لاجئو فلسطين في سوريا يكتوون بنيران
الحصار وظلم القريب
د.حمد: نواجه صعوبات في التواصل
المباشر مع اللاجئين الفلسطينيين
حمود: حراك بعض الدول أقل من حجم المأساة الكبيرة لمخيم اليرموك
يكتظ المكان بشهادات الموت البطيء و
الوجع الدفين ، جثث الأحياء ملقاة في كل زاوية من زوايا المخيم ، تموت الحياة في
دولاب الزمان بلا رحمة تذكر ، هنا معالم الحياة تبدو باهتة ، مصفرةٌ أوراقها بحجم
ذبول أجساد الصغار من العدم ، تُقتل الطفولة في مهدها ، وتذبح البراءة على مقصلة
الحصار ، ويبقى الصمت الأنيس الأوحد للشفاه الجائعة ، كل شيء هنا يخبرك أن الموت
حليف المقيمين فيه ، ولا مفر إلا إلى السماء بعد أن ضاقت الأرض بالجائعين
المحاصرين في مخيم اليرموك، صرخات النساء
والأطفال تعالت لكنها لم تلامس أسماع الإنسانية أو نخوة المعتصم .
شهادة الألم هذه المرة لأسرة اللاجئ
الفلسطيني من داخل مخيم اليرموك أبو طارق " 45 عام " أب لـ 5 أطفال يعيشون في أوضاع صعبة وقاسية للغاية في ظل غياب
المقومات الإنسانية للحياة ، فلا وجود لكهرباء
أو ماء ، ظروفٌ يصعب للآدمي العيش
فيها لعدم قدرته على تحملها .
وقال :" نقضي يومنا بالكامل على
وجبة طعام واحدة، نأكل العدس والفول وهو نيئ، وعند مرض أحد أطفالي لا أستطيع
علاجه، ولا وجود لأي مساعدات تذكر ومن يقول غير ذلك فهو كاذب ".
وأضاف والألم يبدو على ملامح صوته
الذي أنهكه الجوع والتعب:" منذ أكثر من 5 أشهر لم نتلقى أي مساعدات من أحد ،
سوى أنني وجيران الحي نعين بعضنا ونساعد في تقاسم ما نملك ، وفي كثيرٍ من الأحيان
أذهب للعمل في السوق مودعاً أهلي وأطفالي و كأني لن أعود ، فالموت لا يرحم أحدٌ
هنا ".
غياب الضمير!
وبين أنه يخاطر في نفسه من أجل
الحصول على بعض الليرات كي يشتري بها قوت يومه لأطفاله الصغار ، وفي الأيام
التي يشتد فيها القصف يمتنع عن الذهاب
لينام كل يوم بدموعه ، لشعوره بالعجز عن توفير الطعام والشراب لهم .
وأوضح بأنه يمر عليهم عدة أيام دون
طعام في ظل غياب الضمير الإنساني وعدم التحرك من أحد ، مناشداً كل أحرار العالم للتحرك السريع من أجل إنقاذهم ليس بالطعام
والشراب بل بإنقاذ ما تبقى من كرامة لدى أحرار العالم وشرفائه .
الخمسينية أم نبيل تعاني من أمراض
مزمنة ، وتعيش بوضع مزرٍ للغاية بدون كهرباء أو ماء أو طعام ، لتتابع :" تمر علينا أيام نفتات الخبز
بالماء ونطعمه لأطفالنا الذين يشتكون الجوع في كل لحظة ، عدا عن بكائهم المستمر
مما أضطر لاختلاق الحكايا من أجل أن ينسوا الجوع ويستسلموا للنوم ".
أما أم محمد والتي تعاني من مرض السكري والضغط ، تمر عليها
الأيام تتجرع فيها الألم بسبب غياب العلاج
وحدوث هبوط يومي في السكري مما أضطر إلى
تناول سكر الطعام بالرغم من أضراره بصحتها .
أما مريم والبالغة من العمر "
32 عاماً " ، أم لأربعة أبناء ،
استشهد شقيقها وفي كل يوم
تذهب للجيران علها تجمع ما تطعم بها
أطفالها ، ولا ترى زوجها إلا في كل أسبوع
مرة يعطيها بعض الليرات القليلة من أجل أن تعيش .
وتابعت :" الأسعار مرتفعة جدا في السوق وبالكاد نستطيع ان
نشتري خبز أو مواد غذائية ، وأنا مستعدة من أجل أن أقطع لحمي لأطعم أطفالي الجياع
كي لا أرى دمعاتهم ، فكل يوم أموت ألف مرة لكن ليس باليد حيلة ".
ويشهد مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم 20 ألف لاجئ,
وبقية المخيمات الفلسطينية في سوريا تدهوراً كبيراً في الأوضاع الصحية والإنسانية,
ونقصٍ حاد في المواد الغذائية والطبية بسبب الحصار المفروض على المخيم منذ سبتمبر
2013, فيما بلغ عدد الضحايا من
الفلسطينيين في سوريا 1892, منهم 33 ضحية جراء الجوع والحصار المفروض على مخيم
اليرموك و130 ضحية جراء التعذيب, بينما بلغت ضحايا القصف 762 ,فيما بلغ عدد
المعتقلين466 حتى تاريخه.
أوضاع كارثية
من جهته , وصف المنسق العام لـــ "مجموعة العمل من
أجل فلسطينيي سوريا" طارق حمود
أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في
سورية بالكارثية وخاصة في مخيم اليرموك
للاجئين الفلسطينيين قائلاً :" نتحدث
في هذه الأيام عن 33 شهيداً يموتون جوعاً بشكل يومي ، وسيرتفع هذا الرقم إلى أعداد مهولة ومذهلة أمام
المخاطر القادمة التي تهدد حياة الآلاف من قاطنيه في مشهد غير مسبوق من الصمت
المحيط ".
ويقبع مخيم اليرموك تحت الحصار منذ
177 يوماً على التوالي ، بعيداً عن أدنى مسؤوليات فلسطينية توازي مأساته وكارثته ،
مضيفاً :" مع الأمل الذي بثه حراك الأمس في غزة ورام الله وحيفا وبيروت وعمان
للتضامن مع اليرموك إلا أن الحراك أقل من حجم المأساة الكبيرة ، لكنه عبر بشكل أو
بآخر أن الشعب الفلسطيني في كل مكان متوحد
الهم والشعور ".
وتابع :" إنقاذ المخيمات
الفلسطينية في سوريا تتم من خلال خروج كل
الأطراف الفلسطينية من المشهد الدموي سواء الجبهة الشعبية القيادة العامة وفتح
الانتفاضة وغيرها ، أو بعض المجموعات الأخرى التي تقف بالصف المقابل ، لأن حياد
الفلسطينيين الركيزة الوحيدة للخروج من ذلك ".
وأشار إلى أن هذا الموقف هو محل
إجماع في الشارع الفلسطيني لكن التوريط الذي مارسته بعض الفصائل الفلسطينية مازال السبب الرئيس لكارثة الفلسطينيين .
لا إرادة واضحة !
ونوه إلى أنه في حال الوصول إلى
تشخيص دقيق للحالة فإن الإنقاذ يكمن في
الموقف الموحد للقيادة الفلسطينية التي لم تدرك حتى اللحظة أهمية وخطورة تجاهل
مأساة الفلسطينيين في سورية ، في الوقت الذي لاتزال ملفات سياسية مثل المفاوضات
والمصالحة تحظى بأهمية إعلامية وسياسية أكثر من الدماء التي تسيل هناك .
وعن دور " الأونروا " في
التخفيف من معاناة الفلسطينيين اللاجئين
أكد بأنه يقع على عاتقها دوراً فاعلاً في التخفيف من معاناتهم باعتبارها
مؤسسة أممية معنية ومسؤولة عن رعاية الفلسطينيين اللاجئين ، ولكنها حتى الآن لم تمتلك الإرادة لتحقيق أي
اختراق في مأساة فلسطينيي سورية سواء على صعيد مخيم اليرموك أو المخيمات الأخرى
داخل وخارج سورية ، مختبئة خلف عباءة العجز المادي والظروف الأمنية.
وأضاف :" نحن وكمجموعة عمل
لدينا مندوبين داخل مخيم اليرموك وكافة المخيمات الأخرى لنقل تفاصيل ما يحدث يومياً وفق آلية مهنية
متفق عليها ، وبالرغم من أننا مجموعة حقوقية وتوثيقية ليست معنية بالإغاثة إلا أننا نتواصل مع العديد من المؤسسات
الإغاثية عبر العالم"، مشيراً إلى تقديمهم لقاعدة بيانات كاملة حول وضع اللاجئين
الفلسطينيين السوريين في كل مكان من أجل التدخل الإنساني ، لكن علينا الاعتراف بأن
حاجة اللاجئين باتت أكبر بكثير من أن تستوعبها المؤسسات مهما كثرت ، لأن الموضوع
يحتاج إلى تحرك عاجل على صعيد المنظمات والدول.
مناشدة بتحييد المخيمات
وفي السياق نفسه, أوضح وكيل وزارة
الخارجية في حكومة غزة د. غازي حمد أن الحكومة الفلسطينية قامت بإرسال العديد من
الرسائل الخاصة إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية, أكدت فيها على ضرورة
تحييد المخيمات الفلسطينية من الصراع الدائر في سوريا وتوفير الحماية للاجئين,
وضمان وصول المساعدات إليهم, وتابع:" تواجه الحكومة صعوبات كبيرة في التواصل
المباشر مع اللاجئين؛ مما دفعنا للتواصل مع بعض المنظمات الخيرية والاغاثية لإدخال
المواد الأساسية للمحاصرين.
فيما أدانت الحكومة الفلسطينية في
بيانها السياسي خلال اجتماعها الأسبوع الماضي ما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون في
سوريا من قتل وتضييق الأمر الذي أدى إلى وفاة
15 لاجئاَ فلسطينياً في مخيم اليرموك نتيجة للجوع والحصار في ظل استمرار
الحصار الخانق وعدم إدخال المواد الغذائية على المخيم ، وجددت الحكومة
مناشدتها لأطراف الصراع بتحييد المخيم
والسماح بالحياة الآمنة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، داعيةً وكالة الغوث الدولية
والمفوضية العليا للاجئين بتحمل مسؤولياتهم تجاه اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
المصدر: الرأي- ديـــنا فـــروانة