كرينبول
مفوض الأونروا.. طرق مستمر على ضمير العالم
رام
الله: كفاح زبون غزة: «الشرق الأوسط»
زار
غزة مرتين في الحرب.. وعاش لساعات مع النازحين.. وغادر وهو يعتقد أن العالم يجب
ألا يقف مكتوف الأيدي مما يحدث للأطفال
قبل
أن تدخل الهدنة الحالية حيز التنفيذ كان المفوض العام الجديد للأونروا في الشرق
الأوسط، بيير كرينبول، يناقش مع رئيس الوزراء الفلسطيني في رام الله، رامي الحمد
الله، كيف يمكن تزويد قطاع غزة بالكهرباء مجددا، وفي أسرع وقت ممكن بعدما غرق
القطاع في الظلام بسبب قصف مولدات الطاقة الرئيسة من قبل إسرائيل.
ناقش
كرينبول أفكارا كثيرة ومن بينها توفير الطاقة للغزيين عبر سفن على شواطئ غزة التي
كان زارها أربع مرات منذ تسلم منصبه في مارس (آذار) الماضي، بينهما مرتان في الحرب
الحالية، وفي كل مرة، كان يخرج مصدوما من هول ما يرى ويحاول أن يطرق جدران الصمت
في العالم الذي وصفه بعد قتل إسرائيل لأطفال نيام في مدرسة تابعة للأونرا بأنه يجب
أن يقف مخزيا من ذلك.
يحبه
الفلسطينيون بعدما شاهدوه يتفقد أبناءهم في المدارس ويزور جرحاهم في المستشفيات،
ويعدهم بالعمل على رفع الحصار، ولا يحبه الإسرائيليون الذين اتهموه بالانحياز
والإساءة لأخلاقيات الجيش، ومنعوه مرتين من دخول غزة.
بيير
كرينبول.. يحمل الجنسية السويسرية، من مواليد 1966، وحاز على شهادة البكالوريوس في
العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة جنيف، وهو أب لثلاثة أولاد. رشحه
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عام 2013، كي يشغل منصب مفوض عام الأونروا
في منطقة الشرق الأوسط، وفي 30 مارس 2014، عين كرينبول الذي أصبح نائبا للأمين
العام، مفوضا عاما للأونروا في منطقة الشرق الأوسط والتي تشمل خمس مناطق تقدم فيها
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) خدماتها للاجئين الموجودين
فيها، وهي الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان والأردن وسوريا.
تقول
سيرته الذاتية على موقع الأونروا إن لديه 25 عاما من الخبرة في العمل في المجالات
الإنسانية والتنموية وحقوق الإنسان؛ وقبيل انضمامه للأونروا تبوأ منصب مدير عمليات
اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ 2002 وحتى 2014، كان خلالها مسؤولا عن إدارة عمل
اللجنة، والإشراف على 12 ألف موظف وموظفة يعملون في 80 بلدا وكان يضطلع بالإشراف
مباشرة على استجابة المنظمة للنزاعات في أفغانستان والعراق وسوريا وكولومبيا
وليبيا وبعض الدول وقام بقيادة مفاوضات على مستوى عال مع عدد من الحكومات والقوات
المسلحة والجماعات الأخرى من أجل تأمين سبل الوصول للسكان في المناطق المتأثرة
بالنزاعات.
وتشمل
خبرات كرينبول مهمات ميدانية متنوعة ومتطلبة في أماكن تعاني من تغييرات اجتماعية
عميقة ومن نزاعات مسلحة، تشمل السلفادور والبيرو والبوسنة والهرسك.
بدأ
اهتمام كرينبول في غزة منذ تعيينه مفوضا عاما للشرق الأوسط. وحتى قبل أن تبدأ
الحرب أثار هذا الاهتمام غضب إسرائيل، بعدما وصف الحصار الإسرائيلي المفروض على
قطاع غزة بأنه «نوع من العقاب الجماعي ويعد الأطول على مر التاريخ». وفي أول زيارة
له لغزة خرج كرينبول بانطباع أنه لن يستطيع ولا أي أحد آخر أن يعبر بدقة «عن حجم
المعاناة التي يحياها اللاجئون الفلسطينيون في القطاع».
وقال
الناطق باسم الأونروا في غزة عدنان أبو حسنة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «كرينبول زار
غزة منذ توليه منصبه الحالي أربع مرات من بينها اثنتان قبل الحرب، واثنتان خلال
العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، وكانت الأولى ليومين والثانية لعدة
ساعات». وأوضح أبو حسنة أن كرينبول دخل غزة بعد أيام على العملية العسكرية
الإسرائيلية وزار خلالها مدرسة «غزة الجديدة» في حي النصر، والتي تضم المئات من
النازحين الفلسطينيين من أماكن سكناهم، واطلع باهتمام شديد على ظروف الأوضاع
الإنسانية والمعيشية للفلسطينيين في القطاع. وأضاف «كان يهتم بالتفاصيل، ذهب شخصيا
وتحدث مع عدد من النازحين داخل المدرسة، ثم نقل معاناتهم في مؤتمر صحافي طلب فيه
وقف إطلاق النار».
كان
كرينبول أحد الذين ركزوا دائما على أنه لا يجب استهداف المدنيين. وعلى الرغم من
أنه كان زار غزة ثلاث مرات قبل 30 من شهر يوليو (تموز) الماضي، فإن هذه الزيارة
كانت تخبئ له أن يرى مذبحة بأم عينيه، أخرج معها كل الغضب الذي في صدره. وقال أبو
حسنه إن «زيارته الثانية أثناء الحرب، تصادفت مع قصف إسرائيلي لمدرسة (أبو حسين)
في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة مما أدى لمقتل 15 فلسطينيا من النازحين إليها. جن
جنون كرينبول وهو يشاهد الأطفال النيام في إحدى منشآت الأونروا غرقى بالدماء وقد
ناموا إلى الأبد».
خرج
للإعلام فورا وقال للعالم، «لقد تم قتل الأطفال وهم نيام، بجانب والديهم، على
أرضية أحد الفصول الدراسية في أحد ملاجئ الأمم المتحدة المخصصة للنازحين في مخيم
جباليا للاجئين في غزة.. هذه صفعة وإهانة لنا جميعا، ووصمة عار على جبين العالم،
اليوم يقف العالم مخزيا». بل تعمد كرينبول إحراج الجيش الإسرائيلي بتأكيده أن
الأونروا أخطرته بموقع المدرسة 17 مرة متتالية. وأضاف «قامت الأونروا بزيارة
الموقع وجمع الأدلة وتحليل الشظايا ومعاينة أدلة الحفر التي خلفها القصف وغيرها من
الأضرار، أوضحت أن المدفعية الإسرائيلية هي من ضربت مدرستها التي تأوي 3300 نازح
جاءوا يطلبون الأمن والأمان. كما يشير تقييم الوكالة إلى إصابة المدرسة بثلاث
ضربات على الأقل».
لم
يكتف كرينبول بذلك بل أعلن أن «الوكالة انتقلت إلى ما بعد نطاق العمل الإنساني
وحده، وهي الآن في نطاق المساءلة والمحاسبة»، داعيا المجتمع الدولي إلى اتخاذ
«إجراءات سياسية دولية مدروسة ومقصودة لوضع حد لهذا الدمار المستمر».
ولم
يترك كرينبول وهو في غزة مدرسة أو مستشفى إلا زاره، والتقى أطباء وممرضين ومسعفين
ومسؤوليين فلسطينيين في منظمة التحرير. وقال أبو حسنة «لديه مشاعر صادقة.. لقد كان
مصدوما مما شاهده في مستشفى الشفاء». لم يكن الجرح الذي يعانيه الناس بحد ذاته هو
الذي يسترعي قلق كرينبول، وطالما ردد «ما يثير قلقي وتفكيري هي تلك الأعداد
الكبيرة للأطفال والبالغين الذين سيعانون لسنوات طويلة قادمة جراء الصدمات والضغوط
النفسية». وفي حين رحب فلسطينيون بتصريحات كرينبول وأشاد فيها رئيس لجنة فك الحصار
عن غزة جمال الخضري، لم تلق هذه المواقف ترحيبا أو إعجابا أو حتى تفهما في
إسرائيل. ورفضت مصادر دبلوماسية في الخارجية الإسرائيلية ما يفعله ويقوله كرينبول
حول القطاع. وردت المصادر في تصريحات لصحيفة «يديعوت» على اتهامات كرينبول، بالقول
«الجيش الإسرائيلي يقوم بمهمة أخلاقية لحماية الإسرائيليين، وأي اتهامات أخرى غير
مقبولة».
*
بعض تصريحات كرينبول
*
«أتيت إلى غزة لأشهد نطاق المعاناة الفائقة والمثيرة للغضب التي يواجهها سكان
غزة».
*
«لا يوجد مكان آخر أكثر مأساوية يمكن أن نراقب فيه عواقب هذا الصراع على السكان
المدنيين أكثر من قسم الأطفال في مستشفى الشفاء».
*
«من المهم للغاية أن يفهم كل منكم وأن يفهم العالم أن أولئك الأطفال في غزة ليسوا
مجرد أرقام».
*
«سأدافع عن حقوق أهل قطاع غزة».
*
«جميع تقارير الأمم المتحدة الإنسانية، أو مؤسسات حقوق الإنسان أو الإعلام، لا
تستطيع أن تعبر بدقة عن حجم المعاناة التي يحياها اللاجئون الفلسطينيون في غزة
والإحساس بالاستبعاد والعزل المتواصل».
*
«حصار غزة أطول وأشهر حصار يشهده التاريخ».
*
«أطفال يقتلون أثناء نومهم إنها صفعة وإهانة لنا جميعا، ووصمة عار على جبين
العالم. اليوم يقف العالم مخزيا».