مجزرة تل الزعتر... جريمة في حق اللاجئين الفلسطينيين بالشتات
الأربعاء، 22 آب، 2012
الفلسطينيون ..عقود من التهجير
والتطهير والتنكيل والمحاصرة .. في الداخل وفي مخيمات الشتات.. مرة بيد الصهاينة ومرة
بيد أنظمة متصهينة.
أحد هذه المجازر، هي تل الزعتر،
التي تمر ذكراها هذه الأيام، حيث تعرض فلسطينيو لبنان إلى ما يشبه الإبادة الجماعية،
وكانت على وشك أن تضيع هذه المجزرة في غياهب التاريخ لولا اندلاع الثورة السورية والتي فتحت ملف انتهاكات
النظام بحق اللاجئ الفلسطيني .
حول تل الزعتر والمجازر التي
ارتكبت في حق الفلسطينيين، وسبل توثيقها، وأوضاع اللاجئين في لبنان، حاورت " الضمير" الأديب والصحافي الفلسطيني ياسر أحمد علي، من مواليد
عام 1969 في مخيم تل الزعتر بلبنان، حائز على ليسانس في الأدب عربي، متخصص في الإعلام
المعني بقضايا اللاجئين الفلسطينيين، صاحب كتاب " المجازر الصهيونية بحق الشعب
الفلسطيني "، وديوان شعر عن القدس بعنوان "خلف أسوار الهوى" . ويرأس
حاليا تحرير موقع لاجئ نت على الصفحة العنكبوتية.
تصادف هذه الأيام ذكرى مجزرة
تل الزعتر التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين في لبنان، هل لك أن تشرح وقائعها؟
منذ بداية اندلاع الحرب الأهلية
اللبنانية، كان مخيم تل الزعتر هدفاً مفضلاً لليمين اللبناني، نظراً لوجوده في المناطق
المسيحية اللبنانية، وكان من الضروري ضمن حملة تطهير المناطق على طريق التقسيم والفيدرالية
أن يُزال كل تجمع غير متوافق مع فكر وحركة الكتائب اللبنانية والقوى التي في كنفها.
ونظراً لأن عدداً غير قليل من
أبناء المخيم انخرط في المقاومة الفلسطينية (الفدائيين)، كان لا بدّ أن يشكل نقطة ساخنة
في الحرب اللبنانية، وخصوصاً أن المخيم شهد عدداً من الأحداث قبل الحرب اللبنانية وتعددت
الاحتكاكات مع محيطه الموالي للكتائب.
بل إن اندلاع الحرب الأهلية
في 13 نيسان 1975، كان بسبب استهداف القوى المذكورة لحافلة تقلّ فلسطينيين من تل الزعتر،
وهوما عرف لاحقاً بحادثة «بوسطة عين الرمانة».
وشهد المخيم حصاراً أولياً في
بدايات الحرب، ولم يسقط، وكان هناك يقين بعدم قدرة الكتائب وحلفائها على إسقاط المخيم..
إلا أن موازين القوى تغيرت بعد دخول قوات الردع العربية، ودعمها في ذلك الوقت الجانب
الكتائبي (بحجة إحداث توازن قوى، وتجنباً لمجزرة قد تحدث لو انتصرت القوى الوطنية في
تلك المعركة)، فكان الحصار الذي بدأ في حزيران/ جوان 1976 واستمر 52 يوماً من الحصار
والجوع والعطش، وكان جلب الماء يتمّ بالليل، ويُعدّ مغامرة خطيرة، حيث جرى قنص العشرات
أمام مأخذ الماء، وتم إسقاط المخيم في 12 آب/ أوت 1976، ضمن اتفاق لخروج الفلسطينيين
من المخيم بأمان.. إلا أن المجزرة الحقيقية كانت في أثناء الخروج، حيث أوقف الرجال
صفوفاً إلى الجدران وتمت تصفيتهم بالنيران الرشاشة، ولم ينجُ من الرجال إلا من استطاع
الادعاء بأنه لبناني، أومن خرج من المخيم عبر طريق الجبل ليلاً. وكانت نتيجة هذا الحصار
والمجزرة نحو3000 شهيد فلسطيني.
لماذا لم يسلط الضوء على المجزرة
إلا الآن رغم وقوعها قبل 36 عاما؟ هل للربيع العربي علاقة بالأمر؟
يعود السبب في ذلك إلى القرار
الفلسطيني اللبناني الداعي إلى محو تلك الحقبة من تاريخ لبنان، وتحت شعار "نغفر
ولا ننسى" جرى التغاضي عن الجهات التي
قامت بالمجزرة، باعتبارها كانت في سياق الحرب الأهلية، ولا داعي لأن ننكأ الجراح مجدداً،
فكنا نحيي ذكرى المجزرة كمأساة، وليست كمعركة،
وأنشأنا رابطة أهالي تل الزعتر، وأقمنا معرضاً في مخيم شاتيلا لعدة سنوات، إلا
أن هذه السنة شهدت ما يشبه نبش الملفات، حيث ركّز البعض على دور الجيش السوري الحاسم
في المعركة وحمّله المسؤولية كاملة عن سقوط المخيم والمجزرة. وأخذت قضية المخيم شكلاً
متسقاً مع الربيع العربي، وهذا الأمر لم ينبشه الفلسطينيون بقدر ما نبشه السوريون أنفسهم،
في إطار سرد الوقائع المؤلمة لتاريخنا المشترك.
بصفتك مؤلف كتاب" المجازر
الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني " ماهي
سبل توثيق مئات المجازر التي وقعت بحق هذا الشعب داخل الأراضي المحتلة وفي الشتات؟
برأيي أن الأحداث التي لا تُوثّق
ستُنسى، وستصبح في حكم غير الموجود، وبالتالي: لم تحصل. والأحداث التي تُوثّق حاصلة.
بل إن التوثيق يمكن أن يُضاف إليه لاحقاً عوامل إنسانية أخرى، من قبيل الشهادات الشخصية
التي تؤكد بعضها، فتخيل الفرق بين رواية مصدر واحد للنكبة أو رواية 800 ألف لاجئ عاشوا
النكبة، أو عوامل إبداعية مثل الأشرطة الوثائقية وصولاً إلى الأفلام السينمائية والمسلسلات.
في كتابي «المجازر الإسرائيلية
بحق الشعب الفلسطيني» واجهت مشكلة التوثيق المتعدد، والمصادر الرديئة.. أرى أن الأمر
يحتاج إلى مراكز متخصصة، تعمل على التوثيق العلمي، حيث لم يعد مجدياً التسجيل الورقي
أو السمعي أو حتى الفيديو. ولن ينفع في هذه الحال سوى التصوير عالي الجودة، والمطلوب
تسجيل ساعات طويلة من المواد الخام، لكل شيء وعن كل شيء، وأرشفتها بطريقة علمية ودقيقة
للاستفادة منها لاحقاً، وأن يتم ذلك بسرعة، حيث إن الوقت ليس في صالحنا، فشهود النكبة
الواعين مثلاً، لا يتجاوزون 3% من الشعب الفلسطيني.
أما المجازر الحديثة، فالتوثيق
ضروري جداً، في مواجهة العدوّ، ولا يكفي التوثيق المتفرق، بل يجب أن تقوم جهة قومية
كبيرة بهذا الأمر، مثل الجامعة العربية، بحيث تؤسس مركزاً عالمياً لتوثيق المجازر بأحدث
الطرق العلمية والتقنيات المتقدمة، يكفي أن نقول أن مشروع التوثيق الصهيوني لضحايا
«الهولوكوست» أشرف عليه أحد أشهر المخرجين في العالم وهو "ستيفن سبيلبيرغ"،
واستفاد من عملية التوثيق التي أشرف عليها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي
ورصدت لها ميزانية 150 مليون دولار، في إنجاز الفيلم الشهير "لائحة شندلر"
ونال عليه جائزة أوسكار.
لا بل أميل إلى طرق أبواب الإبداع
التفصيلي في هذه القضايا، على طريقة الممثل والمخرج ميل غيبسون في فيلمه «آلام المسيح»،
حيث استخدم مؤثرات صوتية وإبداعية واستخدم نجوماً مشهورين في إنجاز الفيلم.
ماهي السمات الخاصة بوضع اللاجئ
الفلسطيني في لبنان مقارنة ببلدان الشتات؟
حالة اللاجئين الفلسطينيين في
لبنان هي الأسوأ بين أحوال اللاجئين في العالم، بل إن وفوداً جاءت من غزة إلينا، فوجئت
وصُدمت بالوضع الذي تعانيه مخيماتنا، يكفي أن تعرف أن نسبة من هم تحت خط الفقر تبلغ
66%، فيما لا يتجاوزون بين اللبنانيين 30%.
ويُمنع الفلسطيني في لبنان من
حق التملّك، بقانون صدر عام 2001، وإذا كان يملك عقاراً قبل ذلك التاريخ، فإنه لا يستطيع
توريثه في حال الوفاة لأبنائه، لذلك يقوم معظم الفلسطينيين بتسجيل عقاراتهم باسم أصدقاء
وأقارب لبنانيين.
وقد ارتكبت الحكومات اللبنانية
المتعاقبة الكثير من التضييق على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وقامت لجنة الحوار
اللبناني الفلسطيني بنشر نتائج " الاستعراض الدوري الشامل في المفوضية السامية
لحقوق الإنسان"، حيث خضع لبنان في العام 2011 لمراجعة سجله الحقوقي. فتبين أن
المفوضية تقدمت بثماني عشرة توصية لتحسين ظروف عيش اللاجئين الفلسطينيين في لبنان،
وافق لبنان على ست توصيات منها فقط، ورفض اثنتي عشرة توصية (رفض –مثلاً- التوقيع على
بعض الاتفاقات الحقوقية الدولية، لشمولها الفلسطينيين).
وهذا ما يدلّ على التعامل العنصري
تجاه الفلسطينيين في لبنان، يظهر أحياناً في البرامج الكوميدية الكثيرة في هذا البلد.
موقع لاجئ نت الذي تترأسون تحريره،
كيف يساهم في دعم قضية اللاجئين الفلسطينيين؟ وماهي طموحاتكم المستقبلة للنهوض برسالته؟
بدأ هذا الموقع بنشر الأخبار
الفلسطينية المنتشرة في الصحف اللبنانية، وتخصص بأخبار فلسطينيي لبنان، وبموازاة هذه
الخدمة بدأ يتناول بعض القضايا من خلال عدد المراسلين المتطوعين، ويسلط الضوء على قضايا
شعبنا في لبنان..
وكنا نجد تأثير الموقع الكبير
في القصص الإنسانية، من خلال طرح حالات إنسانية على الجمهور الذي كان دائماً عند حسن
ظننا بالتبرع لهذه الحالات. مع إيماننا أن وجود هذه الحالات ظاهرة غير صحية، لأن على
" الأونروا " بصفتها الراعي الذي يدير شؤون اللاجئين أن تقوم بهذه المهمة،
إلا أن اللاجئين الفلسطينيين لا يألون جهداً في مساعدة بعضهم البعض.
المصدر: جريدة الضمير
الأسبوعية