مُخلّفات الحرب.. قنابل صامتة تتربّص بأهالي غزة
انتهت الحرب في غزة، لكنها تركت وراءها مُخلّفات
على الأرض لا تزال تُشكّل تهديداً للسكّان في القطاع المحاصر.
وبرغم توقف القصف، إلا أن ثمة عدداً كبيراً،
وغير معروف، من القذائف والصواريخ التي قد تنفجر في أي لحظة، وتتسبّب في مآسٍ
جديدة، خاصة لدى الأطفال الذين يقتربون منها، ويعبثون بها، من دون أن يعلموا
بالخطر المُحدق بهم.
وتتواجد غالبية هذه «الأجسام المشبوهة» في
المناطق التي تم استهدافها بالصواريخ أكثر من مرّة، وبخاصة مواقع المقاومة
الفلسطينية، بالإضافة إلى الأحياء السكنيّة الواقعة على طول الشريط الحدودي الشرقي
لقطاع غزّة، والتي تم استهدافها بالمدفعيّة الإسرائيلية على مدار أيام عدّة.
وبرغم الجهود التي تبذلها «وحدة هندسة
المتفجّرات» التابعة لوزارة الداخلية في غزّة من اجل تجميع هذه الأجسام المشبوهة
واتلافها بعيداً عن التجمعات السكنية، إلا أن الخطر ما زال قائماً، إذ هناك عدد
كبير جداً من هذه الأجسام تحت ركام المنازل المُهدّمة، ويصعب الوصول إليها،
بالإضافة إلى غياب التوعية الكافية بمخاطر هذه المخلّفات، لاسيما لدى الأطفال
وطلاب المدارس الذين هم أكثر عرضة للخطر.
ويؤكد المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية في غزّة
المقدم أيمن البطنيجي أن جزءاً كبيراً من الصواريخ والقذائف التي لم تنفجر
«مُشرّكة»، بمعنى أنها تحتوي على مواد خطيرة، ويمكن أن تنفجر عند العبث بها،
لافتاً إلى أن الشرطة الفلسطينية استطاعت تجميع عدد كبير من هذه الأجسام المشبوهة،
فيما لا يزال عدد آخر موجود تحت الأنقاض.
وكان صاروخ انفجر أثناء الحرب في وحدة تابعة
لهندسة المتفجرات، بينما كان أفرادها يُحاولون تفكيكه وإبطال مفعوله، ما أدى إلى
استشهاد ثلاثة من أمهر خبراء المُتفجّرات في غزّة، بالإضافة إلى صحافيين، احدهما
ايطالي، كانا يغطيان الحدث.
ويقول والد الطفل محمد الملاحي (12 عاماً)، وهو
من سكان غرب محافظة خان يونس جنوب القطاع، إن ابنه فقد ذراعه اليمنى وأصيب إصابات
بالغة في القدمين، بالإضافة إلى تشوّهات في الوجه وأنحاء متفرقة من جسمه، نتيجة
عبثه بصاروخ كانت الطائرات الإسرائيلية استهدفت به موقعاً للمقاومة بالقرب من
مدينة «أصداء» الترفيهية غرب المدينة.
وتتعرض هذه المنطقة، التي يُطلق عليها سكّان
غزّة اسم «المحررات»، لعشرات الصواريخ، وقذائف البوارج الإسرائيلية، كونها تضم
عدداً من المواقع التدريبيّة التابعة لفصائل المقاومة الفلسطينيّة.
ويضيف الملاحي، في حديث إلى «السفير»، أن
«الأطفال لا يميزون بين ما هو خطير وآمن، وكل شيء غريب مرغوب بالنسبة إليهم، وهذا
ما كلّف محمد يده وإصابته بشكل خطير جداً، وهو في سن صغير».
ويشير إلى أن هناك عدداً من الصواريخ وقذائف
الزوارق الإسرائيلية ما زالت مدفونة في رمال الشاطئ غرب خانيونس، محذرا من بقائها
كخطر صامت يهدد السكّان، لاسيما الأطفال الذين يلهون بالقرب منها من دون علمهم بماهيتها.
أما في حي الشجاعيّة، في شرق غزّة، فيمتنع أصحاب
البيوت المُدمّرة عن البحث عن بعض أمتعتهم الصالحة للاستخدام تحت ركام منازلهم،
خوفاً من وجود قذائف مدفعيّة لم تنفجر بعد، خاصة أن هذا الحي تعرّض إلى مئات قذائف
الدبّابات الإسرائيلية، وطالت منازل المواطنين بشكل مباشر.
ويذكر المواطن إبراهيم أبو شعر، في حديث إلى
«السفير»، أنه بعد عودة النازحين إلى الحي المُدمّر، قام بعض السكان بإزالة الركام
عن بعض حاجياتهم التي تركوها أثناء القصف، مثل الثلاجات، والغسالات، وبعض الفرش
والأغطية، بغية إخراجها واستخدامها من جديد، في ظل أزمة السكن والنزوح التي تعصف
بهم، لكنهم وجدوا الكثير من القذائف هامدة بين الركام، ما جعلهم يبتعدون عنها،
ويُبلّغون الجهات المُختصة، لكي يتم التعامل معها.
ويؤكد الضابط أبو حمزة النجّار، من وحدة هندسة
المُتفجّرات في مدينة خانيونس، أن وحدته توصل الليل بالنهار من أجل التخلّص من
مُخلّفات الاحتلال التي أُطلقت على قطاع غزة خلال الحرب، ولم تنفجر.
ويوضح النجّار، في حديث إلى «السفير»، أنه تم
العثور على قنابل يتراوح وزنها ما بين 250 كيلوغراماً إلى طن، وقد تم التعامل مع
مُخلّفات كثيرة لم تنفجر، مثل «صواريخ طائرات الاستطلاع، صواريخ طائرات (أف 16)،
وأخرى من الطوافات، وقنابل من نوع (أم كي 82)».
ويُشير إلى أن العدد الأكبر من هذه القنابل
يتواجد في المناطق الحدودية التي دخلتها قوات الاحتلال إبان الحرب، بالإضافة إلى
تلك التي تعرضت إلى قصف عشوائي، لافتاً إلى أنهم يعملون على تفكيكها بإمكانيات
محدودة جداً.
ودعا النجّار المواطنين الذين يعثرون على
مخلّفات لم تنفجر، إلى الاتصال فوراً بالشرطة، والتبليغ عن أماكن وجودها، لكي يتم
التعامل معها بالطريقة الصحيحة، وإبعاد الأذى عن الناس.
وفي ظل نقص الإمكانيّات والخبراء، وبساطة
الأدوات التي يستخدمها أفراد هندسة المتفجرات في غزة، فإن القطاع في حاجة ماسة إلى
طاقم من خبراء المتفجّرات والفنيين، لا سيّما أنه يتعرض بين الحين والآخر إلى
غارات إسرائيليّة متكررة تلقي كمية ضخمة من المُتفجّرات.
المصدر: جهاد أبو مصطفى - السفير