حمدان لـ«الرسالة نت»: المجدل بلدتي وأنتمي إليها.. وسأعود
الرسالة نت- حاورته/أمل حبيب
عشرون دقيقة بين الغربة واللجوء والنكسة.. كان الوطن في القلب.. عشرون دقيقة من صباح يوم الجمعة بروحانيته ونفحاته الإيمانية.
ورغم محدودية الدقائق المسموح بها لـ"الرسالة" لإجراء الحوار الصحافي مع أسامة حمدان مسؤول ملف العلاقات الدولية والسياسية في حركة حماس فإنها كانت كافية لتعريفنا بشخصية إنسانية تحمل بين ثنايا عمرها ودية وابتسامة أخفتها دوامة السياسة على مدار السنوات.
ونظرا لتشبع السياسي حمدان بالحوارات واللقاءات السياسية منذ وصوله إلى غزة الأسبوع الماضي ارتأينا أن يحمل اللقاء طابعا شخصيا, وتوقفنا بصحبته في تلك الدقائق على أبرز محطات طفولته التي صدحت فيها حناجر الصغار في الغربة: "بلادي بلادي.. اسلمي وانعمي سأرويك حين الظمأ من دمي"، وتجولنا في أزقة مخيم الراشدية في بيروت وصعدنا مرتفعات الكرك بالأردن مرورا بتنسم عبير الأقصى على ضفافها وليس انتهاءً بمشاهد العزة في غزة.
خصوصية الجمعة بغزة
وبدأنا الحديث بالقول: "سعدنا بلقائك دكتور حمدان"، وتكرر وصف الدكتور له خلال الحديث, ولكنه قبل بدئه الإجابة ردد بحروف حملت من التواضع كثيرا: "بس بلاش منها دكتور يا بنتي.. الأخ أسامة حمدان عندي أحسن من دكتور".
النكهة الخاصة التي أضفاها يوم الجمعة على لقائنا الصحافي كان لها أيضا نكهة خاصة عند حمدان لأنها الجمعة الأولى له في القطاع, وقال بعد أن صلى على رسول الله: "أي مكان فيه رباط وجهاد الحياة فيه مختلفة ولها طعم ومكانة خاصة (...) لا شك في أن العيش داخل فلسطين يعطي كل العبادات معنى خاصا، ومن فضل الله علينا أن الحسنات للمكان وطهره وللزمان واعتباره".
ورغم أنها كانت الساعات الأولى لليوم الفضيل فإن حمدان كان متأكدا أن يوم الجمعة في غزة سيكون له في النفس خصوصية قد لا تكون في مكان آخر، لأن خطبة الجمعة ستكون في المسجد الغربي في مخيم الشاطئ، واعتبرها ذات نكهة خاصة لتزامنها مع ذكرى المولد النبوي.
أسامة الطفل
وخلف "أسامة السياسي" كانت للطفولة حكاية لا تزال تسكن بين ثنايا ذاكرة الأربعيني حمدان, تلك المرحلة التي غرس فيها حب الإسلام والوطن, لنشأته في بيت ملتزم، ووالده كان يحمل الفكر الإسلامي وعمل على غرسه في صغاره العشرة وبكره أسامة.
وأبصر الابن البكر للحاج أبو أسامة حمدان النور عام 1965 في مدينة غزة، وتحديدا في مخيم البريج للاجئين بعد هجرة أهله من قرية البطاني الشرقي قضاء المجدل.
وعند سؤال "الرسالة" عن تفاصيل تسميته (أسامة) أجاب بدبلوماسية تصاحبها ابتسامة متزنة: "هذه يسأل عنها الوالدان.. أعتقد أن الإجابة لديهما".
وليس لحمدان محطات تستحضرها الذاكرة في أزقة المخيم أو رفقاء صباه الذين من العادة أن تطل صورهم يوم الحنين إلى البيدر, ولكن لغزة في فؤاده شيء كبير من حكايات الوطن المسلوب التي كان يرويها والداه له في غربته.
ويقول في هذا السياق: "غادرت غزة وكان عمري 11 شهرا (...) ليس هناك ذكريات سوى ما كنا نسمعه من الأهل.. أذكر أن والدي كانا حريصين دائما على ربطنا بفلسطين بحكايات الهجرة والتغريبة".
ولا تزال عائلة حمدان موجودة في القطاع وفق مسؤول ملف العلاقات الخارجية، ولكن والده غادر القطاع قبل العدوان عام 1967 وعمل مدرسا في الكويت.
وبطبيعة النشأة الإسلامية فإن قضية فلسطين امتزجت تلقائيا في إيمان الطفل وعقيدة الشاب اليافع حمدان الذي اعتبر أن مدة دراسته في جامعة اليرموك في الأردن كانت انطلاقة في اتجاه العمل نحو فلسطين.
الجدير ذكره أن أسامة حمدان حصل على شهادة البكالوريوس في الكيمياء عام 1986 في جامعة اليرموك في مدينة إربد في الأردن, وكان ناشطا داخل الحركة الطلابية الإسلامية في الجامعة خلال الأعوام ما بين 1982 حتى 1986.
على حدود الوطن
ولعبق فلسطين وشذاها محطات في حياة أسامة حمدان الطالب الجامعي، فاصطحبنا في جولة بالتخيل إلى نهر الأردن ومرتفعات الكرك التي كانت أحب المناطق إليه لقربها من فلسطين وإطلالتها على بعض معالم الوطن المسلوب.
وبعد دقيقة فصل فيها ما بين الواقع الذي عاشه على جزء من فلسطين خلال زيارته غزة، وخيال الصبا على حدود الوطن , قال لـ"الرسالة": "لا أزال أذكر رحلاتي أيام الجامعة التي كانت توصلني إلى نهر الأردن لأرى فلسطين عبر الوادي وبعض مرتفعات الكرك.. كنا نرى قبة الصخرة في الأيام الصافية".
ولم تكن أجواء الرحلة الجامعية المحببة لقلب حمدان تحلو دون أن تصدح حناجر طلبة اليرموك في ذلك الوقت: "نحن يا قدس رجعنا لإله العالمين.. ومن الدين صنعنا عودة النصر المبين".
وعند سؤالنا له عن بعض الكلمات التي لا تزال حاضرة من الأم الحنون الحاجة أم أسامة, بيّن حمدان أنه لا يزال يذكر أن الوالدة كانت هي التي تحفظه وإخوته أناشيد الثورة وهم صغار كالنشيد المعروف آنذاك (فدائي), لافتا إلى أن هناك شيئا آخر من الشعر يحفظه كالبيت: "بلادي بلادي.. اسلمي وانعمي سأرويك حين الظما من دمي"، وغيرها من الأشعار.
"وأهم ما كانت الوالدة أم أسامة تؤكده أن بيتنا في فلسطين، وأننا سنعود إليه، وأن أي بيت خارج فلسطين محطة باتجاه العودة إليها.. كان العالق في أذهاننا أن كل بيوتنا خارج فلسطين مؤقتة والبيت الوحيد الدائم هو داخل فلسطين".. يردد حمدان لـ"الرسالة بالروح الوطنية نفسها التي غرستها داخله "ست الحبايب".
بيروت وفلسطين
"بين بيروت وفلسطين.. لا بد للكلمات أن تنطلق يا أستاذ.. فماذا ستهديهما؟"، يجيب القيادي الذي عمل ممثلا عن حركة حماس في لبنان خلال الأعوام ما بين 1998 حتى 2010: "لا شك أن بيروت ارتبطت بالتاريخ الفلسطيني ارتباطا وثيقا لوجود الثورة الفلسطينية المعاصرة هناك منذ الستينيات حتى خروجها منها عام 1982، ولحيوية اللاجئين هناك ووجودهم في بيئة إلى حد ما فيها سعة في العمل السياسي والإعلامي".
وتابع مفصلا: "لا شك أيضا أن ارتباط بيروت بالقضية الفلسطينية كان سببه أن كثيرا من المثقفين والسياسيين والإعلاميين اللبنانيين الذين ارتبطوا بالقضية الفلسطينية دعما لها".
ورغم طابع الحوار الشخصي فإن كلمات السياسي حمدان كانت تفرض نفسها عنوة على طابع الحوار, فيؤكد أن انتقاله إلى بيروت كان محطة عمل حين كلف بتمثيل الحركة عام 1998.
واستعرض مراحل عمله بالحركة: "بعد تخرجي من الجامعة عدت إلى الكويت وعملت بضع سنوات في القطاع الصناعي والنفطي, ثم انتقلت إلى طهران حيث عملت في مكتب الحركة مع الأخ عماد العلمي، وبعد أن غادر الأخير وتسلم مهماته في المكتب السياسي مثلت الحركة في إيران عدة سنوات ثم غادرتها عام 1998 لأمثلها في لبنان حتى 2010 بعد أن استلم الأستاذ علي بركة الموقع فتفرغت لإدارة العلاقات الدولية للحركة".
ومن الواضح أن لبيروت عشقا في قلب اللاجئ حمدان، فكلماته عنها أعطتنا دلالة واضحة بأنها قريبة منه ومن فلسطين, مبينا أن بيروت أكثر المدن قربا إلى فلسطين بحكم مميزاتها.
وما يجعله بصفته لاجئا فلسطينيا يشعر أنه أقرب إلى فلسطين فيها أن مخيم الراشدية على بعد كيلو مترات معدودة من فلسطين.
ويعود مجددا للحديث عن شذى فلسطين الذي اشتمه في لبنان قائلا: "بعد الانحدار الصهيوني عن الجنوب اللبناني بات بإمكاننا أن نصحب أبناءنا إلى الخط الفاصل ليروا فلسطين عن قرب وليشموا رائحاتها وهواءها الممتلئ برائحة الشهادة".
"لكن، ماذا فقدت في بيروت أستاذي الفاضل؟"، لم يتمعن في السؤال كثيرا رغم ثوانٍ صامتة اجتاحت المكان كأنه فعلا فقد كثيرا هناك، ثم أجاب بكلماته المعبرة: "أشياء كثيرة يفقدها الإنسان في مسيرته خلال الحياة وهو راضٍ (...) أبرز شيء فقدته في بيروت حريتي الشخصية باعتبار ارتباطي بالعمل السياسي وحراكه".
واستدرك بعد أن تغيرت نبرة صوته: "كسبت في بيروت صحبة ونخبة من المفكرين والسياسيين والمثقفين الذين لا يهمهم في الدنيا أكثر من قضية فلسطين شيء".
غزة والمجدل
"الأصل أن يعيش الإنسان في وطنه وبين أهله لكنني جندي في هذه الحركة، وحيث ما تقرر قيادة الحركة أن أكون فأنا مستعد لذلك (...) أرجو الله أن يكون مآلنا جميعا إلى أن نبقى في فلسطين ونحررها ونعيشها فيها".. بولاء الجندي ووفائه لحركته كانت إجابة حمدان عن سؤالنا حول إمكانية إقامته في القطاع في حال سنحت له الفرصة.
أما عن المجدل وماذا تعني للاجئ، فأوضح حمدان أنها الوطن الذي يجب أن يعود إليه، "فهو البلد الذي أخرج الأهل منه عنوة".
واختتم بعبارات متأملا العودة إلى المجدل: "بالنسبة لي هو البلد الذي دافع عنه أهلنا بقوتهم المحدودة ولا بد أن نكمل المشوار لاسترداده, وكلي أمل أن يأتي اليوم الذي أعيش فيه هناك مع أبنائي وأحفادي".
وليس بعيدا عن المجدل وطئت قدماه أرض غزة يوم الأحد الماضي للاطلاع على الأوضاع في القطاع، وعقد لقاءات مع حركة حماس والفصائل.
اعتزازه بزيارته إلى غزة كان جليا خلال حديثه عن الزيارة, وتجسد ذلك الاعتزاز لدى سؤالنا عن أفراد عائلته وسبب أنهم لم يأتوا إلى القطاع, فقال: "العائلة كانت ترجو أن تكون برفقتي لكن الظروف لم تسمح لاعتبارات الدراسة (...) كان طلب صغيرتي لينا 10 سنوات أن أحضر لها حفنة من تراب غزة".
ولدى حمدان من الأبناء ثلاثة ذكور وثلاث إناث ونجله البكر اسمه حمدان.
وسيحمل حمدان في جعبته إلى عائلته بعض المشاهد والذكريات في غزة التي لا يمكن للذاكرة أن تنساها أو تشوه معالمها، ومن تلك المواقف موقف تكرر فيه مسحة ألم وكرامة وهو عزة ذوي الشهداء الذين قدموا أكثر من شهيدين , ومازال الاصرار على مواصلة الدرب يسكن قلوبهم.
محور غزة اختتمناه بسؤال ذي نكهة مختلفة فاحت رائحتها من المطبخ الفلسطيني, "فما هي الأكلة الغزاوية التي يفضلها حمدان ويتمنى تناولها على أرض القطاع؟".
ومن البديهي أن يبتسم حمدان للسؤال لكنه قال: "الحمد لله لم يكن لدي في يوم من الأيام أكلة مميزة أو خاصة، فكل الطعام عندي واحد بفضل الله سبحانه وتعالى".
بين الكيمياء والسياسة !
"ما بين الكيمياء والسياسة.. هل يوجد كيمياء؟, أسامة حمدان صاحب تخصص الكيمياء اليوم هو مسؤول ملف العلاقات الدولية والسياسية لحركة حماس", ويوضح في هذا السياق أن الدراسة مسار حتمي في بيئتنا الفلسطينية لحرصه على العلم, منوها إلى أن العمل في القطاع الطلابي كان بداية انخراطه في السياسة وقربه منها.
وأكد القيادي في حماس أن السياسة واجب، "وهي مسؤولية أكبر وأهم من الدراسة وأكبر وأهم من الكيمياء", معللا: "الإنسان يعمل في قضية عادلة وخدمة شعب لذلك أهم ما في الكيمياء معرفة المعادلات وإدارتها ولعل السياسة تعمل بذلك".
السياسي الفذ وصاحب الكلمات الخطابية الموزونة لا بد من أن يجيد في حياته غير السياسة, وفي معرض رده على سؤال: "ماذا يجيد حمدان غير السياسة؟"، أجاب: "للإنسان عادات كثيرة، ولكن بما أنه يعمل في السياسة فإنه يفضل أن يغلبها على كل شيء (...) يحن الإنسان إلى ما يشعر إلى أنه أفضل مما يعمل".
واستطرد: "أعتقد أن العمل من أجل قضية فلسطين أولى عندي من كل شيء, ولا شك أن القراءة كانت من أفضل الهوايات ولا تزال".
وآخر كتاب قرأه حمدان هو "الأمن من منظور إسلامي"، وهو رسالة ماجستير لأحد الطلبة.
المصالحة واللاجئون في لبنان
وفيما يتعلق بتقييمه لوضع اللاجئين في لبنان ودور الحركة هناك ذكر حمدان أن حماس بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان اليوم عظيمة، مشيرا إلى الجهد الكبير للحركة الذي لا يقتصر على العمل السياسي، "بل يشمل الاجتماعي والإعلامي والثقافي".
ويرى أن أوضاع اللاجئ الفلسطيني في لبنان من أفضل الأوضاع, معتقدا أن مكانة حماس بين أبناء شعبنا في لبنان متقدمة، "إن لم تكن الأولى.."، على حد قوله.
أما بخصوص المشردين الفلسطينيين على الحدود السورية اللبنانية وما قدمت لهم الحركة، فقال: "بذلنا جهودا كبيرة في إغاثة إخواننا الفلسطينيين القادمين من سوريا نتيجة الظروف التي يعيشونها بعد ما طال مخيم اليرموك وغيره من المخيمات", وتابع: "كنا قد بذلنا جهودا كبيرة لمنع توريط اللاجئين الفلسطينيين فيما يجري ولكن قدر الله أن يحصل ما حصل".
ورد حمدان على تصريحات بعض الشخصيات اللبنانية التي دعت إلى منع استقبال النازحين الفلسطينيين في لبنان قائلا: "هذا من العنصرية التي نرفضها (...) يجب أن يفهم جميعهم أن الفلسطيني لا يرضى بديلا عن وطنه ولن يتنازل عن فلسطين".
ورغم إشارة الأمن بانتهاء دقائق اللقاء فإن "الرسالة" اختتمت حديثها بآخر سؤال عن المصالحة الفلسطينية, "فهل تعتبر المصالحة معادلة كيميائية يصعب حلها؟"، البسمة سبقت كلمته مجيبا: "المصالحة ليست معادلة كيميائية بل إنسانية (...) نحن شعب واحد في مواجهة العدوان حتى إن أخطأ بعضه ".
وتابع: "ما نريد أن ننجزه أن نعيد صفوفنا وبيتنا الفلسطيني في إطار مشروع التحرير والعودة لا في إطار مشروع آخر كأن نتنازل عن حق هنا أو هناك أو جزء من حقوقنا لنفاوض على غيرها".
وأكد القيادي في حركة حماس أن ما يجري في واقعنا الفلسطيني من انتصارات يدفع نحو فتح صفحة جديدة نستعيد فيها جميعا برنامجنا الأساسي وهو برنامج التحرير"، قائلا: "قد لا يرغب بعض الفلسطينيين الآن بذلك أو قد يحاول آخرون النأي بأنفسهم (...) أعتقد أن الباب يجب أن يظل مفتوحا لكل صاحب جهد يريد المشاركة في مشروع التحرير، وهذا الذي ندعو إليه كل الفصائل ونرجو أن ينخرط فيه شعبنا جميعا".
لقاء "الرسالة" مع حمدان انتهى مع انتهاء الدقائق العشرين لكن الأسئلة لم تنته لضيق الوقت على أمل أن نستكمل الحوار بتوسع في لقاء قادم ربما يكون في غزة مرة أخرى.