أسرار وخفايا حياة خالد مشعل ترويها السيدة أمل البوريني زوجة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس
الإثنين، 10 كانون الأول، 2012
أن تحيا تحت النيران، وتمشي فوق الأشواك، وتتحرك وكل أحقاد الأرض تطاردك، تخرج من بيت إلى بيت مصحوبًا بخطابات الطرد غير المسببة أو المبررة، وتستحيل غرف نومك خنادقك ومخادعك متاريس، وتحيا موقنًا أن هذا قدرك وتسير مؤمنًا أن هذا دربك.. قدر المقاوم ودرب الزعيم الذي تعدت حدود زعامته الحدود لأن رايته لا تعترف إلا بحق الإنسان في الحياة.
لكن.. أي بيت يتحمل حياة الطريد؟ أي أسرة تلك التي تودع ربها مع كل انغلاقة باب.. ولا تدري هل ستراه ثانيةً أم ستسمع نبأ استشهاده في الأخبار العاجلة بعد قليل، أو كثير؟!.. أي خيار هذا التي ترتضيه الزوجة، والأم، والحبيبة؟ أي قمة هذه التي تحتوي زعامة الرجل؟ ويحن إليها البطل؟ ويغمض عندها جفن أعياه الاستيقاظ؟ ويرتاح إليها بدن أرهقته المطاردات ومحاولات الاغتيال؟
وراء هذا البطل... بطلة تسقي نبع البطولة المتدفق داخله.. تروي أشجار الصمود السامقة.. تبني جدرانًا من المقاومة داخل نفسه فيستحيل عليها أن تسقط أمام كل معاول الهدم ومحاولات التسليم والاستسلام..
عبر السطور القليلة القادمة يحاول أن يلتقط من سجل حياة حافلة لقطات للسيدة المجاهدة "أمل صالح البوريني" زوجة المجاهد خالد مشعل، ولكننا أبدًا لا نعرف شيئًا عن تلك الدرة التي تشاركه جهاده وآلامه وآماله في صمت، وتتحمل الكثير كي توفر له الوقت والراحة ليباشر أعماله ومسئولياته، كما أنها لم تكتف بذلك بل وحرصت أيضًا على المشاركة في العمل النسائي التربوي والدعوي والشعبي، وفي مجال خدمة القضية وخدمة أبناء شعبها، إلا أنها حريصة على التخفي من جميع وسائل الإعلام، لتكون خير قدوة لأبنائها وبناتها الذين ربتهم على التواضع وحب الناس، .
في البداية كثيرون لا يعرفون من هي أم الوليد زوجة المجاهد خالد مشعل؟
اسمي أمل صالح البوريني، من مواليد فلسطين 11-9-1962م في الضفة الغربية، كانت دراستي الابتدائية والمتوسطة والثانوية في الكويت، وقد تزوجت من أبو الوليد في 5/6/1981، ولدي من الأولاد: 3 بنات و4 أولاد، وهم فاطمة: 25 سنة، هندسة كمبيوتر، وهبة الله: 24 سنة، نظم معلومات إدارية، ونور : 22 سنة، طب أسنان سنة خامسة، ووليد: 20 سنة، كيمياء سنة ثالثة، وعمر: 17 سنة، ثانوية عامة، وبلال: 16 سنة، الصف الحادي عشر، ويحيى: 11 سنة، الصف السابع.
كيف تعرفتِ بأبي الوليد، وهل كنت تحلمين بالزواج من شخصية مشابهة أم أنها الأقدار؟
بداية معرفتي بزوجي خالد (أبو الوليد)، كانت كما هي حسب العادات الاجتماعية لدى الأسر الفلسطينية المحافظة، حيث حضرت والدته وأخته الكبرى لزيارتنا وتم الارتياح من طرفهم وبادلناهم نفس الشعور، ومن ثم تم ترتيب زيارة خالد لنا، حيث كان اللقاء مريحًا جدًّا تخللته أسئلة وحوار واضح من طرف أبي الوليد.
وسألني والدي عن رأيي حيث كان معجبًا به كثيرًا، وكان هذا شعور عائلتي كلها، أما أنا فرغم ارتياحي إلا أنني لجأت إلى الاستخارة عملاً بالسنة وليطمئن قلبي أكثر، وهو ما حصل بفضل الله، ثم سألنا عنه وكان الجميع يشهد له بخلقه وأدبه ودينه وشخصيته المميزة، ومن هنا جرى التراضي بين الطرفين والاتفاق على الخطبة.
وكانت فترة الخطبة مريحةً جدًّا بفضل الله، حيث قربت وجهات النظر فيما بيننا وزادت الألفة والمحبة بيننا، وقد استمرت الخطبة أربعة شهور، وبعد ذلك تم تحديد الزواج والذي كان في الكويت، وكنّا حريصين منذ البداية أن يُبارك الله لنا بزواجنا في ظل طاعته ومرضاته، فحرصنا أن يكون العرس إسلاميًّا بكل تفاصيله، وهو ما بعث الارتياح لدى العائلتين وكان الجميع فخورًا بهذا الزواج، والحمد لله رب العالمين، أما عن حلمي فأنا لم أكن أحلم على هذا النحو، ولكنني دعوت الله وأخلصت له بالدعاء أن يرزقني الزوج الصالح الحريص على هموم أمته وبالأخص القدس وفلسطين، فاستجاب لي ربي، وبرغم صعوبة هذا الطريق إلا أنني عاهدت الله أولاً ثم عاهدت زوجي أن أقف بجانبه دائمًا في السراء والضراء، وأن أكون سندًا وعونًا له، فهذا دأب كل زوجة صالحة تسعى لمرضاة الله وتعمل على خدمة زوجها ومساعدته في طريق الحق والخير الذي اختاره، خاصةً أنني مقتنعة بهذا الطريق وفخورة به.
لماذا الندم
بعد مرور أعوام على هذا العهد، كيف ترين الحياة مع مجاهد مستهدف؟ ألا تشتاقين لحياة هادئة تتفرغين فيها لأسرتكم الصغيرة بعيدًا عن صخب السياسة؟
منذ البداية علمت أن طريق زوجي محفوف بالمخاطر وصعب وشاق، ولكني وطنت نفسي أن أتحمل ما قد يصيب زوجي ويصيبنا من صعوبات، وأعتقد أن كل زوجة تحب أن تكون حياتها الأسرية هادئةً، ولكن إيماننا العميق بالله تعالى وبقضيتنا وبضرورة الجهاد من أجل تحرير فلسطين والقدس يتطلب منا التضحية بكل ما نملك وتحمل المشاق والصعاب والصبر على هذه النوعية غير المستقرة من الحياة.
وهذا الإيمان سهل لنا أمورًا كثيرةً تبدو صعبةً وشاقةً، لكن حياتنا وأرواحنا رخيصة فداءً لديننا وأرضنا المباركة ولشعبنا الذي ضحى كثيرًا وقدّم أروع الشهداء، وهذه المعاني والقناعات تجعلني أنا وعائلتي مطمئنين وراضين بكل ما يجري لنا وصابرين على هذا الطريق.
بعد هذا الجهد وهذه الصعاب، هل تدفعين بأبنائك ليسيروا على نفس الدرب وهل تتمنين لبناتك أن يكملوا الطريق مع أزواج مثل خالد مشعل، أم أنك تشفقين عليهن؟
بالطبع، فأنا أشجع أبنائي وبناتي ليكونوا مثل والدهم فهو القدوة والمثل الأعلى لي ولهم، صحيح أنها مسئولية كبيرة ومتعبة، لكنها واجب شرعي ووطني علينا كمسلمين عامةً وكفلسطينيين خاصةً، ولذلك فإنني أرغب وأرحب أن يسهم أبنائي وبناتي جميعًا في أداء هذا لواجب، لكنني لا أجبر أحدًا منهم على ذلك.
من منهم أكثر شبهًا وتأثرًا بأبيهم؟
جميع أبنائي وبناتي قريبون من والدهم إن لم يكن شكلاً فهو سلوك، ولكن أكثرهم شبهًا بوالده شكلاً وسلوكًا هو وليد ويحيى ومن البنات فاطمة ابنتنا الكبرى، فيحيى كان وهو صغير يحب أن نناديه "يحيى عياش خالد مشعل البطل"، وأذكر أن يحيى عندما يشاهد والده يتحدث على شاشات التلفاز، يقف بجوار الشاشة ويقلد والده وكله فخر به ويردد "عندما أكبر سأصبح مثل بابا، شوفوا بابا ما أحلاه"، ويقرب وجهه من شاشة التلفاز قائلاً: "أليس يشبهني؟"، فنضحك من وصفه قائلين: أنت من تشبهه وليس هو، وكثيرًا ما يحاول يحيى أن يتقمص شخصية والده بصورة فيها دعابة، فيرفع سماعة الهاتف ويقول "لو سمحت أنا مشغول ممكن تكلمني في وقت آخر، أنا عندي اجتماع الآن".
نعود لأبي الوليد، ذلك المجاهد الذي تولى العديد من المناصب، حتى أصبح مسئولاً في حركة حماس، ثم رئيسًا للمكتب السياسي، فما هي التغيرات التي طرأت على شخصيته منذ بداية معرفتك به حتى أصبح الرجل الأول في حماس؟
شخصية (أبو الوليد) منذ زواجنا هي شخصيته المعروفة اليوم بكل ما تحمله من عطاء وإيجابيات وتأثير لكنها بالتأكيد تتطور وتزداد خبرةً وقدرةً مع الأيام، وهذا ما لمسته عن كثب، علمًا بأنه منهمك في هذا العمل المبارك في الحركة الإسلامية والعمل لقضية فلسطين منذ أن عرفته فهو من مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية حماس، ولكن دوره في تلك الفترة لم يكن ظاهرًا.
وأود أن أشير إلى نقطة هامة، وهي أن زوجي خالد ظل على تواضعه المعروف عنه على الرغم من شهرته وموقعه القيادي الأول في حماس، فهذه الصفة كانت وما زالت تلازمه حتى الآن، وهي مبعث السرور والارتياح لي ولعائلته وأقربائه وكل من يعرفه.
الشهرة ومشاكلها
حديثك عن التواضع يدفعني للسؤال عن الشهرة، هل أثرت عليكم سلبًا أم إيجابًا؟
الشهرة لها ضريبة أي لها سلبياتها كما لها إيجابياتها؛ من إيجابياتها محبة الناس وما نلمسه منهم من تعاون وتضامن وروح طيبة تخفف من ظروفنا الصعبة كما أنها تتيح لنا التعرف على شرائح عديدة من الناس وعمل صداقات كثيرة معهم. أما عن سلبياتها فهي تقييد الحرية في التحرك وفي الحياة اليومية بسبب الظرف الخاص لزوجي ووضعه الأمني الحساس جدًّا، وقلة الأوقات التي نستطيع أن نقضيها معه وحرماننا من متعة الخروج معه كعائلة في أوقات الإجازة فزوجي عمليًّا ليس له إجازات ولا نستطيع كعائلة أن ننفرد معه في الخروج إلى نزهة مثلاً بسبب الظروف الأمنية، لكننا مع ذلك راضون بأمر الله والحمد لله أن (أبو الوليد) يحاول أن يعوض عن ذلك بحسن تعامله معي ومع أبنائه وبناته وهو ما يخفف عنا كثيرًا.
من الشهرة إلى محاولة الاغتيال، كيف واجهتم هذا الموقف العصيب؟
حينما وصلني خبر محاولة الاغتيال أقلقني كثيرًا، رغم علمي بأن حياة زوجي مهددة على الدوام، وحين علمنا في بداية الأمر أنه مصاب، خشينا أن تترك هذه الإصابة إعاقةً، فأقلقنا ذلك جدًّا، خاصةً ابنتنا نور أصغر بناتنا كانت خائفة جدًّا أن يختطفه اليهود، ورغم صغر سنها إلا أنها أجابت الصحفية التي سألتها بإجابة أذهلتها، قالت: "أبي هو من تمنى الشهادة وطلبها، فأنا أتمنى له الشهادة التي يحبها، وسأكون سعيدة بذلك، ولكن ما يقلقني أن يعتقله اليهود فيعذبوه كما نسمع ونشاهد عن تعذيبهم للفلسطينيين"، إلا أنه رغم هذا القلق فإن الله أعانني وألهمني الثبات، فتصرفت بهدوء وكنت على يقين بأن الله سيقف معنا فأنزل السكينة على قلبي وقلوب أبنائي وعائلة زوجي خاصةً والده ووالدته، ولكن مشكلتي كانت في الحيرة فكيف أخفف عن أهله وأقربائه وضيوفنا وقد أعانني الله أن أكون صابرةً ومحتسبةَ الأجر عند الله تعالى، مع دعائي المستمر له بالشفاء العاجل وأن يعود لحضن أسرته بصحة وعافية، وهو ما قد تحقق بفضل الله ورعايته.
أما أبو الوليد، فهو حريص جدًّا في كل المواقف خاصة الصعبة على غرس مفاهيم الجهاد في نفوس أبنائه منذ الصغر، فمثلاً بمجرد أن تماثل للشفاء، قال لي: "ضروري تجيبي يحيى رغم صغر سنه، وليعيش هذا الجو لينشأ واعيًا بطبيعة عدونا".
الشهادة مع زوجي
كثيرًا ما نسمع من زوجات المجاهدين أمنيةً أن ينالن الشهادة مع أزواجهن، حتى لا يتألمن لفراقهم، لدرجة أنهن يحرصن على مصاحبة الزوج في كل مكان، فهل هذا يحدث معك؟
من الطبيعي أن تحرص كل امرأة مؤمنة على الشهادة في سبيل الله، خاصةً إذا كانت صاحبة قضية مثلنا نحن في فلسطين، فكيف إذا كانت زوجة مجاهد؟. وأنا أؤمن إيمانًا عميقًا أن الآجال بيد الله وبالتالي ليس بالضرورة أن تحصل المرأة على الشهادة مع زوجها في لحظة واحدة، وليس الدافع عندي لنيل الشهادة مع زوجي هو الخوف من ألم الفراق، لأن الأمر بيد الله فإن كتبت لي الشهادة مع زوجي فذلك خير أرجو الله أن يحققه لي وإن كتب الله لي العمر بعد استشهاد زوجي فسأبقى أتابع المسئولية عن أسرتي وأحتسب ذلك عند الله، فالمؤمن لا بد أن يصبر ويرضى بقضاء الله وقدره.
لحظات الاعتقال
من محاولة الاغتيال إلى الاعتقال.. كيف استقبلتم خبر اعتقال أبو الوليد؟
موقف اعتقال أبو الوليد كان صعبًا على نفوسنا، كان ذلك أثناء عودته من إيران إلى الأردن، ولم نستطع الانتظار حتى يعود للبيت، فذهبنا جميعًا لاستقباله في المطار، مرت لحظات الانتظار والفرحة تملأ عيوننا، والابتسامة ترتسم على شفاهنا، وفجأة، تحولت هذه الفرحة إلى صدمة قاسية، وفوجئنا به ينزل من الطائرة تقتاده الشرطة الأردنية مقيد اليدين هو وإخوانه، فبالرغم من إغلاق مكاتب حماس في الأردن قبل أيام من عودة أبي الوليد، إلا أننا لم نكن نتوقع الاعتقال، إنما توقعنا أن يكون هناك تضييق، وهنا واجهتني مشكلة حقيقية، فالأولاد ما زالوا صغارًا وما يعرفونه أن والدهم مجاهد ومناضل، وأن الشرطة لا تلاحق إلا المجرمين ولا تحبس إلا اللصوص فقط، فكيف يفعلون ذلك مع والدهم المجاهد، مما شكل صدمةً لديهم بين مفاهيمهم الطبيعية ما يشاهدونه بأعينهم من ظلم وإساءة للمناضلين، وبالفعل بدأت ألاحظ تأثر الأولاد وخاصةً ابنتنا نور، وكأن نظراتها تسألني ما الذي يحدث، ولسان حالها يصرخ، أبي مجاهد وصاحب حق، ونحن في بلد عربي وليس في "إسرائيل" حتى يسجنوا والدي، لكنني- ورغم الألم- استعنت بالله، واستحضرت ما عاهدته عليه سبحانه، فصبرت وحرصت على أن أخفف عن أولادي بُعد والدهم، فالحياة لا تسير على وتيرة واحدة ولا بد لنا أن نتكيف، وأحمد الله أن أعانني على القيام بهذا الدور، فقد كنت أشعر بمعية الله لنا في كل لحظة، مما زادني قوة، فاستطعت أن أحتويهم جميعًا، وأن أكون قدوةً لهم، فقد وجدوني قويةً صابرةً محتسبةً فانعكس ذلك عليهم، وحقيقة فإن الله قد أكرمنا بهذا الامتحان، الذي أشعر أننا قد نجحنا فيه، فقد كانت فرصةً لنا لنقترب أكثر من أهلنا في فلسطين، لنشاركهم ولو جزءًا بسيطًا مما يقدمونه، فرغم ما عانيناه من إبعاد ومحاولة اغتيال واعتقال، إلا أنني أرى معاناتهم أكبر، ونحن نتعلم منهم.
وأبو الوليد كيف واجه الموقف؟
كان حريصًا على رؤية الأولاد جميعهم في كل زيارة، ليعايشوا ما يعانيه أبناء شعبنا الأسرى في سجون اليهود، ويشاركونهم مشاعرهم الأسر، وفقد الأحباء، كما حرص على أن يكون قدوة لنا ويعلمنا، حتى وهو في هذا الموقف، فما زلت أذكر كلماته التي ما زال صداها يتردد في أذني: اصبروا، احتسبوا الأجر، نحن أصحاب حق ولن نرضخ، السجن للرجال، والزي الذي أرتديه (زي السجن الأزرق) وسام شرف لي ولإخواني، هذه الكلمات هي التي أمدتنا بالعون- بعد عون الله عز وجل- وزادتنا صمودًا وفخرًا بهذا القائد.
والأولاد أيضًا فبالرغم من حزنهم الشديد لرؤية والدهم في هذا المكان وبهذه الملابس إلا أنهم كانوا ينتظرون الزيارة بفارغ الصبر، وأذكر أن فاطمة التي كانت بمجرد أن تراه بهذه الملابس تنهمر عيناها بالدموع حتى تخنق كلماتها، وكذلك باقي الأولاد، أما يحيى- وكان عمره 3 سنوات- فمنذ أول لحظة في الزيارة يجلس في حضن والده ويعانقه ولا ينطق كلمةً واحدةً، حتى إذا جاء موعد انتهاء الزيارة، يبكي بشدة ويتعلق بملابس والده ورقبته، رافضًا العودة معنا، حتى أن أحد السجانين رق لحاله وحاول أن يخفف عنه قائلاً: ما رأيك يا يحيى أن تبيت مع بابا الليلة، فأجابه يحيى: نعم، فقال السجان: إذن اسكت وسأعطيك شيكولاته، فصرخ يحيى في وجهه: لا، لا أريد منك شيئًا، أنت سجنت بابا.
مطاردة وإبعاد ومحاولة اغتيال واعتقال، ما مدى تقبل أسرتك وأسرة أبو الوليد لهذه الحياة؟
على العكس تمامًا مما يظن البعض، فكما قلت لك منذ البداية نحن نعلم طريقنا، وقد باركت الأسرتان هذا الزواج، لكن هذا لا يمنع من قلق الأسرتين وانزعاجهما البالغ من هذا الاعتقال الظالم لابنهم، إلا أنهم صبروا واحتسبوا وتضرعوا بالدعاء لله تعالى بالفرج القريب.
وماذا عن الجيران والمعارف؟
الجميع بفضل الله وجدت منهم التضامن والتعاطف معنا ومع قضيتنا، كما لمست سخطهم البالغ على ما قامت به حكومتهم بحق هؤلاء المجاهدين، واعتزازهم البالغ بهؤلاء القادة وثناءهم عليهم.
بين السعادة والقلق
أنت زوجة المجاهد خالد مشعل وبالتأكيد مرت عليك لحظات قلق وخوف كما كانت هناك لحظات شعرتي فيها بالسعادة فهل تذكري لنا مواقف من الحالتين؟
الموقف الذي أسعد فيه كثيرًا بأني زوجة أبي الوليد هو حين أراه يتحدث بخطابه القوي للجماهير، حيث نلمس فيه القوة والقدرة على التأثير في الناس، ورفع روحهم المعنوية، والإصرار على طريق الجهاد والتمسك بحقوق شعبنا، وما يظهره من محبة ومشاعر جياشة تجاه شعبنا الفلسطيني، بل اتجاه عامة الناس، وأسعد أيضًا عندما أرى طريقته في التعامل مع الناس بتواضع وتبسط، كل ذلك يجعلني فخورةً به وسعيدةً بأنني زوجته.
ورغم صعوبة الظروف التي عشتها مع زوجي خاصة في السنوات الأخيرة، لكنني بفضل الله تعالى لم أشعر أبدًا في أي موقف بالندم ولا بالضيق من هذه المسئولية الكبيرة المفروضة علينا، إنما أصبر وأتحمل وأحتسب الأجر عند الله وأقف إلى جانب زوجي بقوة.
وماذا عن القيود التي تفرضها عليك هذه الظروف؟
أكثر القيود المفروضة علينا هي القيود الأمنية، ولكن لأنها أمر اضطراري ولا بد منها من أجل أمن وسلامة زوجي فإنني أصبر عليها وأتكيف معها وفي ذات الوقت أشارك بهذه الحالة أخواتي في فلسطين اللواتي يعشن مع أزواجهن وأولادهن ظروفًا أصعب من المطاردة والملاحقة وعدم الاستقرار، وهذه بالطبع ضريبة هذا الطريق الذي اخترناه وأجرنا على الله تعالى.
ألم تحرمك هذه الضغوط من الحياة الاجتماعية والصداقات؟
على العكس تمامًا، لأسرتنا بفضل الله علاقات واسعة وأصدقاء كثيرون يصعب حصرهم، ونحن ولله الحمد نحمل كثيرًا من مشاعر المحبة للناس ونلمس لديهم نفس المشاعر.
تربية الأبناء
وكيف أثرت هذه القيود على تربية الأولاد؟
عندما كان أولادي صغارًا لم يعلموا في البداية طبيعة عمل والدهم بسبب أن دوره في ذلك الوقت لم يكن ظاهرًا وكان يتصرف بتكتم وسرية.
ومع مرور الأيام وبروز دوره السياسي في منتصف التسعينيات ثم انتخابه رئيسًا للمكتب السياسي بدءوا يعرفون حقيقة دور والدهم كقائد وحجم الأعباء عليه، وهذا زادهم فخرًا به وحبًّا له، وأبو الوليد بطبيعته يحافظ على سرية عمله وعلى الأمور التي يرى أنه لا بد أن تظل مكتومة، وعوّد أولاده على ذلك، وهو يضع البيت في الجو العام لعمله حتى نستشعر معه المسئولية ونتكيف مع هذا الجو، لكنه لا يتحدث معنا في خصوصيات عمله، وهو دائمًا يوصينا ويوصي أولاده بعدم الحديث عما لا ينبغي الحديث عنه من خصوصيات البيت التي تتعلق بكون أبيهم قائدًا ومسئولاً.
عندما كان الأولاد صغارًا، هل كانوا يفتخرون مثلاً على زملائهم أنهم أبناء قائد مشهور وهل تسبب هذا في بعض المشاكل في المدرسة أو مع الجيران، وكيف واجهت هذا الأمر؟
لا.. فقد حرصنا منذ الصغر على أن نربيهم على التواضع، وذلك لم يدفعهم للتفاخر على زملائهم، بل كانوا يتصرفون بصورة طبيعية، خاصةً أن والدهم عوَّدَهم على ذلك، وكان يشدد عليهم ضرورة أن يظلوا متواضعين وأن يتصرفوا مع زملائهم بكل تواضع ومحبَّة ودون ترفُّع على أحد، والحمد لله أن أولادي تصرفوا دائمًا بهذه الطريقة وعلاقاتهم مع الناس قائمة على ذلك، لا سيما أنهم يجدون أن هذا هو الجو السائد في بيتنا من والدهم ومنِّي.
فما أهم النقاط التي حرصتِ عليها في تربيتهم؟
أهم النقاط التي أحرص عليها في تربية أولادي هي الحرص على العبادات والأخلاق الحميدة والالتزام في السلوك ونظافة اليد واللسان والأمانة، إضافة إلى حثهم على أن يكونوا قدوةً حسنةً لغيرهم، وأن يكونوا على مستوى المسئولية باعتبارهم أبناء خالد مشعل، كما أعمِّق لديهم روح الإيمان والتوكل على الله والعمل لقضيتهم والحرص على الانضباط والكتمان بحكم خصوصية البيئة التي يعيشون فيها.
وأبو الوليد.. هل لديه الوقت لمشاركتك في هذا الدور؟
زوجي "أبو الوليد" له دور كبير في تربية أبنائه رغم ضيق وقته وكثرة انشغالاته، نعم أنا أقوم بدور كبير في تربيتهم لأخفِّف عنه عبء ذلك، وهو يعتمد عليَّ في ذلك كثيرًا، ولكنه حريص على دوره في متابعة أحوال أبنائه وحل مشاكلهم والحوار معهم، خاصةً أنه يحبهم كثيرًا وهم مرتبطون به ويحبونه جدًّا؛ فهو قدوتهم والمثال الذي يقتدون به، خاصةً أنه يتعامل معهم بتبسُّط ولين واستيعاب وحرية النقاش والأخذ والعطاء ويعطيهم الثقة والطمأنينة، أي باختصار "أبو الوليد" ديمقراطي جدًّا في بيته.
الجوانب الخفية
أبو الوليد يحرص على الاهتمام بأسرته رغم انشغالاته.. من هو خالد مشعل الذي لا يعرفه الناس؟
خالد- حفظه الله- إنسان رائع بكل معنى الكلمة؛ فهو طيب الخلق، لطيف المعشر، حنون جدًّا معي ومع أولادي، وبالأخص والدته ووالده وباقي عائلته، فهذا الشيء يريحني جدًّا ويعوضني ويعوض الأولاد عن انشغاله الدائم، وبرغم انشغال "أبو الوليد" وطبيعة عمله الذي يحتاج منه إلى قوة وحزم وجهد شاق في مواجهة العدو الصهيوني، إلا أن زوجي لين متبسط معي ومع أولادي، يشاركنا في كل أمورنا الصغيرة والكبيرة، وهو أبٌّ حنون يمازح أولاده ويلاعبهم ويدخل السرور على قلوبهم وقلوبنا جميعًا ويعبر لنا عن حبه ويظهر ذلك جليًّا بتعابير وجهه وابتسامته المريحة.
مقولة يرددها دائمًا على مسامعنا: "لا أعتقد أنه يوجد في هذه الدنيا من يحب بناته وأولاده وعائلته كما أحبهم أنا"، وهو برغم انشغاله الدائم إلا أنه يساعدني كثيرًا في تربية أبنائه والسؤال عنهم وعن دراستهم وعبادتهم ومشاكلهم، ويحاول بكل جهده أن يساعدهم على حلها بأسلوبه السهل وخبرته الكبيرة، كما أنه مَرِح جدًّا وصاحب نكتة كما يقولون، وأولاده عمومًا أخذوا عنه هذه الصفة.
وكيف يتعامل مع الأزمات والمواقف الحرجة؟ وماذا يفعل عند الغضب؟
من خلال تجربتي مع "أبو الوليد" خلال السنوات التي عشتها معه أراه دائمًا يتصرف عند حل أي مشكلة في البيت أو في عمله بهدوء وعقلانية وتوازن واستيعاب الآخر وعدم التعجل وطول النفس، وأشعر أنه قادر على احتواء أي مشكلة تعرض له، ومن طبيعته أن يشجع أولاده وبناته أن يصارحوه بكل شجاعة.
أما عند الغضب، فنحن نقدر مسئولياته وكثرة همومه، فنتركه يهدأ ولا نثقل عليه أكثر، كما أنه- حفظه الله- يرضى بسرعة، فهو طيب وحنون ومتسامح لأقصى الحدود.
ذكرت في حديثك أن أبو الوليد لا يتحدث معكم في خصوصيات عمله، وأنتم ألا تحاولون مشاركته تخفيفًا عنه؟
كما قلت سابقًا أن "أبو الوليد" لا يتحدث عن خصوصياته في العمل، وبالتالي لا يشركني في أخذ قراراته تجاه العمل إنما يكتفي بوضعي ووضع عائلته في الجو والهم العام.
لكنني من خلال متابعتي لما يحدث من تطورات وانهماك زوجي في عمله أستشعر همومه وأبادر مع أولادي وبناتي إلى التخفيف عنه وإلى إبداء ما لدينا من ملاحظات ومقترحات حول الحركة والقضية وهو يستمع لنا بشكل جيد ويتجاوب معنا؛ على سبيل المثال في كثير من الأحيان عندما يستعد (أبو الوليد) لإلقاء محاضرة أو كلمة جماهيرية أو مقابلة تلفزيونية فهو يسألني ويسأل أولاده وبناته عما لدينا من أفكار ومقترحات وعن القضايا التي نشعر أن عامة الناس يسألون عنها أو لديهم شبهات حولها.
كلمة توجهها أم الوليد لـ"أبو الوليد".. ماذا تقول فيها؟
مشعل اختار الطريق الصعب
باختصار شديد كلمتي لزوجي "أبو الوليد": سر على بركة الله في هذا الطريق المبارك الذي اخترته مهما كانت الصعاب والتحديات والمخاطر، وأنا وعائلتك معك دومًا في السراء والضراء وفي الحلوة والمرة.
وكلمة لبناتك وبنات المسلمين؟
أقول لهن: انظرن إلى حال العالم الإسلامي المحزن والمؤلم جدًّا بسبب ضعفه وانقساماته وهيمنة الأعداء عليه، وانظرن إلى ما تعانيه بعض شعوبه من احتلال وعدوان وظلم، ندعو الله تعالى أن يغير هذا الحال إلى حال أفضل خاصةً في فلسطين والعراق وفي كل بلاد العرب والمسلمين.
أنتِ أيتها الفتاة.. حاملة الأمانة.. يا من لك الأثر في صلاح المجتمع أو فساده، كيف لا وأنت مربية الأجيال وصانعة الرجال ونصف المجتمع؟! تمسكي بتعاليم دينك، واعتزي بحجابك الجميل ولباسك المحتشم، ولا تتشبهي بالراكضات وراء الموضة، وابتعدي عن التميع؛ فهذا لا يليق بمسلمة، والتزمي بشرع ربك؛ ففيه الخير والفلاح في الدنيا والآخرة، وكوني مساهمةً مثل الرجال في قضايا أمتك، وليكن لك دورك المؤثر فيها، ومن ذلك أن تنصري إخوانك المجاهدين في كل مكان وخاصة في فلسطين والعراق.
المصدر: شبكة فلسطين للحوار