مأزق الفلسطينيين بشأن الموقف من سورية
الثلاثاء، 07 آب، 2012
التزم القادة الفلسطينيون، شأنهم شأن التنظيمات والمسؤولين عموماً، الصمت عند بداية ثورة سورية، فيما يعود بشكل رئيسي إلى قلقهم على مصير نصف مليون فلسطيني يعيشون في ذلك البلد.
ومع ذلك، فقد تغير الحال راهناً فيما لا يعود لصالح الرئيس بشار الأسد. وقد أفضت الهجمات التي شنتها القوات السورية الموالية له على المخيمات الفلسطينية -وآخرها قبل أسبوع من نهاية تموز ضد مخيم اليرموك- إلى حوادث قتل وإلحاق إصابات وتشريد الآلاف. وقد أغضب هذا الحال اللاجئين الفلسطينيين، وأصبح العديد منهم الآن يدعمون الثورة صراحة، ويؤوون في الوقت ذاته اللاجئين السوريين. وهذا يضر، بنظام الأسد على نحو خاص، لأنه لطالما اعتبر نفسه حامياً للقضية الفلسطينية.
وفي إشارة واضحة للفلسطينيين، كتب جهاد مقدسي، الناطق بلسان وزارة الخارجية السورية، على صفحته في شبكة التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" يقول، إن على "الضيوف" الذين يقيمون في سورية أن "يحترموا ويراعوا قوانين الضيافة"، أو "يغادروا إلى واحات الديمقراطية في البلدان العربية". ثم قام لاحقاً بتعديل تعليقاته بعد أن جوبهت بالشجب والإدانة.
وغالباً ما يستشهد مؤيدو النظام بحقيقة أن اللاجئين الفلسطينيين في سورية يعاملون على نحو أفضل بكثير مما يُعاملون به في البلدان العربية الأخرى. ومع ذلك، فإن ما يغضون الطرف عنه هو أن القانون الذي استن الحقوق لهؤلاء اللاجئين قد فُعّل قبل وقت طويل من أيلولة السلطة في سورية لحزب البعث.
وبينما كسر العديد من القادة الفلسطينيين مؤخراً جدار صمتهم حول سورية، تظل المواقف متفاوتة. فقد وصف ياسر عبد ربه، الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، هجوم قوات الأسد على مخيم اللاجئين الفلسطينيين في اللاذقية بأنه "جريمة ضد الإنسانية". ومن جهة أخرى، قال نور عبدالهادي، مدير مكتب منظمة التحرير في سورية للشؤون السياسية لاحقاً، إن اللاجئين الفلسطينيين "سيظلون داعمين للحكومة السورية" -وهو ادعاء يبدو خارج سياق واقع الحال.
أما الصفعة القوية التي تلقاها نظام الأسد، فقد جاءته من حركة حماس. إذ لم ترفض الحركة فحسب طلباً لعقد وتنظيم حشود تأييد للنظام في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية، بل إنها سمحت لسكان غزة بتنظيم احتجاجات ضد النظام السوري. وقد غادر كبار قادة حماس دمشق في وقت سابق من هذا العام، حيث أصبح رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل -الذي تردد أنه لم يلب طلبات للاجتماع مع الأسد- يعيش حالياً في قطر.
وكانت عدة بيانات صدرت عن كبار المسؤولين في حركة حماس قد دعمت، على نحو لا يقبل التأويل، الثورة السورية. ووصفت كارينبروليارد، في تصريح لصحيفة الواشنطن بوست، هذا التأييد بأنه يمثل انفصالاً صادماً بين الحلفاء السابقين -وهو واحد، وفق فارس أكرم في صحيفة النيويورك تايمز، يجرد النظام "من القليل من الصدقية التي قد يكون حافظ عليها في الشارع العربي".
إلى ذلك، لاحظ تقرير لوكالة رويترز أن "التحول في سياسة حماس يجرد الأسد من واحد مما تبقى له من الجهات الداعمة السنية في العالم العربي، ويعمق من عزلته الدولية".
وتعد حماس العضو الوحيد من أعضاء "محور المقاومة" (الذي يجمع الحركة الفلسطينية، وحزب الله والنظامين السوري والإيراني) الذي يشجب حملة الأسد. وعلى الرغم من أن قرار حماس يتماشى مع استطلاعات الرأي التي تشير إلى الدعم الفلسطيني للربيع العربي، فإنه جاء مقابل ثمن كبير. ومن المتوقع أن يتم تعويض الهبوط الكبير في حجم المساعدات الإيرانية لحماس نتيجة لموقف الحركة الفلسطينية من النظام السوري الحليف لإيران، وهي المساعدات التي كانت تعد خط حياة للحركة في الأعوام الأخيرة -من جانب مصادر أخرى.
ومع ذلك، فقد يتغير ذلك، نظراً لأن الرئيس المصري الجديد ينحدر من جماعة الإخوان المسلمين التي تنطوي على الأيديولوجية المشابهة، بينما قد تعمد دول الخليج العربية إلى مكافأة حماس على إدارة ظهرها إلى ما تنظر إليه على أنه تحالف لتهديدات شيعية إقليمية. وبالإضافة إلى ذلك، ربما تكون حماس قد ضمنت حليفاً مهماً في سورية ما بعد الأسد، والتي ستخسرها إيران ومعها حزب الله عندما يذهب الأسد.
وكان تأييد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة للأسد قد تسبب في رد فعل عكسية بين ظهراني اللاجئين الفلسطينيين في سورية، والذين هاجموا مكاتب الحركة.
ومن الناحية الأساسية، ستؤثر الثورة السورية على النضال الفلسطيني، مع أنه من الصعب القول بأي طريقة تؤثر فيه في هذه المرحلة. وبينما تتداخل مصائر وكفاحات الشعبين الفلسطيني والسوري، فإن تفاعل السبب والأثر بينهما يبقى معقداً وسائباً.
وفي الأثناء، لا ينطوي العديد من الناس على حب لنظام الأسد، لكنهم يتوجسون خيفة مما عساه يلي ذلك -خاصة فيما يتعلق باندلاع حرب أهلية- وبالأمن وحقوق الإنسان ووضع الأقليات ودور الإسلام والنزعة العلمانية. وهذا مفهوم بشكل كامل في ضوء الصعوبات التي تواجهها دول الربيع العربي الأخرى.
ومع ذلك، ثمة أقلية من الفلسطينيين تدعم الأسد في الاعتقاد بأن الإطاحة به ستوجه صفعة للمقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة. وقد قاد هذا إلى بعض الادعاءات السخيفة، مثل عنوان رئيسي على الموقع العنكبوتي للوورلد سوشاليست يقول: "حماس تصطف مع الإمبريالية الأميركية ضد سورية".
لكنني لا أوافق على ذلك بشدة. أولاً، وبالنسبة لإسرائيل، فإن الأسد يمثل "الشيطان الذي تعرفه" والذي حافظ (سوية مع والده) على الحدود السورية الإسرائيلية هادئة، وساعد الولايات المتحدة في "حربها ضد الإرهاب".
وثانياً إنه لأمر مضلل ومنفر أن يتم النظر إلى معاناة السوريين فيما يتصل بما إذا كان ذلك يفيد إسرائيل والولايات المتحدة أو الفلسطينيين أم لا يفيدهم.
ثالثاً، ما يزال هناك تأييد قوي بين السوريين للنضال الفلسطيني -وهذا ما لم يخلقه حزب البعث أو عائلة الأسد.
وسوف تعيد سورية ما بعد الأسد تأهيل نفسها بعيداً عن روسيا وحزب الله وإيران، لكن ذلك لن يترجم إلى التخلي عن الفلسطينيين أو خطب ود إسرائيل، لأن ذلك سيكون كارثياً، على الصعد المحلية والانتخابية والجماهيرية.
ومع ذلك، وتماماً مثلما كان دعم ياسر عرفات لصدام حسين خلال غزو الكويت كارثياً على صعيد التأثير على الفلسطينيين في الكويت ومنطقة الخليج على النطاق الأوسع، فإن الانقسامات في ردود الفعل الفلسطينية حيال الثورة السورية قد تكون كذلك، وهو ما يولد الشكوك.
أما الأكيد في هذه المرحلة، فهو أن محاور القوة والتحالفات سيعاد رسمها. ومع ذلك، ومع حدوث ذلك، فإن احتساب من هو المستفيد يجب أن لا يحظى بالأولوية. فحقوق السوريين هي في التي تأتي في القمة. وإذا كان الفلسطينيون ومؤيدوهم يريدون للعالم النظر إلى كفاحهم كحقوق إنسانية عالمية واحدة -وهم على حق- فيجب عليهم أن يمارسوا ما يبشرون به، وأن يفعلوا ذلك في تساوق وانسجام.
وبينما وقف الجميع إلى جانب الشعب السوري، يبدو البعض وأنه مهتم في أن يكون معادياً لإسرائيل ومعادياً لأميركا أكثر من كونه يقف إلى جانب حقوق الإنسان. وهذا شيء ضار بالنسبة للفلسطينيين مثلما هو ضار بالنسبة للسوريين.
المصدر: الوكالات