عودة الحصار الخانق
على مخيم اليرموك جنوب دمشق بعد إدخال مساعدات ضئيلة للأهالي
الجمعة ، 27 شباط، 2015
«القدس
العربي» عادت الحياة للتوقف من جديد في مخيم اليرموك، بعد أن دارت عجلتها لوهلة من
الزمن ضمن حصار خانق مستمر منذ أكثر من عامين، أودى بحياة المئات من أهالي المخيم،
حيث سمحت قوات النظام منذ أيام بإدخال حوالي ألف سلة غذائية لما يقارب 20000 إنسان
غالبيتهم العظمى من الفلسطينيين الذين نال منهم الجوع والتعب ولاحقتهم الحرب والنكبات.
وقال
الصحافي «أحمد عوض» مدير مركز «فجر برس» في مخيم اليرموك، تناول فيه حصار المخيم والوضع
المعيشي المزري فيه، إن: «المخيم محاصر من قبل النظام، للعام الثاني على التوالي، من
قبل قوات النظـــام وميليشيات أحمد جبريل وفتح الانتفاضة، ويمنع منعاً باتاً إدخال
الطعام والشراب والدواء والوقود إلى المخيم منذ بدء الحصار إلا في مراحل معينة، تم
فيها إدخال كمية محدودة جداً من الغذاء في سياق تنفيذ بعض السياسات من قبل النظام كقرار
مجلس الأمن القاضي برفع الحصار عن المدنيين». وبحسب عوض، يأتي ذلك في ظل قصف يومي عنيف
يتعرض له المخيم، وانقطاع لكل الخدمات بشكل كامل، حيث خلف هذا الحصار إلى يومنا هذا
حوالي 170 شهيداً غالبيتهم من الأطفال وكبار السن قضوا جوعاً، وعشرات الشهداء ممن قضوا
قنصاً أو جراء القصف العنيف على المخيم.
وأوضح
عوض أن الأهالي باتوا يعتمدون بشكل رئيسي على الأعشاب وطهي أوراق الصبار المر كسبيل
للتغذية بسبب انعدام الغذاء، مع العلم أن هذه المواد غير صالحة للأكل، فيما دفع انقطاع
المياه المستمر منذ ما يزيد عن أربعة أشهر أهالي المخيم للجوء إلى استخراج المياه الجوفية
الملوثة واستخدامها دون معالجة، ما أدى إلى انتشار عدد كبير من الأمراض كاليرقان والتهاب
الأمعاء والتهاب الكبد الوبائي بين الأطفال والكبار، وكذلك فقر الدم نتيجة الاعتماد
على نوع معين من الطعام اليومي غير الصحي، وانعدام التنوع الغذائي الذي يعطي الجسم
حاجته للبقاء ومقاومة الأمراض.
كما
أشار إلى اعتماد الناس في المخيم على حرق الأثاث الخشبي وبعض الملابس والنفايات، لاستخدامها
للتدفئة والطهي، ما تسبب بعدد من الحرائق التي نتج عنها حالات اختناق وتسمم.
وأوضح
عوض أن مبادرات عدة طرحت لتحييد المخيم عن الحرب السورية، كان آخرها ما تم الاتفاق
عليه في أكتوبر /تشرين الأول من العام المنصرم، لكن النظام لم يلتزم بما وقع عليه مع
الكتائب المسلحة داخل المخيم وأبقى على حصاره المطبق على الأهالي، واكتفى بالسماح بإدخال
عدد من السلل الغذائية التي قدمتها وكالة الأونروا وحملة الوفاء الأوربية وعلى فترات
متباعدة خلال الأشهر الفائتة.
لكنه
بين أن النظام منع دخول هذه الكميات بشكل نهائي منذ مايقارب ثلاثة أشهر، ما أدى إلى
تدهور الأوضاع مجدداً، لكنه عاد ليسمح بإدخال حوالي ألف سلة غذائية لا تكاد تكفي
5٪ من سكان المخيم منذ أيام عن طريق معبر ببيلا، والذي اعتمد أهالي المخيم عليه لتلبية
بعض احتياجاتهم، على الرغم من قيام النظام بتمرير الغذاء لباقي مناطق الجنوب الدمشقي
بكميات تكفي ليوم واحد فقط دون النظر إلى أعداد سكان المخيم.
وأضاف
عوض أن هذه المرة الوحيدة التي تم فيها توزيع المساعدات على أهالي المخيم دون وقوع
ضحايا، كما حصل في المرات السابقة أثناء التوزيع في ساحة الريجة على أحد مداخل المخيم،
والتي شهدت سقوط أكثر من خمسة عشر شهيداً أثناء التوزيع نتيجة القنص والقصف، مع أن
النظام قام بقصف المخيم أثناء التوزيع لكن سرعان ما أعيد لاحقاً إغلاق هذا المعبر بشكل
نهائي من قبل قوات النظام، لتعود الكارثة للنمو من جديد وتهدد حياة الآلاف من أهالي
المخيم وجيرانهم المحاصرين.
واعتبر
أن سماح النظام بدخول بعض المساعدات بين الفينة والأخرى، ما هو إلا تلاعب ومحاولة منه
لإظهار التزامه بقرارات مجلس الأمن القاضية بالسماح بإدخال المساعدات للمدنيين، مشيرا
إلى أن جبهة مخيم اليرموك هي الوحيدة المشتعلة في جنوب دمشق حالياً، حيث تشهد المنطقة
قصفاً عنيفاً واشتباكات شبه يومية بين النظام و «شبيحته» من جهة وكتائب اليرموك التي
تحرس المنطقة لمنع تسلل قوات النظام من جهة.
وبين
عوض أن سلسلة من عمليات الاغتيال طالت عدداً من النشطاء، يعتقد أن النظام من قام بتنفيذها
عن طريق بعض العملاء له.
وسرد
في ختام حديثه عدداً من القصص المأساوية التي يشهدها المخيم، متحدثاً عن عائلة مكونة
من أربعة أفراد قضت تباعاً واحداً تلو الآخر بسبب الجوع، وعن كيفية استشهاد العديد
من أهالي المخيم قنصاً عند محاولتهم الحصول على عشبة «رجل العصفورة» التي اعتاد الناس
على طبخها كطبق رئيسي بسبب الحصار. وتم تشكيل مخيم اليرموك الذي يقع جنوب العاصمة دمشق
في العالم 1956 بعد نكبة الفلسطينيين ونزوحهم، حيث كان يأوي قبل الثورة ما يقارب النصف
مليون نسمة من الفلسطينيين والسوريين، ويعتبر أحد أكبر مخيمات الفلسطينيين في العالم
لكن بعد اندلاع الثورة السورية. شارك العديد من أهالي المخيم السوريين ثورتهم مما دفع
النظام إلى قتلهم وقصفهم وتجويعهم فنزح أغلبهم وبقي من بقي تحت الحصار، ليعود من نزح
ومن بقي بالذاكرة إلى أيام النكبة الأولى التي فرّقت الشمل وأفرزت عدداً من الأنظمة
قامت وتمسكت بحكمها بحجة مقاومة اسرائيل وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فلا إسرائيل جرت
مقاومتها ولا الحقوق عادت إلى أصحابها بل اصطحب الفلسطينيون السوريين في رحلتهم اللامنتهية،
على حد قول أهالي المخيم.
المصدر:
القدس العربي