه أشم رائحة والدي وأخوتي الثلاثة، والذين توفوا
جميعاً، حاضرة في الفرن، معبراعن مدى تعلقه بالفرن، ويوضح أبو سنينة: "الفرن كان
في القدم يصنع العجين للخبز المنزلي ويوزعه، وعند تهجير الاحتلال لسكان حارة الشرف
في العام (1967م)، أصبحنا نصنع الكعك بسمسم والخبز ونوزعه في البلدة القديمة".
تهديدات المستوطنين
وفي نظرة على الجدران الخارجية
للفرن، لا تكاد تجد مساحة فارغة، فالشعارات العنصرية منتشرة على الجدران، (الموت للعرب
والقتل للعرب)، ويردف أبو سنينة قائلا، "اعتقلنا أنا وأخي جراء الاعتداء علينا
أمام باب الفرن، كما أغلت سلطات الاحتلال الفرن لإسبوع بزعم قربه من حائط البراق".
كاليتيم حاله يقول أبو سنينة: "الحركة التجارية العربية إلى حارة
الشرف ضعيفة للغاية ولا يوجد من يؤازر الفرن لتخوفهم من الذهاب إلى حارة الشرف وتعرضهم
للاعتداء والضرب من قبل جماعات المستوطنين المتدينين أو تعرضهم للتفتيش والتدقيق في
بطاقتهم الشخصية من قبل شرطة الاحتلال، والتي توقف الشخص لأكثر من ساعة".
ولا يترك الاحتلال وسيلة للتضييق على الفرن، ففي الاعياد اليهودية يضع
المستوطنون يافطة يكتبون عليها الفرن يعود للعرب، ولا تشتروا منه، ويضعون أمام الفرن
طاولة تحتوي على الخبز والمعجنات وعصائر يوزعوها بدون مقابل، بحسب أبو سنينة.
وعن المصاعب التي يواجهونها، يقول أبو سنينة: "من الصعب جداً نقل
البضاعة من طحين وسولار إلى الفرن في حارة الشرف، ما يشكل علينا عبء مالي مضاعف حيث
يتم نقل الطحين على عربة، وفي الفترة الأخيرة وجهت بلدية الاحتلال إنذارا للفرن باستبدال
آلية عمله المعتمدة على السولار إلى أنابيب الغاز ما يشكل عبء مالي كبير تصل تكلفته
إلى المئة ألف شيكل ".
مبالغ طائلة للتنازل
المستوطنون عرضوا على والدي وجدي مبالغ طائلة مرات عديدة من أجل شراء الفرن،
بحسب أبو سنينة، وعند رؤيتهم لعدم تفريطنا بما نملك، بدأوا مسلسل المضايقات والتهديدات
بمساندة من بلدية وحكومة الاحتلال.
أما الشاب عاطف أبو سنينة يقول لـ"المركز الفلسطيني للإعلام"
:" منذ صغري تربيت في هذا الفرن وكبرت من رزقه وبدأت العمل به منذ ستة عشرة عاماً،
والآن أعيل زوجتي وابني وعائلتي منه ".
ويقول: "قديماً كان يسمح للعرب
وتجار القدس بركن سياراتهم في الموقف القريب من الفرن، وكانوا يشترون منه عندما يتجهون
إلى سياراتهم، ولكن بعد منعهم ضعفت الحركة التجارية ".
ويضيف: "قبل عشر سنوات كنا
عشرة أفراد نعمل في الفرن، ونحتاج لمساعدة في بعض الأحيان نظراً لانتعاش الحركة التجارية،
أما اليوم لا يعمل في الفرن سوى ثلاثة أفراد من عائلتي".
عاطف أبو سنينة ختم كلامه معنا، قائلا "نحارب بكل سبل الصمود للحفاظ
على مخبزنا، وسنبقى كذلك حتى آخر رمق في حياتنا".
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام