بعد انتقادات من بطء إجراءات محافظة دمشق وتزايد
عمليات سرقة في المنازل المدمرة
الثلاثاء، 26 كانون الثاني، 2021
«نشّفوا دمنا. طلّعوا روحنا»، بهذه الكلمات عبر
لاجئ فلسطيني من نازحي مخيم اليرموك على إجراءات محافظة دمشق لإعادة الأهالي إلى منازلهم،
بعد اتخاذها قرارا بإعادتهم قبل أكثر من 3 أشهر.
ويقول لـ«الشرق الأوسط»، اللاجئ النازح من المخيم
منذ أكثر من 8 سنوات، ويعاني كغالبية النازحين من الارتفاع الجنوني لإيجار المنازل
والأسعار بشكل عام: «لم نر منهم (مسؤولي المحافظة)، إلا زيارات (فاضية) شكلية ولالتقاط
الصور». ويضيف: «منذ الإعلان عن قرار عودتنا لم نأخذ منهم إلا الحكي. آلية أو اثنين
فقط تعمل على إزالة الأنقاض، ولم يصلحوا (شبكة) الكهرباء ولا (شبكة) المياه ولا (شبكة)
الصرف الصحي. إن استمر الأمر على ذلك نحتاج إلى عام أو عامين لنعود».
ويوضح، أن الشوارع الرئيسية في المخيم (شارع اليرموك
الرئيسي وشارع الثلاثين وشارع فلسطين)، تم إزالة الأنقاض منها وفتحها منذ أكثر من عام
على نفقة «منظمة التحرير الفلسطينية»، وجرى تنظيف عدد من الطرق الفرعية والجادات من
قبل «فرق تطوعية أهلية»، والأعمال التي تقوم بها المحافظة تكاد لا تذكر.
ويقع «مخيم اليرموك» على بعد أكثر من سبعة كيلومترات
جنوب العاصمة السورية، وتبلغ مساحته نحو كيلومترين مربعين، وألحقته محافظة دمشق بها
إدارياً خلال الحرب، بعدما كان منذ ستينات القرن الماضي يتمتع بخصوصية إدارية مُنِحت
له بقرار رسمي، بأن تديره «لجنة محلية» بشكل مستقل.
وأعلنت محافظة دمشق، في بداية أكتوبر (تشرين الأول)
2020 عن قرار بإعادة أهالي «مخيم اليرموك» إلى منازلهم، ووضعت 3 شروط لعودة الأهالي؛
هي: «أن يكون البناء سليماً»، و«إثبات المالك ملكية المنزل العائد إليه»، و«حصول المالكين
على الموافقات اللازمة للعودة إلى منازلهم».
وبدأت المحافظة بعد ذلك في الشهر نفسه، تسجيل أسماء
الراغبين بالعودة إلى المخيم الذي استعادت الحكومة السيطرة عليه في مايو (أيار)
2018. بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة ومن ثم تنظيمي «داعش» و«هيئة تحرير الشام»
عليه منذ أواخر عام 2012. حيث يتجمع يومياً العشرات من سكانه على جانبي الطريق في مدخله
الشمالي بانتظار تسجيل أسمائهم للعودة.
ويذكر لـ«الشرق الأوسط»، أهالي من المخيم، أن أكثر
من 3 آلاف عائلة تقدمت بطلبات إلى محافظة دمشق للعودة إلى المخيم منذ إعلان المحافظة
البدء بتسجيل أسماء الراغبين بالعودة. لكن عضو المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، المسؤول
عن ملف المخيم سمير جزائرلي، ذكر في تصريحات للإعلام المحلي نشرت في التاسع من الشهر
الحالي، أن 1200 شخص من أهالي «مخيم اليرموك»، تقدموا بطلبات للعودة، وأن الموافقة
منحت لـ500 طلب منها، لتحقيقها الشروط كافة التي تتضمن أحقية صاحب الطلب بالملكية والسلامة
الإنشائية وموافقة الجهات المختصة، مشيراً إلى وجود 400 عائلة أخرى عادت قبل 10 نوفمبر
(تشرين الثاني) 2020.
ومنذ الأسبوع الأول من الشهر الحالي بدأت دمشق،
بإصدار موافقات أمنية تسمح بعودة دفعة من المتقدمين بطلبات للعودة والسكن في المخيم،
ممن استوفوا الشروط المطلوبة، حيث تسلم عدداً من الأهالي موافقات وأرقام سكن للعودة
من قبل الجهاز الأمني المخول بمنح موافقات أمنية لأهالي المخيم.
«م.ن»، مواطن سوري نزح من منزله في المخيم، يشير
لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الفساد المستشري في مؤسسات الدولة حالياً لا يوصف، والبطء
في عمليات إزالة الأنقاض وتنظيف الشوارع وإعادة الخدمات قد يكون متعمداً من قبل بعض
المسؤولين». ويضيف: «بعد قرار العودة تزايدت عمليات سرقة ما تبقى في المنازل، وكذلك
عمليات هدم أسقف البيوت القائمة لاستخراج الحديد وبيعه وكل ذلك يجري أمام أعين السلطات
الموجودة في المنطقة».
وتسببت المعارك التي دارت في المخيم بين الجيش النظامي
من جهة؛ وفصائل المعارضة المسلحة وتنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» من جهة ثانية، في حجم
دمار يتجاوز نسبة 60 في المائة من الأبنية والمؤسسات والأسواق والبنى التحتية، بينما
النسبة المتبقية تحتاج إلى ترميم كبير يكلف مبالغ مالية باهظة للغاية.
وذكرت «مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا» يوم
الجمعة الماضي، أن عدداً من الناشطين طالبوا محافظة دمشق برفع يدها عن ملف «مخيم اليرموك»،
بدائرة خدماتها، لأنها أثبتت فشلها الذريع تجاه المخيم خلال العامين الماضيين، مشيرين
إلى أنها لم تحرك ساكناً ولم تقدم أي خدمات لتحسين واقع البنى التحتية ورفع الأنقاض
والركام من حارات وشوارع المخيم، كما أنها لم تستطع إيقاف سرقة بيوت وممتلكات الأهالي
وتوقف «عفيش» واحد وتحيله للقضاء.
وشدد الناشطون على ضرورة عودة «اللجنة المحلية لمخيم
اليرموك» كسابق عهدها تابعة لوزارة الإدارة المحلية مباشرة، منوهين بأنهم لم يروا من
محافظة دمشق سوى إصدار المخطط التنظيمي الأسود، الذي كان يهدف لزيادة مأساة أهالي المخيم
الذين يعانون من الفقر والتشرد والأزمة تلو الأزمة نتيجة عدم تمكنهم من العودة إلى
منازلهم، متسائلين عن سبب هذا الاستخفاف بحقوق الملكية وصيانتها وقدسيتها المنصوص عليها
بالدستور.؟ تجاه سكان المخيم اليرموك.
وكان أهالي المخيم، اشتكوا في وقت سابق من مماطلة
محافظة دمشق بصفتها المسؤولة المباشرة عن المخيم، منتقدين عدم جديتها في العمل وانشغالها
بالدراسات البطيئة التي تعتبر مضيعة للوقت، معتبرين ذلك استخفاف بمعاناتهم وعدم اكتراث
بمصيرهم، مطالبين المحافظة رفع يدها عن ملف «مخيم اليرموك»، لفشلها في إدارته.
وتم وضع اللبنات الأولى لإقامة «مخيم اليرموك» عام
1957. عندما كان بقعة صغيرة، قبل أن تتوسع دمشق ويصبح جزءاً أساسياً من مكوناتها الجغرافية
والديموغرافية، وأكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان والأردن، ورمزاً
لـ«حق العودة». كما غدا يُعرف بـ«عاصمة الشتات الفلسطيني» لأنه يضم 36 في المائة من
اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، البالغ عددهم قبل الحرب أكثر من 450 ألف لاجئ.
وفي بدايات القرن العشرين، تسارع التطور العمراني
في المخيم، وتحسنت الخدمات بشكل ملحوظ فيه، وجرى افتتاح كثير من المراكز والمؤسسات
الحكومية والأسواق التجارية، ووصل عدد سكانه إلى ما بين 500 و600 ألف نسمة؛ بينهم أكثر
من 160 ألف لاجئ فلسطيني.