د. محسن صالح: الحصار فشل بكسر إرادة
الفلسطينيين.. وانتصار المقاومة تمثل بإفشال الأهداف الإسرائيلية
أكد رئيس مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
الاستراتيجية، د. محسن صالح، أهمية الدور القطري في خدمة القضية الفلسطينية،
مشدداً على أن قطر قامت بجهد مميز لرأب الانقسام الفلسطيني، كما قامت بجهود كبيرة
لفك الحصار عن قطاع غزة ولإعادة إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلي.
وقال صالح، في حوار خاص مع "الوطن" إن
الفلسطينيين بحاجة لمراجعة برنامجهم الوطني وإعادة بنائه على أسس صحيحة وفعالة،
وعلى قاعدة المحافظة على الحقوق والثوابت الفلسطينية، إضافة إلى مد جسور الثقة بين
الأطراف المختلفة لتحقيق المصالحة الوطنية.
وأشار صالح إلى أن قطاع غزة صمد في وجه الحصار
الإسرائيلي الظالم المستمر منذ ثمانية أعوام، وقدم أداءً رائعاً في مواجهة ثلاث
حروب، لافتاً إلى أن الحصار فشل في كسر إرادة الشعب الفلسطيني.
وفي ما يلي نص الحوار:
برأيك.. لماذا لم تكن الحرب على غزة وانتصارات
المقاومة والوفد الذي أطلق عليه اسم الموحد منطلقاً لتعزيز الوحدة الفلسطينية؟
- تم تفعيل برنامج المصالحة الفلسطينية قُبيل
الحرب على غزة، وتم تشكيل حكومة التوافق برئاسة رامي الحمد الله؛ غير أن أداءها
كان دون المأمول بكثير؛ فقد تعاملت مع حماس بنفسٍ فصائلي، وبطريقة فوقية، وتعاملت
معها باعتبارها طرفاً ضعيفاً مضطراً للمصالحة، وعندما بدأ العدوان الإسرائيلي كان
أداؤها دون المستوى، وتعاملت مع قطاع غزة كأنه بلد آخر، ومع استمرار الحرب وصمود
المقاومة، تغيَّر سلوك الحكومة ليتحسن قليلاً بعد الانتقادات الشديدة التي وجِّهت
لها، وللأسف فإن العقلية الفصائلية الحزبية لاتزال تؤثر على سلوك قيادة المنظمة
وقيادة السلطة، ومازال هناك تعارض حقيقي بين مساري التسوية السلمية ومسار المقاومة
المسلحة، ومازال هناك الكثير من الجهد المطلوب لتعزيز الثقة بين أطراف المصالحة
الفلسطينية. لقد أعطت الحرب على غزة والوفد الفلسطيني الموحد بعض المؤشرات
الإيجابية على نقاط التقاء وطني فلسطيني للعمل المشترك... ولكن يبدو أن الشوط
مازال طويلاً.
هل لعبت حكومة التوافق دورها في تعزيز الوحدة
الوطنية؟
- حكومة التوافق تخضع من الناحية العملية للرئيس
محمود عباس، وللمسارات التي ألزمت حركة فتح نفسها بها، ولسقف اتفاقات أوسلو،
ولهيمنة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. وهي تواجه إشكالية حقيقية في الجمع
بين إدارة الضفة التي هي تحت الاحتلال، وقطاع غزة المقاوم الذي انسحب منه الاحتلال
ولكنه أبقى الحصار، وحتى تستطيع هذه الحكومة أن تعزز الوحدة الوطنية فعليها أن
تخرج من عقلية التعامل مع حماس وقوى المقاومة على أساس الاستبعاد والتهميش، وعليها
أن تتعامل مع جميع أبناء الشعب الفلسطيني على أساس أنهم سواسية في الحقوق
والواجبات وفرص العمل بناءً على كفاءتهم ومؤهلاتهم العلمية، وعليها أن تستوعب بشكل
طبيعي الموظفين الذين عينتهم حكومة تسيير الأعمال في غزة برئاسة إسماعيل هنية وليس
من المعقول أن يتم اعتبار الموظفين الذين عينتهم الحكومات المحسوبة على حركة فتح
موظفين شرعيين، وأولئك الذين تم تعيينهم من الحكومة المحسوبة على حماس موظفين غير
شرعيين، وعلى هذه الحكومة أن تتعامل مع المقاومة الفلسطينية كرافعة لها في مواجهة
الإرهاب والاحتلال الإسرائيلي، وليس كعائق أمامها في ممارسة مهامها.
كيف تقيّم ممارسة مصر دورها في الرقابة على
إعلان وقف النار في ظل الخرق الإسرائيلي المتواصل عبر اعتقال الصيادين والتوغل
لمسافات محدودة؟
- لم يتناسب دور مصر المركزي في القضية
الفلسطينية وفي العالم العربي والإسلامي مع دورها أثناء الحرب على قطاع غزة وما
تلاها. ويبدو أن موقف النظام الحالي في مصر من الإسلام السياسي ومن برنامج
المقاومة، انعكس سلباً على الموقف من حماس التي قادت المقاومة في قطاع غزة، كما أن
استمرار إغلاقها لمعبر رفح لمعظم الوقت مع تدميرها لمعظم الأنفاق مع القطاع تسبب
بتشديد الخناق على الشعب الفلسطيني في القطاع وبمعاناة هائلة على مختلف المستويات.
ومصر أكبر من أن تكون مجرد وسيط للتفاهم مع الجانب الإسرائيلي ولتثبيت التهدئة،
كما أن أمنها الوطني وواجبها القومي والإسلامية يحتمان عليها دوراً قوياً وداعماً
للجانب الفلسطيني.
في ما يخص انتصار المقاومة.. برأيك.. ما هي
عوامل انتصارها؟
- لم يكن انتصار المقاومة متمثلاً في الحسابات
المادية المتعلقة بالخسائر البشرية والاقتصادية، وإنما في قدرتها على إفشال
الأهداف الإسرائيلية، وفي تطوير إمكاناتها الذاتية المتواضعة لتشكل عنصر ردع
حقيقياً للجانب الإسرائيلي بكل ما يملكه من إمكانات هائلة، وفي تقديم ذلك الإنسان
المقاوم المجاهد الذي مرَّغ سمعة قوات النخبة الإسرائيلية، عند الاشتباكات
الميدانية، في التراب. وأبرز عوامل الانتصار تتمثل في أن غزة نجحت في صناعة
الإنسان وقدمت نموذجاً متفوقاً للإنسان المؤمن المجاهد المضحي، وللبيئة الشعبية
الحاضنة الداعمة للمقاومة على الرغم من قسوة العدوان وشدة الدمار والخسائر، ومن
ناحية ثانية فقد كان هناك تناغم وتوافق بين الحكومة التي تدير قطاع غزة بقيادة
حماس وبين فصائل المقاومة الفلسطينية، حيث أعطت مظلة للمقاومة ولتطوير أسلحتها
وتدريب عناصرها، وتحملت الكثير في سبيل إعداد البنى التحتية الداعمة للعمل
المقاوم.
ومن ناحية ثالثة فإن قوى المقاومة استغلت كل
ثانية في تطوير إمكاناتها سواء في نواحي التجنيد والتدريب، أو في تطوير الصواريخ والأسلحة،
أو في بناء الأنفاق، وحتى في مجالات التهريب وهو تهريب مشروع في سبيل كسر الحصار.
ومن جهة رابعة كان لحماس في الخارج وللجهات
الشعبية والرسمية دورها المهم في التحشيد السياسي والإعلامي والتعبوي للمقاومة،
وفي جمع التبرعات، وفي تكوين لوبيات الضغط ورأي عام شعبي في مختلف دول العالم داعم
للمقاومة وكاشف للكيان الإسرائيلي وجرائمه.
هل تحتاج حماس إلى تطوير علاقتها بعد الالتفاف
الشعبي مع خياراتها في الحرب الماضية؟
- كان واضحاً أن أداء حماس في الحرب الأخيرة زاد
من شعبيتها بشكل واسع في أوساط الشعب الفلسطيني، كما زاد الاحترام والتقدير لها في
الأوساط العربية والإسلامية، والأوساط العالمية التي تدعم الحقوق المشروعة للشعب
الفلسطيني. وبالتأكيد فإن حماس تحتاج لتبني استراتيجية مناسبة متكافئة مع إنجازها
على الأرض، تركز على الآليات الفعالة للتواصل الجماهيري وحمل هموم الناس وقضاياهم،
وتقديم خطاب سياسي وإعلامي يتمسك بالثوابت وقادر على التواصل والتأثير الإيجابي في
مختلف الدوائر الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية، ويجب أن نلاحظ أن شعبية
حماس ليست أمراً جديداً أو طارئاً، فقد فازت قبل ذلك في الانتخابات الفلسطينية سنة
2006، وهي تحظى بثقل كبير في الداخل والخارج منذ سنوات طويلة. ولكن ظروف الحصار،
وظروف الانقسام الفلسطيني، والتنافس الفصائلي، والبيئة الإقليمية المعادية للتيار
الإسلامي أو المعوِّقة لبرنامج المقاومة.. وأداء حماس العسكري والسياسي
والإعلامي.. كلها تجعل مسألة الشعبية.. مسألة نسبية تزيد أو تنقص بحسب العوامل
المختلفة لحظة مقياس هذه الشعبية.
لماذا برأيك يتباطأ الرئيس محمود عباس في توقيع
اتفاق روما لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه ضد الفلسطينيين وخاصة في قطاع
غزة؟
- اتفاق روما المتعلق بالانضمام إلى محكمة
الجنايات الدولية هو المدخل الفلسطيني لمحاكمة الكيان الإسرائيلي ورموزه على جرائم
الحرب التي ارتكبوها ضد الشعب الفلسطيني، ولأن هذا الانضمام يجد اعتراضاً
إسرائيلياً وأميركياً قوياً، بحجة أن ذلك يتعارض مع مسار مفاوضات التسوية السلمية
ويُعوقها؛ ولأن أبا مازن المنزعج من تعطيل إسرائيل لمسار التسوية، والذي لا يريد
أن يلجأ لخيار المقاومة المسلحة؛ فإنه يحاول استخدام عملية الانضمام كأداة تكتيكية
للضغط على الجانب الإسرائيلي لتحصيل مكاسب في مسار التسوية، وليس بالضرورة من أجل
المحاكمة الفعلية للقادة الإسرائيليين كمجرمي حرب.
هل نحن أمام مماطلة جديدة كما حدث سابقًا في
غولدستون عندما طمس هذا التقرير؟
- البيئة الإقليمية والدولية غير المواتية مهيئة
للأسف لتضييع المنجزات الفلسطينية، وتفريغها من محتواها؛ ومهيئة للتغطية والتعمية
على الجرائم الإسرائيلية.
الحصار على غزة.. هل نجح في أداء مهمته؟
- هدف الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة كان هو
إسقاط الحكومة الفلسطينية التي تقودها حركة حماس وإلى إفشال تجربتها، وإلى نزع
أسلحة المقاومة، وإلى إعادة تطويع قطاع غزة تحت سقف اتفاقات أوسلو واستحقاقاتها؛
ولكن القطاع صمد في وجه الحصار، وطوَّر المقاومة وبناها التحتية، وقدَّم أداءً
رائعاً في مواجهة ثلاث حروب على القطاع؛ ولذلك فإن الحصار فشل في تحقيق أهدافه وفي
كسر إرادة الشعب الفلسطيني، مع ضرورة الإقرار أن الحصار تسبب من ناحية إنسانية
واقتصادية بأضرار بالغة على المجتمع الفلسطيني في القطاع.
ثماني سنوات من الحصار لم تكن كافية لإعادة
النظر فيها؟
- ربما يضطر الطرف الإسرائيلي، والأطراف
المساندة له، لإعادة النظر في الحصار أولاً لأنه لم يحقق أهدافه، وثانياً لأن
الشعب الفلسطيني في القطاع، بدل أن يستسلم، ازداد عداؤه للمشروع الإسرائيلي،
وازدادت قوته العسكرية المقاومة، وأصبحت صواريخه تهدد جميع التجمعات الصهيونية في
فلسطين المحتلة، كما أبدع في الاعتماد على الذات واكتفى ذاتياً في إنتاجه من
الخضروات وإلى حد كبير من الفواكه.. ولولا سلوك النظام المصري في إغلاق الحدود
وتدمير الأنفاق لربما تجاوز القطاع إشكالية الحصار؛ ومَثَّل حالة نجاح نسبية
مقارنة بأداء السلطة في رام الله أو بالأنظمة المجاورة. ومن ثم، سيحاول الكيان
الإسرائيلي دعم الترتيبات المتعلقة باستلام حكومة التوافق لإدارة قطاع غزة، ليس
دعماً للوحدة الوطنية، وإنما تخلصاً من حماس وقيادتها، ومحاولة لفرض برنامج أوسلو
واستحقاقاته على القطاع.
هناك أخبار عن بحث أميركي عن خليفة للرئيس
الفلسطيني محمود لعباس، وقد أوردت رويترز تقريراً كاملاً في هذا السياق.. ما الهدف
من مثل هذه الأمور؟
- لا يبدو أن الأميركان جادون في تغيير أو إبعاد
عباس عن قيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية خلال حياته؛ وإن كانوا قلقين حول المرشح
المحتمل لخلافته بعد وفاته. ولعل بعض مراكز التفكير وصناعة القرار تتداول أسماء
محتملة أمثال محمد دحلان ومروان البرغوثي... وغيرهما وأحياناً تُستخدم بعض
التقارير الإعلامية للضغط السياسي والنفسي، وكوسائل تهديد مبطنة في حالة خروج بعض
القيادات عن المسارات المرغوبة لدى القوى الكبرى.
كيف تقيّم المشروع الوطني الفلسطيني؟
- المشروع الوطني الفلسطيني يَمرُّ بأزمة
حقيقية، فهناك أزمة في تحديد المسار والأولويات متعلقة بمساري التسوية السلمية
والمقاومة المسلحة، وكلا المسارين يواجهان تحديات واستحقاقات كبيرة، ومسار التسوية
وصل إلى طريق مسدود وأثبت فشله في ضوء التعنت والعجرفة الصهيونية واستمرار برامج
التهويد والاستيطان، ومسار المقاومة المسلحة يعاني من الاتهام بالإرهاب، ومن حالة
حصار، ومن بيئة إقليمية غير متعاونة أو رافضة له، ولا رغبة لمعظم الدول العربية
بتحمّل مسؤولياتها تجاه المقاومة أو الدفاع عن الشعب الفلسطيني أو تحدِّي الجانب
الإسرائيلي، وهناك أزمة في بنية المؤسسات الرسمية الفلسطينية، تتمثل في ضعف منظمة
التحرير الفلسطينية وتردي أداء دوائرها ومؤسساتها، وعدم استيعابها لاتجاهات وفصائل
تمثل شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني، وعدم تجديد مؤسساتها التشريعية كالمجلس
الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية بالشكل القانوني المعتاد منذ
أكثر من عشرين عاماً، وهناك أزمة في السلطة الفلسطينية تتمثل في أنها عند إنشائها
كان المرجو أن تتطور من حكم ذاتي إلى دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع
غزة؛ لكنها تحولت عملياً للأسف إلى سلطة وظيفية تخدم بشكل كبير أغراض الاحتلال
الأمنية، وما زالت السلطة تعاني من هيمنة الاحتلال، ومن تحكُّمه الاقتصادي بها،
ومن مصادرته للأراضي وتوسيع الاستيطان والجدار العنصري العازل، ومن تحكمه بحركة
الأفراد والحدود.. وغيرها، وهناك أزمة ثقة بين الأطراف الفلسطينية وخصوصاً فتح
وحماس، وهناك الكثير من الواجب عمله لتجاوزها. وهناك أزمة في صناعة القرار
الفلسطيني سواء بسبب ضعف المؤسسات التمثيلية والتشريعية وعدم تمثيلها لجميع
الأطياف الفلسطينية، أو بسبب الضغوط الخارجية على صانع القرار الفلسطيني وخصوصاً
الأطراف المانحة للسلطة، أو الأطراف المتحكِّمة بمسار اتفاقات أوسلو، أما بسبب
تركز عملية صناعة القرار بأيدي القيادة التي تعيش في رام الله تحت الاحتلال
الإسرائيلي. وإن الواجب يقتضي سرعة عمل مراجعة شاملة للمشروع الوطني وإعادة بنائه
على أسس صحيحة وفعالة، وعلى قاعدة المحافظة على الحقوق والثوابت الفلسطينية.
ما الذي يحتاجه الفلسطينيون في هذه المرحلة؟
- بعد حُسن الصلة بالله سبحانه والتوكل عليه،
يحتاج الفلسطينيون إلى: مراجعة برنامجهم الوطني وحسم مساراتهم تجاه مشروع التحرير،
وإعادة بناء مؤسساتهم التمثيلية والتشريعية والتنفيذية لتعبِّر عن حقيقة التمثيل
والأوزان لمكونات الشعب الفلسطيني؛ ولتُبنى على أساس المصالح العليا لهذا الشعب
وثوابته، ولتتمتع بالقوة والفعالية والكفاءة، واستيعاب الطاقات والخبرات التي يزخر
بها هذا الشعب في الداخل والخارج، وتفعيل برامج إعادة بناء الثقة بين فصائل
المقاومة والقوى الفاعلة في الشعب الفلسطيني، والالتصاق بشكل أكبر بهموم الناس
والجماهير وخدمتها، والبعد عن مظاهر الإسراف والترف والفساد، والتركيز في النفقات
على امتلاك عناصر القوة وبناء المؤسسات والاقتصاد الإنتاجي.. وغيرها، وإعادة النظر
في السلطة الفلسطينية، وإعادة تحويل عملها الحالي من سلطة وظيفية تخدم أغراض
الاحتلال إلى سلطة مقاومة تصبُّ في مشروع التحرير، والاهتمام بالأبعاد العربية
والإسلامية والإنسانية للقضية الفلسطينية؛ وإعادة روح الجهاد في الأمة لتحرير
فلسطين، وتفعيل دور فلسطينيي الخارج في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتفعيل
أدوار الشباب والمرأة في القضية الفلسطينية.. وغيرها.
كيف ترى متغيرات أحداث دول الربيع العربي على
مستقبل القضية الفلسطينية؟
- التغيرات والثورات التي حدثت في العالم العربي
عبَّرت عن تطلُّع شعوب المنطقة إلى الحرية والعدالة والكرامة وبناء أنظمة تعبّر عن
إرادتها الحرة وإنهاء أنظمة الفساد والاستبداد في المنطقة. وقد رأى الاحتلال
الإسرائيلي في الثورات في مرحلتها الأولى تهديداً استراتيجياً ووجودياً وأنها تمثل
خطراً حقيقياً على مستقبله واحتمالات بقائه؛ إذ إن تحرير الأرض يبدأ بتحرير
الإنسان، والنهضة الحضارية في المنطقة تمثل المدخل الحقيقي لتغيير موازين القوى مع
المشروع الصهيوني، والسَّير قُدماً في مشروع التحرير، غير أن الموجة المضادة التي
قطعت الطريق على هذا الربيع، أفسدت مسار التغيير، وأدخلت المنطقة في مسارات الفوضى
والصراعات الطائفية والعرقية، وهي تحاول تثبيت أنظمة مستبدة أو إعادتها في الأماكن
التي سقطت فيها. لقد كانت إسرائيل سعيدة جداً بحالة التمزق الطائفي والعرقي
والفوضى التي تشهدها المنطقة، وبعد أن كانت تشعر بمخاطر حقيقية أصبحت في أحد أفضل
أوضاعها الاستراتيجية، لكن يجب الإشارة إلى أن المنطقة لاتزال تشهد حالة من
التدافع وإعادة التشكُّل والسيولة وصراع الإرادات؛ وهو ما يسمح بالقول إن المشهد
النهائي لم يكتمل بعد، وأننا ما زلنا في مرحلة انتقالية، ومرحلة مخاض. وهي مرحلة
ستفرض بإذن الله في نهاية المطاف تغييراً حقيقياً ولن تستطيع قوى الفساد
والاستبداد أن تعطله أو تمنعه؛ وهو تغيير سيعبر عن تطلعات الأمة في النهضة
الحضارية، والتغيير المستند إلى سماحة الإسلام وعدالته واستيعابه لكافة مكونات
المجتمع، وتفجير الطاقات الإيجابية البناءة، ووأد الفتن الطائفية والعرقية، وتوجيه
السلاح نحو الاحتلال الإسرائيلي.
كيف تقيّم الموقف القطري من فلسطين؟
- عندما نقارن الدور القطري بغيره من المواقف
العربية والإسلامية والدولية، نجده موقفاً متقدماً وفاعلاً في خدمة القضية
الفلسطينية، وهو موقف نظر بروح إيجابية متوازنة للفصائل الفلسطينية، وقام بجهد
مميز لرأب الانقسام الفلسطيني، كما قام بجهود كبيرة لفك الحصار عن قطاع غزة
ولإعماره، وتحمَّل الكثير من الضغوط بسبب استضافته لقيادات حماس من الخارج، وكان
لقناة الجزيرة دور مشهود بكشف بشاعة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي وبيان معاناة الشعب
الفلسطيني.
المصدر: الوطن، الدوحة