الفلسطينيون
في سوريا: التشتت والتهجير من جديد
تشتّت
الكثير من العائلات السورية بفعل "التهجير القسري" من حربٍ تدور منذ
حوالي الأربع سنوات عانوا منها الأمرّين. لكن المعاناة لا تقتصر على المواطنين
السوريين وحدهم، للفلسطنيين معاناة لا تقل آلامها عن إخوانهم في التهجير والحرب.
هم الذين هجروا من فلسطين وما زالوا يتمسكون بالعودة رغم أنهم وجدوا في سوريا
وطنًا لهم أصبحوا الآن بلا وطن أيضًا، وطالهم التهجير الذي عاناه أجدادهم في
الـ1948 حين انقسمت العائلات وتفرّق الأخوة والأهل.
أزمة
شتات وأزمة تفرقة يعاني منها الكثير من العائلات التي اضطر أفرادها للهرب من ويلات
الحرب ونيرانها، فمنذ أن اتخذت الحكومة اللبنانية إجراءات تمنع دخول الفلسطنيين
القادمين من سوريا إلى لبنان، باتت هناك عائلات تنزح من دون أم أو أب.
نور
ابنة الإثني عشر عامًا من أم فلسطينية وأب سوري من قاطني مخيم اليرموك، والتي نزحت
إلى لبنان في حزيران الماضي هربًا من الحصار في المخيم، تعيش ووالدها اليوم معاناة
إثر الانفصال عن والدتها بعد رحلة نزوح داخلية تشردوا خلالها في الشوارع لمدة
شهرين، تعيش اليوم في إحدى المخيمات وتعتني بوالدها المريض الذي لا يقوى على
الحراك ولا على العمل، تتذكر والدتها يوميًا وهي التي تتصل بها إن كانت شبكة
الإتصالات جيدة أسبوعيًا وأحيانًا أخرى ينقطع الإتصال ﻷسابيع، هي الطفلة التي حرمت
من منزلها وحضن والدتها بفعل الحرب وهي في عمر تعتبر فيه بأمس الحاجة لوجودها،
يحاول والدها التعويض من الإهتمام بابنته قدر الإمكان، تدمع عينا نور وهي تقول
لنا: "لم أرَ والدتي منذ ستة أشهر وأنا أشتاق إليها كثيرًا، لقد منعت من
الدخول معنا، أشعر بقهر شديد حين أرى أصدقائي في المخيم مع أمهاتهم وأنا لا".
إلى
جانب الأطفال، تعاني نساء كثيرات متزوجات لفلسطنيين من غياب الأب والرجل في
المنزل، فريال أم لتسعة أطفال من نازحي مخيم اليرموك أيضًا منع زوجها من الدخول
إلى لبنان كونه فلسطيني وسمح ﻷطفالها حينها بعد محاولات كثيرة، تحاول إعالة
أطفالها وحدها هنا بحيث تعمل وطفلاها الإثنان لتأمين رغيف الخبز لصغارها، يتصل بها
زوجها بين الحين والآخر وهي لم تره منذ ثمانية أشهر، أنهكت كاهلها المسؤوليات
والمتطلبات اليومية، وتروي لنا: "تعبنا كثيرًا لكي ننجو من الموت، وليس لي
أحد هنا ولا معيل، الأطفال بحاجة لدعم ووجود والدهم الذي حاول مرات عدة الدخول إلى
لبنان دون جدوى".
لم
يستسلموا حتى اليوم آملين أن تفتح الحدود بوجه أقاربهم المحاصرين قسرًا بعدما
حاولوا التواصل مع الأنروا التي أعربت عن استعدادها لتقديم المساعدات، ولكن ليس
بمقدورها التدخل بقرارات تتعلق بسياسات الحكومات وإجراءاتها، ليبقى الحل الأخير
لهؤلاء: "لألله يفرجها"، حسب قول فريال.
على
عكس فريال، يطمئن قلب أحمد ابن السبع سنوات الذي خرج من سوريا ووالده، ولم تستطع
والدته الخروج والتي لجأت للهجرة غير الشرعية عبر البحر واستطاعت الوصول إلى
السويد وهي اليوم على تواصل مع عائلتها وتحاول تأمين سفرهم الى السويد وأملهم بذلك
كبير، يقول الطفل الصغير بحماس: "أنا سأرى والدتي قريبًا، أنا فرحٌ جدًا..
ستطبخ لي من جديد وستضمني إليها وتهتم بي"، لا يعرف والده الفترة الزمنية
التي عليهما انتظارها بعد كي تقبل أوراقهم ويغادروا لبنان، لكنه موعود باللقاء
القريب والتحام العائلة مجددًا بعدما أنهكه الوضع من دون زوجته مع طفله وحيدًا.
يعتبر
الخوف الهاجس ﻷكبر لهؤلاء من أن لا يلتئم شمل عائلاتهم مجددًا، أو أن يُفقد أحد
أفرادها المحاصرين في سوريا بفعل الحرب، فيعيشون توترًا يوميًا بانتظار مكالمةٍ
هاتفية تطمئن قلوبهم وتعتبر صلة الوصل الوحيدة المتبقية لـ"جمع
العائلة". فتراهم يمسكون هواتفهم طوال الوقت وترقص قلوبهم على نغمة الهاتف
عندما يرن. مع هذا يتمنى هؤلاء ألّا تطول مدة الحرب أكثر من ذلك ﻷنهم اشتاقوا
العودة الى سوريا حيث عوملوا هناك باحترام وكانوا يحصلون على حقوق كثيرة فقدوها في
لبنان، هذا الوطن الذي يعاني فيه اللاجئين الفلسطينيين من وضعٍ سيء وشروط معيشية
مجحفة.
المصدر:
نادين جوني - سلابنيوز