القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

"مرونة" إسرائيلية دعائية تجاه الحكومة الفلسطينية

"مرونة" إسرائيلية دعائية تجاه الحكومة الفلسطينية

غيّرت الحكومة الإسرائيلية مقاربتها للحكومة الفلسطينية الجديدة، وبدلاً من الصدام معها ورفض شرعيتها، شرعت في حملة معدلة تطالبها من خلالها بتولي السيطرة فعلياً على قطاع غزة عبر إعادة أجهزتها الأمنية وتفكيك الذراع العسكري لحركة حماس.

ويشكل هذا التعديل في الوجهة استجابة لانتقادات حادة من جانب أوساط إسرائيلية حكومية ومعارضة رأت في "الموقف العدمي" الرافض لأي اتصال مع الحكومة الفلسطينية الجديدة إخفاقاً سياسياً فاضحاً. وزاد الطين بلة أنّ "الموقف العدمي" لحكومة بنيامين نتنياهو أظهر عزلة إسرائيل الدولية وتوتر علاقاتها مع حليفها الأكبر: الولايات المتحدة الأميركية.

وكشفت "هآرتس" النقاب عن شروع إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي بحملة سياسية دولية لممارسة الضغط على الرئيس محمود عباس وعلى الحكومة الفلسطينية الجديدة لتجسيد سيطرتها على قطاع غزة وتحمّل المسؤولية الأمنية عما يجري هناك. وأشارت الصحيفة إلى أنه في الخامس من حزيران الحالي، أرسلت وزارة الخارجية تعليمات لكل ممثليها في العالم تتضمن توجيهات لنشاط ديبلوماسي في أعقاب الاعتراف الدولي بالحكومة الفلسطينية الجديدة. وجاء في التوجيهات أنه "مطلوب منكم التوجه للمستوى السياسي الأعلى الممكن في مكان خدمتكم، وإبلاغه توقعاتنا بأن يطلبوا من (الرئيس محمود عباس) أبو مازن ترجمة إعلان الحكومة الجديدة عن التزامها بشروط الرباعية إلى أفعال وتحقيق سيطرتها على الأرض".

وقال مسؤول كبير في تل أبيب إنه طلب من سفراء إسرائيل في أرجاء العالم مطالبة الدول التي يخدمون فيها أن تضع أمام الرئيس عباس سلسلة تدابير أمنية كإثبات لجدية نياته، ومنها:

* تفكيك الذراع العسكري لحركة حماس – كتائب عز الدين القسام – وإخضاع رجالها وأسلحتهم تحت إمرة السلطة الفلسطينية.

* الوقف التام لإنتاج وتهريب الوسائل القتالية إلى قطاع غزة وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل.

* إعادة نشر أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في أرجاء قطاع غزة، وعلى المعابر الحدودية مع إسرائيل وفي معبر رفح مع مصر.

وتم الطلب من الديبلوماسيين الإسرائيليين التشديد في أحاديثهم مع وزارات الخارجية ودواوين الرئاسة والحكومات في الدول التي يخدمون فيها على أن العبء يقع على كاهل الرئيس الفلسطيني، الذي يجب أن يترجم إلى أفعال على الأرض إعلان الحكومة الجديدة التزامها بشروط الرباعية.

وجاء في التعليمات أن "على (الرئيس محمود عباس) أبو مازن أن يثبت تنصل الحكومة الفلسطينية من الإرهاب – كجزء من قبول شروط الرباعية – مجسداً (سلطته) في كل المنطقة التي تدعي السلطة سريان سيادتها فيها، بما في ذلك قطاع غزة. وسوف يتم اختبار (الرئيس عباس) أبو مازن أيضاً بقدرته على منع الأعمال العنيفة – بما في ذلك تلك المصنفة مقاومة شعبية في الضفة الغربية"، أي المواجهات بين المدنيين الفلسطينيين وجنود الجيش الإسرائيلي أثناء التظاهرات.

وهذا هو التوجيه الثاني الذي يرسل إلى سفراء إسرائيل في العالم بعد تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية. وخلافاً للتوجيه الأول الذي شدد أساساً على الإدانة والاحتجاج، فإن التوجيه الحالي يشير إلى أن إسرائيل بدأت في الاعتراف بالواقع الجديد وصارت تحدد أهدافاً سياسية أوضح تجاه كل ما يتعلق بحكومة الوحدة الفلسطينية.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أرسلت إلى السفراء توجيهات عاجلة في 3 حزيران الحالي، أي بعد ساعات قليلة من قرار مجلسها الوزاري المصغر قطع الصلة بالحكومة الفلسطينية الجديدة، تشدد فيها على الخيبة منها ورفضها، وأن عباس تحالف مع حماس بدلاً من التصالح مع إسرائيل. وشدد التوجيه على أن إسرائيل تتوقع من دول العالم عدم المسارعة إلى الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الجديدة، لكن سرعان ما تبين أنه خلال أيام لم يصغ أحد في الأسرة الدولية لهذا المطلب وأن الجميع رحّب بها ووافق على العمل معها.

ولكن التوجيه الجديد يتضمن رسالة إلى دول العالم بأن إسرائيل "ستدرس تعديل سياستها إزاء السلطة الفلسطينية وفقاً للواقع الذي سينشأ على الأرض في الفترة القريبة". ويضيف التوجيه أن "إسرائيل لن تعترف بهذه الحكومة طالما لم تقبل حماس شروط الرباعية وأن كل الاتصالات معها ستبقى في مستوى الموظفين فقط".

وكان الموقف الأميركي من حكومة رامي الحمد الله قد قصم ظهر الموقف الرسمي الإسرائيلي وقاد إلى ظهور النزاعات بين أعضاء الائتلاف الحاكم. إذ بدأ قادة اليمين المتطرف داخل "الليكود" وفي "البيت اليهودي" المطالبة بضم مناطق في الضفة الغربية رداً على تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة. وذهب آخرون مثل وزير المالية يائير لبيد إلى التهديد بإسقاط الحكومة إن تم ذلك، فيما أعلنت وزيرة العدل المسؤولة عن المفاوضات تسيبي ليفني أن المستوطنات باتت عبئاً ثقيلاً على إسرائيل يقيّد حركتها.

وفي كل حال فإنّ التوجيه الإسرائيلي الجديد يأتي في ظل ما يبدو من تناقض حاد في تصريحات ليس الوزراء من تيارات مختلفة داخل الائتلاف الحكومي فقط، وإنما حتى في تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه. فقد أشار نتنياهو أمس الأول، أي بعد ثلاثة أيام على إرسال التوجيه إلى السفراء، إلى اعتقاده بأنه "يخطئ من يظن أن الوحدة الفلسطينية بين فتح وحماس ستخلق اعتدالاً عند حماس". وقال في مستهلّ جلسة حكومته الأسبوعية إنه "بدلاً من أن تزيد فتح سيطرتها في قطاع غزة، فإن حماس ستزيد سيطرتها في يهودا والسامرة". وهذا يجعل من ادعاء تغيير المقاربة تجاه الحكومة الفلسطينية الجديدة مجرد تظاهرة دعائية لإبراز مرونة ظاهرية وليس تغييراً فعلياً في السياسة الإسرائيلية.

المصدر: حلمي موسى – السفير