فلسطينيو الشتات و"استحقاقات سبتمبر"
أيمن أبوعبيد:
"استحقاق سبتمبر” جملة ترددت على المسامع كثيراً في الآونة الأخيرة، فأثارت نوعاً من البلبلة داخل النسيج الفلسطيني، قرأ فيها البعض أملاً وقرأ فيها آخرون تنازلاً، بينما لم تستطع الأغلبية قراءتها على أي نحو ولا تحمل لهم أكثر من طلسم يجهلون ماهيته. في الوقت الذي ظهر فيه الكيان المحتل موحداً في التهويل بقيمة هذا الاستحقاق وخطره على "إسرائيل”، بينما رفضته الإدارة الأمريكية وأعلنت أنها ستقف حائلة دون تحقيقه.
الشعب الفلسطيني المعني أساساً وفي المقام الأول بهذا الحدث، لم يجد حتى الآن أي خطوات رسمية من قبل الجهات المعنية لشرح هذا الحراك وبيان أبعاده وآثاره في حالتي النجاح أو الإخفاق، ولم يتعد الأمر حشداً فصائلياً مبنياً على التسويق لهذه الخطوة من منطلق أيديولوجي، وإظهارها وكأنها عصا موسى في النجاة.
فما حقيقية هذه المبادرة، وكيف ستغير وضع فلسطين في القانون الدولي، وأي أخطار قد تسببها على صعيد الحقوق والثوابت الفلسطينية مثل حق العودة واللاجئين. وماذا يترتب على هذا التوجه من آثار قانونية وسياسية؟ وهل لدى السلطات الفلسطينية خطط ما بعد هذه المبادرة سواء كانت النتيجة رفضاً أم إيجاباً؟
أسئلة كثيرة، طرحتها "الخليج” على عدد من رؤساء عمل ونشطاء حقوقيين في الشأن الفلسطيني في أوروبا، سعياً لمحاولة فك شيفرات هذه الأحجية وتبسيطها للقارئ.
قلق حول الحقوق
* ماجد الزير، رئيس مؤتمر فلسطينيي أوروبا ومدير مركز العودة الفلسطيني ومقره لندن وعضو مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، يرى أن "الشعب الفلسطيني مازال في حالة ثورة لدرء المحتل وتحرير الأرض، وبالتالي فإن أي خطوة سياسية في الأصل يجب أن تصب في هذا الهدف، وأن تقاس أي مبادرة بما لها من إيجابيات وما عليها من سلبيات بالمقياس الذي يقربنا من العودة إلى بلادنا، فأن يكون للفلسطينيين دولة بالمطلق فهذا مرادنا وهو أمر إيجابي، ولكن إذا ما ربطنا هذه الدولة بحيثيات أخرى، فربما تسفر عنه حالة قلق”. مضيفاً "الشعب الفلسطيني حاز اعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي كممثل شرعي ووحيد، فكان لهذا الاعتراف أن وحّد الشعب في البعد الوطني بغض النظر عن الجغرافيا، أما الاعتراف بدولة فلسطينية إذا ما تمت الموافقة على الاستحقاق فهو اعتراف بجزء من حقوق الشعب الفلسطيني، وتخول جزءاً من الشعب ليتحدث باسم كل الشعب، وهو أمر مطلوب إعادة النظر فيه”.
ونوه الزير إلى أن "هذا المسار ليس له الأولوية بالنسبة إلينا الذي يأتي ضمن عملية التفاوض، والتفاوض ليس هو أولويتنا”، مضيفاً "في اعتقادنا أن الخطوة تحاول جر "إسرائيل” إلى طاولة المفاوضات بديلاً عن الاعتراف بالدولة، وبذلك بغض الطرف عن استحقاق أهم منه وهو تلاحم الشعب الفلسطيني ووحدة أرضه، لأنه في نهاية المطاف نريد أن نملك أوراق قوة من أجل استعادة حقوقنا الضائعة”. ويتخوف الزير مما قد يؤدي إليه الاستحقاق على صعيد السلطة الفلسطينية "أخشى أن تصبح السلطة هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، فيختزل الاستحقاق الدولة في السلطة وعموم الشعب في جزء من الشعب، وهذا هو جزء من التصور المنصوص عليه في أكثر من مناسبة لإنهاء حق العودة وإنهاء مسألة اللاجئين”. موضحاً "بمعنى أن تحل مسألة اللاجئ بحصوله على جواز سفر فلسطيني فتلغى هويته كلاجئ، وأن تكون عودة رمزية لبعضهم على جزء من الأرض لا تدخل في نطاقها أراضي ال ،48 وفي هذا الصدد يستحضرني ما كشفته وثائق ويكيليكس المسربة قبل فترة حول مشروع حل مشكلة لاجئي لبنان، وأحد هذه المقترحات هو ترحيل سكان نهر البارد في لبنان إلى الضفة الغربية”.
ويوضح الزير معادلة كيف يمكن للقرار أن يكون ضد الصالح العام الفلسطيني ومع ذلك ترفضه "إسرائيل”، شارحاً "لا ننكر أن للقرار إيجابيات، من جهة، فالكيان لا يريد أن يعطي أي شيء للفلسطيني، ويريد حرمانه حتى من اسم فلسطين، والاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة سيجعلها على الخريطة الدولية، وهذا ما لا تريده "إسرائيل”، لكن لا يمكن تجاهل أبعاد أخرى قد تؤثر في القضية، خاصة حينما يظهر الكيان بمنظر الصديق والجار في الحدود”.
ويضرب الزير مثلاً لتقريب وجهة نظره قائلاً "لو افترضنا أن هناك شخصاً حرم الإنجاب طوال عمره، ثم وجد طبيباً أخبره أنه يمكن له الإنجاب ولكن سوف يولد الجنين مشوهاً، هل يقبل الرجل أم يرفض؟ هذا ما ينطبق على استحقاق سبتمبر/ أيلول، فما يؤدي إلى حق منقوص يجب ألا نجعله أولوية ونتجه إلى استراتيجيات أخرى تمنحنا حقنا المنتزع كاملاً دون التخلي عن جزء منه”.
ويرى الزير أن على القوى السياسية الفلسطينية أن تراعي التغيرات في المنطقة وتسخرها من أجل القضية على الأمد غير القصير، قائلاً إن "ربيع الثورات العربية يمنحنا خيارات عدة، ونحن لم نعدم كل الوسائل لنتجه إلى القبول بحق منقوص، نحن لا نتوقع أن تؤدي هذه الثورات إلى تحرير فلسطين بين ليلة وضحاها، ولكن علينا وضع ما حدث من زلزال في المنطقة نصب أعيننا في كل طرح يخص القضية”.
وينتقد الزير شبه التكتم من قبل الفصائل الفلسطينية في ما يتعلق بموضوع الاستحقاق متحدثاً عن عدم وجود موقف واضح من قبل الفصائل الفلسطينية أمر غير مقبول ولكنني أتفهمه. عازياً هذا الصمت إلى عاملين "أولاً أن الأجواء التصالحية القائمة، تدفع الفصائل إلى التأني في قرارتها واختيار كلماتها بدقة وعناية تجنباً لتعكير هذه الأجواء، ولكنني أفترض أن المصالحة لا يمكن أن تكون معوقاً في سبيل ما نؤمن به. أما السبب الثاني فيتعلق بالفصائل أيضاً خصوصاً تلك المحاصرة في غزة التي لا تريد أن تظهر سياسياً أمام المحافل الدولية بمظهر الرافض لقيام دولة فلسطينية، بينما يكون هناك إجماع عالمي على قيامها، فيتولد عن هذا الموقف حالة من الحساسية بين الفصائل والشعب في الوقت الذي تغيب فيه الآلة الإعلامية والعلاقات الدولية الكافية لإظهار أبعاد هذا الاستحقاق”.
الاستحقاق خطوة مرحلية
* أما الطبيب يوسف سلمان، ممثل فتح في روما ورئيس الفرع الإيطالي لمنظمة الهلال الأحمر الفلسطيني، إضافة إلى نشاطه في مجال حقوق الأجانب والعمل الفلسطيني فيرى أن استحقاق سبتمبر/ أيلول ليس جديداً، وهو حبيس أدراج الأمم المتحدة منذ عام 1947 "فعملياً القرار رقم 181 الصادر بتاريخ 29-،1947 أقر بإقامة دولة عربية في فلسطين، وما يحدث الآن هو إسقاط الضوء على هذا القرار والتركيز عليه بعد أن أهمل الجانب الفلسطيني أهميته، وكما يقول المثل "أن تصل متأخراً خيراً من ألا تصل أبداً”. مستدركاً "لا شك في أن توقيته نتيجة تعنت "إسرائيل” المستمر خاصة بعد مرور عقدين على اتفاقيات أوسلو، بحيث يمكن القرار من وضع "إسرائيل” في الزاوية ووضع نهاية لهذا الاحتلال البغيض من خلال الاعتراف الدولي بحق أقرته الشرعية الدولية، ونحن الآن نطالب بهذا الحق لا أكثر ولا أقل”.
وأكد سليمان أن "سياسة أبومازن في استخدام المساعي الدبلوماسية من أجل رفع وطأة الاحتلال قد أثبتت نفادها، وأظهرت القضية بمظهر حضاري تتقبله شعوب العالم”، موضحاً "أثبتت التجارب العملية أنه لا يمكن الوصول إلى الحق الفلسطيني عن طريق استخدام السلاح فقط، ولابد للنضال من خطة سياسية تدفع به إلى الأمام، خصوصاً أن القوى العسكرية ليست متوازنة أبداً، والاحتلال يشعر بالنشوة حين نطلق رصاصة ويجد ذريعة في شن العدوان، فيستخدم طائرات "إف-16” مقابل صواريخ القسام”. وأضاف أن "القضية الفلسطينية قضية عادلة ويجب أن نستخدم أساليب عادلة على قدر عدالتها، لذلك فالحل في رأيي هو التركيز على النضال الشعبي السلمي، والاستحقاق يصب في هذا القالب”.
ورداً على سؤال عن فعالية الاستحقاق في ضمان وقف الانتهاكات "الإسرائيلية” على أرض الواقع في ظل الدعم الأمريكي لها يقول "إذا عدنا بالتاريخ للوراء سنجد حقيقة أن "إسرائيل” وجدت بقرار أممي، فالأمم المتحدة أوجدت "إسرائيل” بقرار، وعلى هذا الأساس يمكن إيجاد دولة فلسطين بقرار، وهكذا سوف تكون الأمم المتحدة الضامن للحق الفلسطيني، أما الدول العظمى فهو لقب متغير لا يدوم لأحد وخير مثال الاتحاد السوفييتي، وأمريكا اليوم ليست بقوة أمريكا الأمس، إضافة إلى وجود قوى صاعدة على الخريطة الجيوسياسية تدعم الحق الفلسطيني”.
وبسؤاله عن رؤية بعض المحللين في الاستحقاق التفافاً على القضية الفلسطينية وهدف التحرير، وإلغاء حق العودة واستبدال وثيقة اللاجئ بجواز سفر لدولة تمثل أقل من 23% من تراب الوطن، يجيب "لا يستطيع أحد أن يلغي حق العودة أو منع النضال من أجل عودة كل فلسطيني إلى بلدته”، مضيفاً "رئيس السلطة الفلسطينية هو نفسه رئيس منظمة التحرير وسوف يكون في حالة الاعتراف رئيساً لدولة فلسطين، والاعتراف بدولة فلسطين لا يلغي حق العودة، فهذا الأخير قرار أممي رقم ،194 بينما الاعتراف قرار رقم ،181 وبالتالي هما قراران منفصلان وليسا مترابطين ولا يلغي أحدهما الآخر، فعودة الفلسطيني إلى حدود دولة 1967 لا يلغي حقه في العودة إلى مدينته الأم سواء كانت في يافا أو حيفا أو الناصرة.. إلخ”.
ويشير الدكتور سلمان إلى أن ما تردد في الإعلام حول خطر الاستحقاق على حق اللاجئين "عار عن الصحة، وحق العودة لا يمكن أن يلغيه أحد أياً كان منصبه، فهو حق ذاتي لكل من هجر من بلدته، ومطالبتنا الاعتراف بدولة فوق جزء من الأراضي لا يعني أن حقوقنا الأخرى ستسقط، وسنطالب بكل ذرة حق لنا ولن نتنازل عن شبر من أرضنا التاريخية”. مناشداً كل القوى والفصائل والنشطاء الفلسطينيين التزام المنطق والواقعية في الطرح "أتمنى من كل فلسطيني أن يتمهل في الحكم، يعني رفض دولة فلسطينية كما هو مطروح الآن ليس هو الحل، ومن يرفض عليه أن يقدم بدائل منطقية التنفيذ ومجدية للقضية، فنحن لا نستطيع الوصول إلى نهاية السلم دون صعود الدرجات الأولى وعلى المبدأ نفسه مسألة تحرير كل التراب الوطني الفلسطيني دفعة واحدة، وأرفض شخصياً هذا المنطق وأعتبره غير مفيد ولا يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني”.
مخاوف من الثمن الغالي
*يتفق مع الرأي السابق جزئياً المهندس محمد يوسف محمد (أبو سمير) الناشط الفلسطيني وعضو حزب المحافظين الحزب الحاكم في السويد حالياً، ونائب في المجلس البلدي لمدينة مالمو السويدية فيقول "كفلسطيني مغترب ورب أسرة، نواجه صعوبة في شرح القضية لأولادنا حيث لا تقر المناهج الدراسية في أوروبا بوجود فلسطين كاسم على الخريطة الجغرافية، فهي ليست دولة معترفاً بها، ومن هنا يأتي الالتباس في عقول أطفالنا وتعتريهم الحيرة حين يدرسون الخريطة ولا يجدون فلسطين. لهذا أرجو شخصياً من الاستحقاق على الأقل أن يضع اسمها على الخريطة ليتعرف إليها أطفال العرب والمهاجرين، إضافة إلى أطفال البلد أسوة بأي بلد في العالم”. مستدركاً "لكن على الصعيد العملي فلا أتأمل كثيراً من تأثير الاستحقاق في ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني”.
ويضيف "هناك من يتخوف من أن يكون للاستحقاق ثمن غالٍ يدفع من أجل الموافقة عليه، التنازل عن حق العودة أو ما شابه، لكنني شخصياً متفائل، وأرى أننا خسرنا الكثير إلى الحد الذي وصلنا معه إلى عدم الخوف من أي خسارة أخرى، فقد ساء الحال إلى درجة أنني عندما نزلت إلى الضفة لم أتمكن من معرفة أسماء المدن والشوارع بعد أن غيرت "إسرائيل” معالمها وأطلقت عليها أسماء جديدة فاضطررت إلى الاستعانة بأحد أقاربي كدليل”.
ويتفهم سبب عدم الإجماع بين الفصائل على خطوة الاستحقاق معزياً إياه إلى عدم وجود ثقة كافية في ما بينها، رغم أن الخطوة جبارة على حد تعبيره وتستلزم من جميع القوى الاجتماع ومراجعتها.
الخطة الفلسطينية ناقصة
"الخليج” حملت آراء هؤلاء النشطاء ونقلتها إلى الدكتور لؤي ديب أستاذ القانون الدولي ورئيس الشبكة الدولية للحقوق والتنمية رئيس الجالية الفلسطينية بجنوب النرويج (روجلاند) وعضو المجلس البلدي المنتخب عن حزب العمال الحاكم في بلدية سولا النرويجية، وقال رداً على سؤال حول الفرق بين الاعتراف بالدولة من عدمه: أستطيع تلخيص الفارق بشقين أحدهما قانوني والآخر سياسي، القانوني: أن فلسطين ستصبح (دولة محتلة) وليس أراضي متنازعاً عليها يجب أن تستعيد سيادتها وفقاً للحدود المعترف بها من قبل المؤسسة الدولية، وبالتالي هذا يفضي إلى الشق السياسي المتمثل في أن أي مفاوضات لاحقة لن تكون على ما ستعطيه "إسرائيل” للجانب الفلسطيني بل على جداول زمنية للالتزام بالحدود المعترف بها.
ولكن هذا لا يعني أن الخطة التي تقودها منظمة التحرير مكتملة فرغم جُملة الإيجابيات الكبرى للخطوة وأهميتها إلا أن المعركة القانونية ستكون شرسة، وقد افتقدت الخطة الفلسطينية عوامل محددة في التصدي لها.
* ما الذي افتقدته الخطة الفلسطينية من وجهة نظركم؟
أعتقد أن أهم عامل تفتقده الخطة الفلسطينية هو توحيد التوجه الأصلي مع التوجه البديل، بكلمات أخرى إن الطلب الأصلي يفترض أن يُقدم إلى مجلس الأمن من خلال آلية من آليات عدة متاحة للاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس ولن تتم الإشارة فيه إلى قضايا اللاجئين والمستوطنات لأن لا حدود للتوسع هنا، فالطلب هو طلب عضوية دولة، وفي الغالب ستتم مجابهة هذا الطلب بالفيتو الأمريكي، الأمر الذي سيدفع إلى الخطة البديلة وهي التوجه إلى الجمعية العامة بالطلب نفسه لأخذ أغلبية النصف +(1) لتصبح فلسطين بعدها دولة غير عضو non member state وفق نص القانون الدولي، وبالتالي ما الذي ستخسره أمريكا أو "إسرائيل” في حالة الفيتو هو نقل الطلب نفسه إلى الجمعية العامة وتبقى فلسطين دولة غير عضو، أما لو كان الطلب البديل إلى الجمعية العامة يحتوي على خطر قانوني حقيقي لكانت الفرصة في مجلس الأمن أكبر ولكانت المكانة القانونية أعمق، بمعنى آخر ماذا كنا سنخسر لو أن الطلب إلى الجمعية العامة تم تقديمه بناءً على قرار التقسيم (181) فأغلبية النصف +(1) مضمونة لنا في الجمعية العامة، وكان الطلب يمكن أن يتم تقديمه بصورة مغايرة مع طلبات عدة لاحقة، فقرار التقسيم يحتوي أصلاً على عودة اللاجئين وحدود أكبر للدولة الفلسطينية ووضعية خاصة لمدينة القدس وتعويضات.. إلخ، وكان يمكن وفوراً بعد إقرار حدود دولة فلسطين بناءً على قرار التقسيم أن يتم التقدم بطلب آخر هو تخفيض عضوية "إسرائيل” إلى درجة مراقب حيث إن "إسرائيل” أُوجدت بموجب قرار التقسيم رقم(181) لسنة ،1947 ثم قُبلت عضواً بالأمم المتحدة بموجب القرار رقم 273 لسنة ،1949 بموجب أربعة شروط، وهي:
1- أن تنفذ قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947.
2- أن تنفذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1949 والخاص بعودة اللاجئين.
3- أن تحترم الوضع الخاص لمدينة القدس والموضح بالملحق الخاص بقرار التقسيم، والذي يقرر وضعاً قانونياً خاصاً للمدينة المقدّسة لمدة 10 سنوات، وذلك لأن "إسرائيل” كانت قد بدأت بالفعل في احتلال مناطق في غرب القدس.
4- أن تحترم ميثاق الأمم المتحدة. وما لم تلتزم "إسرائيل” بتنفيذ هذه الشروط الأربعة، فإنها تفقد صِفة الدولة العُضو وكان يجب أن تبقى في منزلة الدولة المُراقب، لأنه بموجب القرار الأصلي إن لم تكن فلسطين دولة ف”إسرائيل” أيضاً ليست دولة، وأيضاً سيشكل توجه من هذا النوع ترقية لمكانة منظمة التحرير من دون المس بها، الشيء الذي كان سيجعل الغرب يفكر ملياً في توابع الفيتو، بل والتفكير ألف مرة قبل الإقدام عليه. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يؤسس لبداية كفاح قانوني مثمر تخوضه المنظمة في المؤسسة الدولية بعد حالة الجمود التي أحاطت بالقضية الفلسطينية، وإفراز حالة إجماع وطني حول التوجه لضمانه الأصيل للثوابت الوطنية. يبقى هذا جزءاً مهماً من أجزاء افتقدتها الخطة.
* ما الجديد الذي يمكن أن يأتي به الاستحقاق لاسيما أن الطرح ليس جديداً، فهناك قرار التقسيم 1947 واتفاقيات أسلو 1993 وقرار 1397 لعام 2002 والذي يقر صراحة بالاعتراف بدولة فلسطين؟
الجديد هو إعادة صياغة الورقة القانونية للشعب الفلسطيني وفتح نافذة عريضة كانت مهملة في قيادة مشروع نضال قانوني في ظل غياب مشاريع أخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة غير عضو سيتيح المجال لها للانضمام رسمياً إلى المحكمة الجنائية الدولية التي هي أصلاً خارج تركيبة المنظومة الحقوقية للأمم المتحدة، وبالتالي ستكون أمام الشعب الفلسطيني فرصة حقيقية لفتح ملف الجرائم "الإسرائيلية” منذ عام ،2002 وهو تاريخ تأسيس المحكمة وعبور نظام روما حيز التنفيذ، أنا مع فكرة الدولة وأريدها بشدة، ولكن الخطوة تفتقد بعض المهنية التي لو أضيفت إليها ستكون حدثاً فارقاً في مسيرة الشعب الفلسطيني.
* في حالة الموافقة، كيف يمكن تنفيذ القرار قانونياً على أرض الواقع في ظل تزمت "إسرائيل” وعدم التزامها بالقرارات الدولية مع الدعم الأمريكي اللامحدود؟
على الجميع أن يدركوا أن الخطوة في حال إقرارها من مجلس الأمن أو الخيار الآخر من الجمعية العامة فإنها لن تأتي بنتائج سريعة وملموسة، ولن تتنازل "إسرائيل” عما في يدها بمجرد صدور قرار هنا أو هناك. إنها مجرد خطوة أولى في مشروع نضال قانوني. وعندما استخدم كلمة نضال فأنا أعني الصبر وفترة طويلة وسلسلة من الإجراءات، إن الخطوة ستغير المكانة القانونية للشعب الفلسطيني.
* يرى بعض المراقبين أن القرار التفاف من حركة فتح لتغيير منظمة التحرير الفلسطينية لتصبح دولة فلسطين في أروقة الأمم المتحدة وهو ما يعني ضم جميع فئات الشعب تحت مظلة الدولة في الوقت الذي يشكك البعض في شرعية المنظمة كممثل وحيد عن الشعب؟
أبدأ من حيث انتهى السؤال، فمن يشكك في شرعية منظمة التحرير عليه أن يقدم 10% مما قدمته المنظمة ليرينا شرعيته، شرعية المنظمة هي شرعية من نوع آخر كان ثمنها الدم الفلسطيني ومراحل معقدة من النضال والتصادم مع الدول، شرعية ثورية أجمع عليها الشعب الفلسطيني، أما أن المنظمة أصبحت بحاجة للإصلاح، فنعم، أما البديل عنها فلا، ولا يجوز. وإلا كانت دماء أكثر من 240 ألف شهيد قد ذهبت هدراً، وسنوات من التشرد والبؤس ضاعت بلا ثمن. أنا شخصياً دخلت في أكثر من معركة قانونية مع السلطة نتيجة التراخي في الأداء في قضايا عدة كقضية غولدستون وغيرها، ولكني أرى أن الرأي السابق متحامل وفئوي. قد أتفهم أن المصالحة بحاجة إلى وقت، ولكني لن أتفهم أن تشريع دولة فلسطين في المحافل الدولية قد يكون محل خلاف، فلا تجوز الكيدية في مصير شعب. وكل الأطراف لديها إعلانات واضحة بالقبول بدولة مؤقتة على حدود 1967 بما فيها حماس. أرى أن يتحدوا في الأمر أفضل من التناحر الذي سيقضي على فرصنا الضئيلة الباقية. وعليهم أن يتذكروا جميعاً أن الشعب الفلسطيني بدأ ينمو فيه جيل شاب ما عاد يحتمل التلاعب بمصيره. مدرسة التاريخ لا ترحم. وأناشد كل الأطراف أن تتوحد وتتقي الله في مستقبل الشعب الفلسطيني.
* ما الذي يمكن أن يسهم فيه الاعتراف بالدولة في دعم قرارات مستقبلية مثل تجريم الحرب على غزة أو الحصار أو الانتهاكات "الإسرائيلية” المتكررة بشكل يومي؟
بعد الحرب على غزة وعندما توجهنا إلى المحكمة الجنائية الدولية وكنت ضمن الفريق الذي عمل ليل نهار على القضية بصفتي المدير التنفيذي للتحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب، أذكر أننا اصطحبنا وزير العدل الفلسطيني في رام الله معنا إلى المحكمة وقدمنا معاً للمحكمة كي نسد أي ثغرة من بينها توقيع وزير العدل في غزة وتوقيع رئيس المجلس التشريعي ونائبه ورئيس المجلس الوطني وكل التنظيمات الفلسطينية داخل منظمة التحرير وخارجها وأكثر من 380 منظمة مجتمع مدني فلسطيني. وقلنا وقتها لأوكامبو بعيداً عن أي خلاف، الشعب الفلسطيني بأكمله يوقع على المحكمة الجنائية الدولية، وبقيت المعضلة أننا نريد ما يثبت أن فلسطين دولة وهو النقطة التي أجهضت الأمر برمته. وقد أجبت في ما سبق من أسئلة أن الحل الأضعف وهو الدولة غير العضو سيتيح لنا الانضمام إلى المحكمة وبالتالي فضح جرائم "إسرائيل”، وعقد جلسات استماع علنية للشهود وقرارات بالتجريم، بالطبع ولا شك إن كان هناك انتصار لمفهوم الدولة فإن هذا سيكون الانتصار الأكبر.
المصدر: دار الخليج