معاناة النازحين في غزة: يفترشون
الأرض ويلتحفون السماء
ما أن يوسع الاحتلال الإسرائيلي
عملية اجتياحه البري بغطاءين جوي وبحري على قطاع غزة، حتى يزداد أعداد النازحين
الفارين من منازلهم هرباً من حمم قذائف الاحتلال التي تجتاح بآلياتها الضخمة
والمروعة المناطق الحدودية الشرقية والشمالية والجنوبية لقطاع غزة فلم يكن لهم إلا
بعض المدارس وساحة مستشفى الشفاء والحدائق في الطرقات العامة.
عشرات العائلات الذين فروا من حي
الشجاعية من دون ملابس ولا أحذية لم تسعهم المدارس التي امتلأت بالنازحين من
المناطق الشمالية فلم يجدوا أمامهم في متنزه ساحة الجندي المجهول في شارع عمر
المختار وسط مدينة غزة، مكاناً يسترهم فافترشوا الأرض والرمال وتحت الأشجار منذ
سبعة أيام.
وما كان خيار للأطفال النازحين
للاستحمام إلا في بركة مياه وسط المتنزه حتى قفزوا بها للاغتسال من أوساخ الغبار
التي التصقت بأجسادهم غير آبهين بمخاطر وجود عشرات الطائرات التي ترقبهم وتراقب
المنطقة.
ولم يكترث الطفل ابراهيم أبو القمبز
بالمخاطر المترتبة على وجوده في وسط هذه المياه المتسخة والملوثة إنما المهم عنده
هو الاغتسال بعد سبعة ايام من الحرمان.
فيما عبرت والدة الطفل أبو القمبز عن
خشيتها من اصابة أبنائها بالأمراض نتيجة تلوث البركة، مطالبة الجهات الطبية
والصحية بمراقبة المشردين في الشوارع الذين يفترشون الأرض والأرصفة ومداخل المنازل
وتوفير الرعاية الصحية لهم.
أما المواطنة هديل أبو عرب فقد اشتكت
من عدم وجود متسع لها للجوء الى مدارس الوكالة ما دفعها للسكن في مدخل إحدى
البنايات المحيطة في ساحة الجندي المجهول في حي الرمال.
وقالت ابو عرب التي تتخذ من ساحة
الجندي مكاناً للإقامة في النهار، إنها تخشى من استهداف المنطقة وبالتالي مقتل
أفراد أسرتها وأطفالها الخمسة، لا سيما انهم يلتحفون بالسماء واشتكت من عدم امتلاك
أسرتها الأموال لشراء الحد الأدنى من احتياجاتها.
وفي مخيم جباليا وما نزح منه يوم أمس
جراء القصف المدفعي الذي طال منازلهم بعضهم ذهب عند أقاربه ومن لم يجد قريباً له
لجأ الى مراكز الإيواء في مخيم جباليا.
وقال جهاد أبو قمر: «وصلت إلى مركز
الإيواء في مخيم جباليا وحاولت تسجيل اسمي وعدد أفراد عائلتي لكن المسؤولين رفضوا
التسجيل بذريعة أنه لا يوجد متسع«.
وتوسل اليهم أبو قمر بالقول: «أعطوني
أي متر فارغ في الممر أو تحت الدرج كي ينام فيه اولادي«. ولا إجابة لسؤاله من
المسؤولين وما كان منه إلا ان غادر المدرسة، لعله يجد أي مكان يأوي إليه، وليس
طبعاً منزله المهدد بالقصف.
ومن يدخل هذه المدارس يلمح ملابس
معلقة على النوافذ والممرات والجدران، لنازحين حملوا ملابس إضافية عند هروبهم من
بيوتهم، وآخرون لم يتمكنوا من ذلك، فظلوا يعانون من أثر العرق على أجسادهم، ولا
مكان للاستحمام طبعاً وبدأت الأمراض الجلدية بالانتشار بين هؤلاء النازحين، وخاصة
الأطفال.
واشتكى محمود عطا الله (30 عاماً)
الذي يجلس في احدى مدارس الاونروا بالقول: لا مياه في المدرسة ولا وسيلة للتنظيف
أو الاستحمام بالكاد نجد ماء للشرب، فنحن في المدرسة أكثر من 2500 شخص.
إحدى الناشطات المتطوعات لخدمة هؤلاء
النازحين مريم شقورة قالت: «هنا الوضع صعب للغاية ومثله في باقي مراكز الإيواء
نعمل بكل جهد من أجل تقديم خدمات لهم«.
وأضافت ان «الكارثة تفوق كل
الإمكانات لا يوجد الكثير من المساعدات، حتى الجهد الكبير الذي نبذله، لا يتلاءم
مع احتياجات هؤلاء النازحين، مشيرة إلى أن طعام الأفطار للصائمين النازحين لا
يتعدى جبنة صفراء ومعلبات خضراوات في وجبتي السحور والإفطار.
من بين النازحين المئات من النساء
الحوامل والمرضعات وأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال الرضع، لكن الجميع يعيش نفس
الظروف ولا خدمات او رعاية ولا ادوية ولا حليب للاطفال .
ومن زاوية أخرى، يصرخ أطفال لا
تتجاوز أعمارهم الخامسة يسألون عن عائلاتهم، وذويهم، بعد أن وجدوا أنفسهم وحيدين
مع عائلات هاربة من الموت يجلسون على مساحات صغيرة من الحشائش الخضراء في ساحة
مستشفى الشفاء.
المصدر: المستقبل