اللاجئون الفلسطينيون من سورية بين رمال الصحراء ومافيات التهريب
مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية - أيلول 2013
مقدمة
"اللاجئون الفلسطينيون
من سورية بين رمال الصحراء ومافيات التهريب" تقرير خاص لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي
سورية يرصد معاناة اللاجئين الفلسطينيين السوريين وما يتعرضون له من مخاطر وصعوبات
خلال محاولتهم الوصول إلى ليبيا أملاً منهم بإيجاد مخرج لأزماتهم، حيث قامت مجموعة
العمل من خلال مندوبيها في مصر وليبيا بإجراء المقابلات التي رسمت ملامح تلك المحاولات،
لتقدم صورة حقيقية لحجم المعاناة والألم التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني السوري في تلك
البقعة من الأرض.
"لم نمت ولكن رأينا
الموت بأعيننا، وتمنيناه في بعض الأحيان"
صور أخرى من معاناة اللاجئين الفلسطينيين من سورية أفرزتها الحرب المستعرة هناك,
والمشهد سنراه في اتجاهين الأول من الحدود الليبية – المصرية بين معبر السلوم المصري
ومعبر مساعد الليبي, والثاني بين صحراء سيوه المصرية وصحراء مساعد الليبية.
لقد فتحت الحدود المصرية لأول مرة في وجه اللاجئ الفلسطيني من سورية، وتدفقت
أعداد لا بأس بها إلى المدن المصرية، جزء منهم لم تكن وجهته مصر بل كانت بمثابة معبر
سيحمله إلى ليبية حيث فرص العمل والأجور الجيدة، التي تعينهم ومن يعولون في المخيمات
والتجمعات الفلسطينية في سورية، والذين أصبحوا في غالبيتهم مهجرين في المدارس ومراكز
الايواء أو نازحين إلى المناطق الآمنة في سورية ولكن بلا عمل ولا معيل.
دخل العديد من العائلات الفلسطينية القادمة من سورية إلى ليبية مع بداية الأحداث،
ولكن سرعان ما أغلقت السلطات الليبية الحدود في وجوههم، مع بداية شهر كانون الأول من
العام الماضي 2012.
أصرت بعض العائلات على الدخول إلى هذا البلد العربي بطرق غير شرعية، فسلكت لذلك
الصحراء عبر مهربين امتهنوا هذا الحرفة, أو عن طريق المعابر بدفع أموال طائلة لوسطاء
يمررونهم بدون أختام أو بأختام مزورة.
مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية رصدت من خلال مندوبيها في مصر وليبية معاناة
هؤلاء اللاجئين وأجرت معهم اللقاءات التالية:
(م.م) فلسطيني – سوري في
العقد الخامس من العمر يحمل إجازة في الحقوق، سكن مخيم النيرب قبل انتقاله إلى حي سيف
الدولة في مدينة حلب استهل حديثه "دخلت ليبية منذ قرابة السنة وأسست فيها لشركة
إعلانات في مدينة بنيغازي، واشتريت سيارة واستأجرت منزلاً، ثم عدت إلى سورية لاصطحاب
زوجتي وأطفالي الثلاثة، وما بين ذهابي وعودتي أغلقت السلطات الليبية الحدود في وجه
حملة الوثائق الفلسطينية، فاضطررت للإقامة مدة سبعة أشهر في مصر بانتظار فتح الحدود
التي لم تفتح، فقمت بالاتفاق مع أحد المهربين لادخالي إلى ليبية عبر معبر السلوم.
بدايةً أوقفني حاجز الجيش المصري في السلوم، ورفض الضابط دخولي مع عائلتي، ومنع
أيضاً دخول عائلة فلسطينية أخرى قادمة من قرية البويضة في ريف دمشق الجنوبي قرب مخيم
السبينة للاجئين الفلسطينيين، فبقينا تحت حر الشمس قرابة الست ساعات نروح ونغدو بلا
فائدة، حتى تغيّر الضابط المناوب لدى الحاجز وجاء ضابط آخر، فنزلت امرأة مسنة برفقة
حفيدها المعاق الذي لا يتجاوز من العمر عشر سنوات, وأخذت تترجى الضابط أن يسمح لنا
بعبور الحدود حتى رق قلبه وأمر جنوده بفتح الحاجز أمامنا، وعند الجمارك المصرية بعد
الحاجز العسكري كان المهرب يعرف العاملين هناك فاجتزناها بسلام.
وعند المنطقة المحايدة فاجأنا مسلحون ليبيون من الجمرك الليبي، وأخذوا يصرخون
بنا وبالسيارات المصرية الواقفة، وسلطوا علينا أسلحتهم الرشاشة، عندها تحرك المهرب
المصري بسيارته بسرعة فائقة، في اللحظة التي كنت أتناول بها طفلتي من أمها لأضعها بجانبي
والتي كانت تقف على الأرض، فسقطت الطفلة من بين يدي على وجهها، فتخضبت بالدماء نتيجة
ارتطامها بالإسفلت والحجارة الصغيرة التي كانت تفترش الشارع، وكاد يمر السائق فوق جسدها
النحيل, فما كان مني إلا أن صرخت في وجهه وضربته بيدي، فتوقف على الفور، ونزلت لالتقاط
ابنتي التي لم يتجاوز عمرها الخمس سنوات، لقد كانت تنزف من رأسها ووجهها ويديها ورجليها،
بسبب الجروح المغطية لكامل جسدها فاستنجدت بالمسلحين أنفسهم، وركبنا معهم جميعاً بسيارتهم
إلى مستشفى "مساعد" الليبي القريب من المنطقة، الذي قدم لنا الإجراءات الاسعافية
اللازمة ودخلنا بعدها جميعاً الأراضي الليبية".
(م.ن): أب لطفلتين ويسكن
في حي العروبة في مخيم اليرموك اختار الدخول إلى ليبية عن طريق صحراء سيوه المصرية
يقول: "اتفقنا مع مهرب مصري أنا وثلاث عائلات أخريات جميعهم من المخيم ليدخلنا
إلى مدينة طبرق الليبية مقابل مبلغ 350$ عن كل شخص.
وفي الساعة المحددة من صباح اليوم التالي جاء المهرب وحشرنا جميعاً في سيارة
بيك أب مغطاة بشادر، كان عددنا ثلاثة عشر شخصاً بالإضافة إلى ستة أطفال وامرأة حامل
في شهرها الثالث، ولم يمض على زفافها أربعة أو خمسة أشهر وهي في السابعة عشر من العمر.
لقد تكدسنا جميعاً في السيارة كالأغنام، حينها تذكرت قصة غسان كنفاني رجال تحت
الشمس وتساءلت هل سيكون مصيرنا مثل أولئك الشبان إبان النكبة الأولى عام 1948، حين
قضوا في صحراء العراق والكويت بحثاً عن قوت أطفالهم؟
انطلقنا ليلة الخميس من مدينة سيوه المصرية وكان المتوقع الوصول خلال ثمان أو
عشر ساعات -حسب تقدير المهربين- إلى منطقة "مساعد" الليبية ومن ثم ساعتان
أو ثلاثة إلى طبرق".
ويتابع "اخترقنا رمال الصحراء الموحشة، وكان الصمت والخوف سيدا الموقف،
قضينا الليل كله على هذا الحال، وعند الفجر سمعنا بعض طلقات الرصاص تخرج من حولنا،
عندها انطلقت السيارة بسرعة جنونية، ليزداد معها إطلاق الرصاص باتجاهنا، وأخذت السيارة
تميل إلى اليمين تارة وإلى اليسار تارة أخرى، ما تسبب بسقوط جميع حقائبنا من أعلى السيارة,
وأمسك الجميع ببعضهم، بينما أخذ الأطفال يصرخون وأمهاتهم تبكي بصمت وبصوت خافت مخنوق.
لم أعد أحتمل فصرخت بالسائق تمهل قليلاً فرد علي: ((لو سقط منكم أي واحد ومات!
لن أستطيع الوقوف كي أنقذه، سنتركه ونمشي والأفضل الآن لك أن تصمت، ولا تكثر الكلام!
ألا ترى الرصاص ينطلق من كل مكان إنهم قطاع طرق إذا توقفنا سيأخذوا كل ما لدينا، وقد
تصل حماقة البعض منهم بأن ينتهك أعراضكم، وقد يتمادى البعض ليقتل غير آبه بذلك، لكل
هذا لن نتوقف)).
بقينا على هذه الحال مدة ساعة خلالها تغير مسار رحلتنا، وغصنا أكثر في الصحراء،
وخفف السائق سرعته عندما انقطع إطلاق النار ولم نعد نسمع أزيزه.
انقضى ذاك النهار ولم نصل بعد، وخيم الليل علينا من جديد ونحن نمضي في صحراء
موحشة، لا نرى فيها أي شيء من حولنا, والخوف يعترينا جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً،
فلم نحمل معنا من الطعام سوى القليل من الخبز وعلب الجبن وعبوتين من مياه الشرب كانتا
قد نفدتا.
طلع الفجر علينا مرة أخرى، سألت السائق كم من الوقت تبقى لنا لكي نصل؟, قال:
لقد اقتربنا كثيراً ساعة أو ساعتين على الأكثر ونصل إلى منطقة مساعد الليبية.
خلال ذلك بدأت الشابة الحامل تتألم كثيراً من بطنها، وطلبنا من السائق التوقف؟
لم يفعل! صرخت فيه لم يفعل! قال:انتظروا قليلاً ودعوا المرأة تصبر, فانتظرنا لكن المرأة
ازدادت ألما وبدأت الدماء تبلل ملابسها, عندها جن جنون الزوج وأخذ يصرخ ويشتم السائق
ويطلب منه التوقف، إلا أنه لم يرد ببنت شفة، بل ما كان من مرافق السائق إلا أن أشهر
مسدسه في وجهنا وصرخ قائلاً التزموا الصمت لقد قلنا لكم اقتربنا, وبعد ساعة ونصف تقريباً،
وصلنا إلى منطقة مساعد وعلى الفور قادنا السائق إلى أقرب مستشفى هناك. وأدخلنا الفتاة
لقسم الإسعاف وقد بدت شاحبة الوجه وأخذت تغيب عن الوعي فنقلت فوراً إلى غرفة العمليات
وأجريت لها عملية تجريف رحم عقب الإسقاط الذي تعرضت له نتيجة السفر، ونقل لها ثلاث
وحدات من الدم، وأخبرنا الطبيب لو أننا تأخرنا قليلاً من الوقت لماتت الشابة من شدة
النزف لكن الله أنقذها فالحمد لله على سلامتها, ووبخ زوجها قائلاً: كيف تجازف بها وبنفسك
حرام عليك ما فعلت؟!.
(ب.ش): لاجئ فلسطيني من
مخيم اليرموك – شارع القدس، أب لأربعة أولاد ترافقه أمه التي تبلغ من العمر خمسة وسبعين
عاماً يقول في سياق وصفه لرحلة العذاب إلى ليبيا: "وصلنا أنا وثلاثة من أصدقائي
وعائلاتهم إلى مصر قاصدين ليبيا ولكن الحدود أوصدت في وجهنا، فنزلنا مدينة مرسى مطروح
المصرية وقررنا البقاء هناك ننتظر فتح الحدود، ولكن طال بنا المقام في هذه المدينة،
ونفد كل المال الذي بحوزتنا وصرنا نعيش على المساعدات، فبدأنا البحث عن عمل، فوجد البعض
عملاً وبأجر زهيد، والبعض الآخر لم يجد، وبعد انقضاء سبعة أشهر ضاقت بنا الدنيا فقررنا
السفر إلى ليبيا تهريب عبر المعبر بواسطة مهربين،بشرط أن تدفع كل عائلة 1000$.
كان لدى زوجتي بعض المصاغ فقمت ببيعه وجمعت مبلغ 2000$, 1000 منها سأدفعها للمهرب
والألف الأخرى استأجر بها بيت وأصرف بالباقي حتى أجد عملاً.
اتفقنا أنا وعائلتين من مخيم الحسينية، وعائلة أخرى من مخيم اليرموك، وعائلة
سورية من جسر الشغور الذهاب في هذه الرحلة.
في اليوم الموعود ركبنا السيارات وعبرنا الحاجز المصري بعد أخذ ورد مع حواجز
الجيش، وتوقفنا عدة ساعات هناك حتى سمح لنا بالدخول، وعند الجمرك الليبي قام السائق
بختم جوازات سفرنا (والتي اكتشفنا مؤخراً أنها مزورة) وانطلقنا داخل الأراضي الليبية
متجهين إلى مدينة طبرق ومن ثم إلى بنيغازي حسب الاتفاق, وفي مدينة مساعد الليبية أنزلنا
المهربون، وبدلوا السيارات وسلمونا لمهربين آخرين ولكن هذه المرة كانوا ليبيين.
وحسب الاتفاق قمنا بتسليم المبلغ المتفق عليه، وبين طبرق وبنيغازي خيم الظلام
علينا وطلب منا النزول للاستراحة ودخلنا إلى بيت هو أشبه بحظيرة المواشي وأغلق علينا
الباب، وبعد ساعات قليلة بدأ إطلاق الرصاص على المكان المتواجدين فيه، ففزعنا وبدأنا
نقرع الباب ونصرخ ونستغيث !! وفجأة فتح الباب بقوة، وإذا بخمسة مسلحين يمتشقون أسلحتهم
وسلبونا كل ما نملك ثم عادوا وأغلقوا الباب علينا.
بعد ساعتين كان قد انتصف الليل فعاد المهربون الليبيون وأركبونا السيارات واتجهوا
بنا إلى بنيغازي منكرين علاقتهم بالمسلحين الذين اقتحموا المكان وعند الفجر وصلنا أطراف
المدينة، حيث نزلنا ولنبدأ مرحلة جديدة من مراحل البحث عن الأقارب والأصدقاء في بنيغازي
والطلب منهم بالمجيء إلينا لأخذنا من المكان المتواجدين ولنفترق بعدها هناك".
(ر.ج): من سكان جادات بئر
السبع الواقعة على امتداد شارع الثلاثين في مخيم اليرموك، في العقد الرابع من العمر
متزوج وله ثلاث أطفال أكبرهم في الصف الأول الابتدائي وأصغرهم لم يتجاوز السنة يقول:
"بعد أن أقمنا عدة
أشهر في مخيم خان الشيح عند أقارب لنا هناك، وبعد قصف مخيم اليرموك بالطيران الحربي
يوم 17\12\ 2012 ودخول الجيش الحر إليه، ليصبح ساحة حرب حقيقية بين أطراف النزاع في
سورية, إلا أن تعرض مخيم خان الشيح للقصف أيضاً خاصة منطقة المزارع حيث كنا نسكن، جعلني
أقرر الذهاب إلى مصر واللحاق بأهلي هناك, وبالفعل تيسرت الأمور ووصلت إلى القاهرة وأقمت
معهم في مدينة 6 أكتوبر في القاهرة بمنزل مكون من ثلاثة غرف يسكنه حوالي الـ19 نفراً،
لقد كنت مضطرا ً للبقاء هناك لأني لا أملك أن أستأجر بيت لوحدي، وبحثت عن عمل فلم أجد
عندها قررت الرجوع إلى سورية.
إلا أن خالي الذي كان قد سبقني إلى مصر وأقام في مدينة مطروح على الحدود مع
ليبيا جاء لزيارتنا في القاهرة، فأقنعني وأخي بالذهاب إلى ليبيا.
في الأول من رمضان اتفقنا مع مهرب مصري قال أنه سيوصلنا للمنطقة المحايدة مقابل
600 جنيه مصري لكل شخص.
وفي اليوم التالي ركبنا الحافلة صباحاً وكانت الأمور ميسرة، رغم رفض الضابط
المصري عند حاجز الجيش دخولنا ولكن بعد مضي ساعتين هناك قام بإدخالنا، واجتزنا الجمارك
المصرية وصرنا في المنطقة المحايدة وكان بانتظارنا هناك مهرب ليبي اتفقنا معه أن يوصلنا
إلى بنيغازي مقابل 1000$ للعائلات الأربعة، أنا وأخي وخالي وعائلة رابعة صديقة لخالي,
ووصلنا إلى بنيغازي بسلام، وكانت رحلة ميسرة بخلاف الرحلات السابقة التي سبقتنا".
يتابع (ر.ج) "عند وصولنا بنيغازي توزعت العائلات كل عائلة عند أقارب لها
أو أصدقاء, أنا نزلت عند أقارب زوجتي، ومكثت عندهم عدة أيام، لم أفلح خلالها بالعثور
على منزل للإيجار، وكنا خلال هذه الأيام كالأسرى عند من نسكن عندهم, لا نستطيع التحرك
إلا إذا هم تكرموا علينا بالخروج ففي هذه المدينة لا يمكن التحرك إلا بسيارة، بسبب
التحذيرات من الأوضاع الأمنية المنفلتة، والمسلحون وعصابات التشليح وحتى القتل".
في اليوم الخامس، قررت الخروج بالأولاد من البيت إلى السوق أو إلى البحر للتفسح،
وركبت سيارة أجرة وطلبت من السائق التوجه إلى كورنيش البحر، ومن خلال حديثي مع السائق
اكتشف أنني لست ليبياً, فدخل بي في شوارع وحارات معتمة، وكانت الساعة العاشرة ليلاً
أي بعد صلاة التراويح فقد كنا في العشر الأولى من رمضان, وفجأة توقف واستل سكينا, وهددني
بها أمام أطفالي، وطلب مني إخراج كل ما بحوزتي، فما كان بي إلا أن أخرجت ما يريد، وأمرني
أن أنزل من السيارة وتركنا في مكان معتم لا أعرف أين أنا وإلى أين أذهب، قتلني الخوف
والرعب، اللذان كانا يملآن المكان، بعدها مرت سيارة يركبها شابان ملتحيان قصصت عليهما
ما جرى لي فأركباني معهما، وأوصلاني إلى المكان الذي أسكن فيه، بعد أن اتصلت بالشخص
الذي أسكن عنده.
لم أنم ليلتها، بل سهرت أحزم أمتعتي مقرراً العودة إلى مصر, وأجريت اتصالاتي
مع المهرب الذي أتى بنا، وطلب مني 500 دينار (قرابة 400$) فاستدنت ما ينقصني من المبلغ
المطلوب، وصباح اليوم التالي انطلقت باتجاه الحدود الليبية المصرية، وهناك مررنا من
الجمرك الليبي بسلام وعند الحاجز العسكري المصري أوقفونا ومنعونا من الدخول، وقال لي
الضابط المصري ممنوع دخول الفلسطيني أرض مصر، هذا قرار لا رجعة عنه وإذا عدت مرة أخرى
إلى هنا سأضعك في السجن, عد من حيث أتيت.
في طريق العودة كم تمنيت أن أموت أنا وأولادي الثلاثة وزوجتي، آه لو أن شاحنة
تدهسنا جميعاً وأنتهي مما أنا فيه.
عدت لمدينة بنيغازي مكرهاً ونزلت عند صديق لخالي، مكثت عنده عدة أيام إلى أن
هدأت نفسي قليلاً، وكان أخي خلالها قد استأجر بيتاً فانتقلت إليه وبدأت أعيش الأمر
الواقع، فكل يوم يمر أتمنى فيه أمنية واحدة هي أن أجمع بعض المال وأسافر في البحر إلى
أوروبة، فلا مقام للفلسطيني بعد الآن في هذه الدول العربية".
لم تكن هذه القصص من نسج الخيال إنما هي من واقع عاشه ويعيشه شريحة جديدة من
اللاجئين الفلسطينيين الفارين من الحرب في سورية, والذين قادتهم أرجلهم إلى مصر وليبية.
وبعد هذا العرض نقول مرة أخرى أننا نضع تلك المعاناة وتلك المآسي برسم المسؤولين
الفلسطينيين، والعرب والدوليين، ليروا حجمها الحقيقي والتي أجبر اللاجئ الفلسطيني على
عيشها، لعلهم يتحركوا لينقذوا ما يمكن إنقاذه.