متعـة المشـي في فلسـطين.. وجـراحـها
الثلاثاء، 17 نيسان، 2012
ركّز محمد عطاري الصخرة في مكانها وقد طليت باللونين الأحمر والابيض للدلالة إلى طريق بطول 11 كلم عبر حقول القمح وبساتين الزيتون والتلال الوعرة شمالي الضفة الغربية. ويروي علي كيف بدأ بوضع علامات للدلالة على مسارات التجوال مشياً على الأقدام».
المشي بهدف المتعة مفهوم غريب عند العديد من الفلسطينيين. غير أنه مع السنوات الخمس الماضية، تحولت رؤية الجوالة، معظمهم من الدبلوماسسيين الأجانب، عمال الإغاثة والصحافيين وكذلك السكان المحليين، الى مشهد شائع في الضفة الغربية. وتمتدّ نزهاتهم الطويلة من التلال والوديان الخصبة في شمال الضفة الى الاراضي المنبسطة والصحراء القاحلة في جنوبها.
من بين هؤلاء الدبلوماسي الهولندي ستيفان شيبيزي الذي بدأ مسيرة المشي في الضفة الغربية فور وصوله الى عمله في مكتب الاتحاد الاوروبي، بناء على الرغبة في التعرف إلى الفلسطينيين وبلادهم بأسلوب أكثر مودة مما يمكن أن يحصل عليه في مقر البعثة الدبلوماسية.
بدأ استكشاف الوديان والتلال مع اربعة من الاصدقاء. وقد ارتفع عدد المجموعة الآن الى 235 عضواً، وتنظم رحلات مشياً على الأقدام في نهاية كل اسبوع. وقال شيبيزي يوماً اثناء جولة على الطريق الى جلقموس، في شمال شرق نابلس، إن «من بين الدوافع للسير هو مقابلة الناس». وفي أغلب الأحيان تتسبب أعمال الضيافة بإبطاء المسيرة بشكل ملحوظ، الا انني «لم آسف قط لقبولي ارتشاف فنجان شاي او قهوة. فهذه اللقاءات غير المتوقعة رائعة للغاية».
وأصدر شيبيزي كتاباً بعنوان: «التجوّل على الأقدام في فلسطين»، وهو دليل يضم 25 رحلة قام بها شيبيزي في الضفة، حيث يشرح بالتفصيل المسارات والممرات والطرق الرملية، كما يقدّم خرائط ومعلومات عن المواقع التاريخية والحياة البرية والمنتجعات الطبيعية، كما يوفر تفاصيل عملية تتعلق بالتوجيه المحلي ومواقف السيارات والنقليات العامة والمطاعم وأماكن الإقامة.
وتتحاشى المسيرات في الكتاب المستوطنات الاسرائيلية. وفي مقدمة الكتاب، يقول الكاتب والجوال الفلسطيني رجاء شحادة إن «اماكن كثيرة تمتاز بجمال رائع تعرضت للدمار بسبب اعمال البناء الاستيطانية العاجلة التي تقف كبناء اصطناعي فوق خصائص رقيقة وتضاريس هذه الارض العتيقة».
ويبدأ المسار قرب مدينة جنين عبر أشجار الزيتون واللوز والتوت، وحقول من الحنطة المثمرة. وفي الربيع تنتشر الزهور البرية في المنطقة: من شقائق النعمان والمريمية والسوسن والخردل. وتستخدم معظم الخضروات في المأكولات الفلسطينية اضافة الى الاستفادة منها كعلاج ضد الامراض، حسب قول عطاري، وتكتسب اسماء محلية مثل ذنب الثعلب وعين الضبع.
ومن أعلى نقطة للمسيرة عند جبل الكرمل الذي يطلّ على البحر الابيض المتوسط، تشاهد مدينة الناصرة القديمة عبر الخط الأخضر، وجدار الفصل في الضفة الغربية، الذي يقطع التلال والحقول بطريقة بشعة. ويتحوّل هذا المسار الى طريق آخر، من خلال حقول جرى حصادها في انتظار زراعتها بالتبغ في نهاية فصل الشتاء الى قرية الزبابدة، حيث تعيش فيها جالية مسيحية - مسلمة مشتركة، وفيها أربع كنائس ومسجدان، وفي نهاية المسيرة مطعم السلطان ابراهيم الذي يقدم الأطباق الفلسطينية التقليدية.
ويقول شيبيزي إنه «عندما يتحدث الناس عن الضفة الغربية، فإن ما يطرأ على بالهم هو الاحتلال والصراع. وهو كله حقيقة واقعة، الا ان هناك حقيقة اخرى لا تجد لها مكاناً هناك. انهم الناس الذين يحاولون الاستفادة منها على افضل وجه. وما يميّز المشي على الاقدام في الضفة الغربية هو إدراك المرء للصراع بصورة أفضل، فأنت ترى الجراح على الارض، ولكنك تجد ايضاً الوجه الآخر لفلسطين».
المصدر: السفير