واشنطن بوست:
إصرار محمد ضيف على القتال يعقد من مفاوضات وقف إطلاق النار
كتب مراسل
صحيفة "واشنطن بوست" ساندرسان راغفان عن القائد العسكري لكتائب عز الدين
القسام واصفا إياه بالرجل الذي يعيش في ظل حماس، فهو لا يظهر ولا يعرف أحد مكانه
وتريد "إسرائيل" قتله وتلاحقه منذ عقدين.
وينقل عن أحد
رجال الأمن التابعين للحركة واسمه أحمد وصفه ضيف "بالمثال الذي يحتذى"
وهو بمثابة "الأسطورة للأطفال ولأي شخص في غزة"، ويقول فتى اسمه ياسين
"إنه يدافع عن وطننا".
وبالنسبة
لإسرائيل فضيف هو العدو رقم واحد، وكقائد عام لكتائب عز الدين القسام الذراع
العسكري لحركة حماس، "فقد عذب ضيف "إسرائيل" لأكثر من ثلاثة عقود،
حيث أرسل انتحاريين، ووجه عمليات اختطاف الجنود الإسرائيليين، ونجا من عدة محاولات
اغتيال قامت بها "إسرائيل" واستحق بهذا وصف "القط بسبعة
أرواح".
ويقول الكاتب
إن ضيف حسب الاستخبارات الإسرائيلية يعتبر العقل المدبر وراء استراتيجية حركة حماس
العسكرية والتي تقوم على تصنيع وإطلاق الصواريخ على "إسرائيل" وبناء
الأنفاق التي يمكن من خلالها اختراق خطوط العدو الإسرائيلي.
وقد أدت هذه
الإستراتيجية مع وسائل أخرى لقتل 63 جنديا إسرائيليا وثلاثة مدنيين منذ بداية
الهجوم على عزة في الثامن من تموز/ يوليو، مما يجعل ضيف الرجل المطلوب رقم واحد في
غزة.
وفي الوقت الذي
تواصل فيه "إسرائيل" عملياتها العسكرية يرى محللون أمنيون إسرائيليون أن
ضيف سيكون عقبة في اي مفاوضات لإنهاء النزاع.
ووجه حديث
المراسل هنا هو ما يراه المحللون الإسرائيليون من خلاف داخل حركة حماس بين الجناح
العسكري والسياسي، ويشيرون إلى ما يقولون إنه خروقات في وقف إطلاق النار. فقد حملت
"إسرائيل" حركة حماس خرق التهدئة يوم الجمعة بعد اتهامها الحركة باختطاف
ضابط في الجيش الإسرائيلي والذي اعترفت يوم أمس الأول بمقتله في مواجهات مع
الحركة. ويرى المحللون أن خروقات كهذه تؤشر للنفوذ الذي يمارسه الجناح العسكري على
الحركة أكثر من الجناح السياسي.
صانع القرار
ونقل التقرير
عن المستشار السابق في شؤون الأمن القومي الجنرال المتقاعد غيورا إيلاند قوله
"صانع القرار في حركة حماس هو محمد ضيف، قائد الجناح العسكري وهو يعارض أي
وقف لإطلاق النار ويؤمن أن استمرار القتال ليوم آخر يعد بمثابة انجاز لهم".
وفي الجانب
الفلسطيني يعتبر ضيف بطلا، وهو واحد من الصف القيادي من الجيل الأول والثاني
المتبقي ويحظى باحترام لتحديه إسرائيل. واستطاع وهو الممثل السابق التخفي ولديه
قدرة مثل الحرباء على تغيير لونه والذوبان بين الناس.
ويعتقد انه في بداية الخمسينات من عمره، والصورة
المتوفرة له لدى الإسرائيليين تعود إلى عقدين من الزمان، ولا يعرف إلا القليل عن
عائلته، ولا يعرف أحد إن كان ضيف هو اسمه الحقيقي أم لا. ويرى بعض المحللين أن
اسمه الحقيقي هو محمد المصري وأن الضيف جاء بعد مشاركته في مسرحية عندما كان طالبا
في الجامعة.
وهناك تقارير
تتحدث عن إدارة ضيف للعمليات من على مقعده المتحرك بعد إصابته عام 2006 عندما
استهدف صاروخ إسرائيلي سيارته.
وينقل الكاتب
ما قاله عماد الفالوجي، الذي أسهم في إنشاء كتائب عز الدين القسام، وواحد من عدد
قليل من الأشخاص الذين التقوا بضيف "رجل هادئ جدا، ويعيش حياة بعيدة عن
الأضواء ويختبئ بين السكان". مضيفا أنه "نجح حتى الآن لأن الدائرة
المحيطة به صغيرة ولهذا السبب لا يزال على قيد الحياة".
الأكثر شعبية
ولأن حياة ضيف
مغلفة بالسرية فقد اعتبره مشاركون في استطلاع للرأي نظمه موقع إخباري فلسطيني أكثر
شعبية من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، وزعيم الحركة في غزة إسماعيل
هنية. ويقول الفالوجي إن ضيف الذي يعيش في الظل ينظر إليه الفلسطينيون كابن الشعب
مقارنة مع مشعل الذي يعيش في الخارج، كما أن موقف الضيف المتشدد من "إسرائيل"
ما هو إلا تعبير دقيق عن مشاعر الفلسطينيين ومطالبهم.
وخلال الأزمة
الحالية ارتفعت أسهم ضيف حيث تسمر الفلسطينيون أمام شاشات التلفزيون للاستماع
لخطابه الذي بثته قناة الأقصى التابعة لحماس والذي أعلن فيه عن استمرار القتال حتى
يتم رفع الحصار الاقتصادي عن غزة وفتح المعابر.
وعلق محلل
إسرائيلي في "تايمز أوف إسرائيل" المقربة من نتنياهو أن خطاب ضيف حفل
بالكثير من الآيات القرآنية وبرزت صورته المظللة لإعطاء حس بأنه "قديس
حي" حسب آفي يسخاروف الذي كتب معلقا على الصحيفة، وعبر الخطاب كما يقول عن
انتصار للضيف في كفاحه لكي يكون في الموقع الأول داخل الحركة.
وهذا لا يعني
بأي حال الحصول على موقع سياسي متقدم في الحركة، فرجل قضى حياته في الظل لا تناسبه
الحياة السياسية، وما يهدف إليه هو التخلص من الاحتلال الإسرائيلي عبر الكفاح
المسلح.
سيرة حياة
وعموما يشير
خطابه الذي تلقاه الفلسطينيون بنوع من القبول وعبر عن الرحلة التي قطعها ضيف من
خان يونس حيث ولد، وانتماؤه لحركة الإخوان المسلمين في سن مبكر من حياته. وأكمل
دراسته في كلية العلوم في الجامعة الإسلامية. واُثناء دراسته أظهر مواهب في مجال
التمثيل وانخرط في العمل الإسلامي. وأسس مسرح "العائدون". واعتقلته "إسرائيل"
في التسعينات من القرن الماضي وسرعان ما أطلقت سراحه.
وعمل مع آخرين
فيما بعد ومن ضمنهم الفلوجي على إنشاء كتائب عز الدين. وعرف بصبره وقدرته على
التعامل مع السلاح وكان له دور بارز في تطوير ترسانة الحركة العسكرية من صواريخ
ومتفجرات.
وبعد اغتيال
يحيى عياش "المهندس" عام 1996 في غزة بدأ دوره يتزايد في داخل الجناح
العسكري.
وعين قائدا
عاما للجناح في عام 2002 بعد اغتيال زعيمه. وبعد توليه المنصب أخذ يعمل على تطوير
استراتيجية بعيدة المدى. وشكل لجانا لمتابعة عمليات نقل السلاح من إيران ودول أخرى
وأسهم في تطوير قدرات الحركة والتصنيع الحربي في غزة، وشكل قوة عسكرية من
المقاتلين التي تلقت تدريبا عاليا وأشرف على بناء شبكة من الأنفاق لنقل الحرب
للأراضي الإسرائيلية.
قوة دولية
ولهذا السبب
تقول صحيفة "لوس أنجلس تايمز" إن "إسرائيل" مصممة على عدم
السماح لحركة حماس كي تبني قدراتها العسكرية بشكل تضطر فيه مرة أخرى للعودة لغزة.
وتقول إن "إسرائيل"
تبحث عن طرق لبناء قوة دولية كي تقوم بالإشراف على القطاع ومنع حماس من بناء
قدراتها العسكرية، والعقبة الوحيدة أمام هذا الطموح هو العثور على دول ترغب
بالمشاركة والقيام بالمهمة.
وتقول إن "إسرائيل"
تحدثت بشكل عام عن الفكرة أكثر من مرة في الأيام القليلة الماضية وتعتبر نقطة مهمة
في الحرب التي مضى عليها شهر تقريبا.
وترى الصحيفة
أن إعلان "إسرائيل" عن هدنة مدتها 7 ساعات للأغراض الإنسانية تؤشر
لاقتراب الجيش الإسرائيلي من تدمير الكم الأكبر من الأنفاق وترسانة حماس العسكرية.
وتقول مصادر إسرائيلية إلى أن الجيش يخطط لمواصلة جزء من عمليته أثناء فترة وقف
إطلاق النار.
وأكد المسؤولون
الإسرائيليون أكثر من مرة حاجتهم لعدد من الأيام للانتهاء من تدمير شبكة الأنفاق
خاصة أنهم يلقون دعما تكتيكيا من دول إقليمية مثل مصر والسعودية.
ومع نهاية
العمليات العسكرية تواجه "إسرائيل" مشكلة تتعلق بمنع حماس من إعادة بناء
قدراتها العسكرية من جديد. ومن هنا توصل المسؤولون الإسرائيليون لنتيجة مفادها
تشكيل قوة دولية قد تكون فاعلة لتحقيق الهدف.
ولقيت الفكرة
مبدئيا رد فعل إيجابي من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي.
أما من الناحية
العملية فتواجه الفكرة عوائق تتعلق بالدول الراغبة بالعمل في غزة، ويعترف
المسؤولون بمشكلة تتعلق بفصل حماس عن أسلحتها.
ويرى السفير
الأمريكي السابق في "إسرائيل" دانيال كيرتز إن هذا الأمر يعتبر الأسهل
حسب رأي الولايات المتحدة وعدد من دول أوروبا "ولكن هل ستتطوع الولايات
المتحدة وترسل الفرقة 82 للإشراف على نزع السلاح؟ أم هل سيتطوع الناتو أو دول
عربية؟".
ويقول إن جهة
ما يجب أن تقوم بنزع السلاح وحتى الآن لا توجد جهة تتقدم وتعرض خدماتها. وتضيف
الصحيفة أن منع تكرار حدوث القتال مرة أخرى أصبح هاجسا مهما للإسرائيليين
والفلسطينيين ودول العالم على حد سواء، ولكن النقاش حول قوة دولية هو مثال آخر عن
الكيفية التي يستعصي فيها الوضع في غزة عن الحل.
متعددة الجوانب
ويعتقد
الإسرائيليون أن المهمة يجب ان تشتمل على عدد من الوظائف منها الإشراف على توزيع
مليارات الدولارات التي ستتدفق لإعمار غزة، حيث تريد "إسرائيل" التأكد
من عدم قيام حماس بحرف جزء من المال للأغراض العسكرية.
كما يجب التأكد
من عدم استخدام المعدات التي ستدخل غزة لحفر الأنفاق. وتقول الصحيفة إن
الإسرائيليين أظهروا انفتاحا في موضوع من سيشرف على نزع الأسلحة لكنهم يرون منطقا
في دور مصري بالإشراف على المعابر الحدودية وتدقيق ما يمر منها لغزة، إضافة لدور
تقوم به السلطة الوطنية الفلسطينية، كما يمكن لدول مثل الأردن والسعودية لعب دور
في هذا الاتجاه. وسواء كانت السلطة مستعدة للعب دور في نزع سلاح حماس أم لا خاصة
أن السلطة لا تريد الظهور بمظهر من يقوم بعمل نيابة عن "إسرائيل" في ظل
المشاعر الحارة تجاه ما يجري من قتل وتدمير في غزة.
وتشير الصحيفة
لدعم كل من باراك أوباما، وجون كيري وزير الخارجية ومستشارة الأمن القومي سوزان
رايس لفكرة نزع السلاح، فيما قال توني بلينكين، نائب مستشارة الأمن القومي إن نزع
السلاح يجب أن يكون النتيجة النهائية لأي جهد من جهود السلام "حتى لا يتكرر
هذا الأمر مرة أخرى". ولكن لا الأمريكيين أو الأوروبيين تحدثوا بشكل علني عن
من سيقوم بالمهمة وتوزيع الجهد.
ويرى دانيال
أربيل الدبلوماسي الإسرائيلي السابق أن مصر يمكن أن تلعب دورا في هذا الشأن. ولا
يتعلق الأمر فقط بمراقبة ما سيدخل لغزة ولكن بكيفية التخلص من السلاح المتبقي بيد
حماس، خاصة أن الأخيرة حذرت من أنها لن تسلم أسلحتها دون قتال.
فيما أكد محمد
ضيف أن موضوع نزع السلاح لن يناقش قبل انسحاب "إسرائيل" من غزة ورفعها
مع مصر الحصار عن القطاع.
القدس العربي،
لندن، 5/8/2014