القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

ناجٍ من تل الزعتر.. "فقدتُ معنى العائلة كما فقدَتِ العروبة معناها بعد تل الزعتر"!

ناجٍ من تل الزعتر.. "فقدتُ معنى العائلة كما فقدَتِ العروبة معناها بعد تل الزعتر"!


الأربعاء، 17 آب، 2016

على بعد عدّة أمتار من المخيم كانت مجموعات الميليشيات من الأحزاب اللبنانية اليمينية تتمترس لتنقضّ على ذلك المخيم الذي يقع وحيدًا في الضاحية الشرقية لمدينة بيروت.. مخيمٌ أرادت تلك الميليشيات بدعم من بعض الجنود السوريين أن تمحوه من المنطقة بعد 27 عامًا من تأسيسه لإيواء من تهجّر من الفلسطينيين إبّأن النكبة الفلسطينية.

ولأنّ الحقائق عن حصار ذلك المخيم المنسيّ وإبادته لم يتمّ توثيقها كغيرها من المذابح التي حلّت بالفلسطينيين في لبنان، يلجأ من يودّ أن يعرف تفاصيلها إلى من نجا من المجزرة، فهو يمتلك ذاكرةً ليس بإمكانها النسيان من هول ما مرّت به!

عائلة قدورة وصراع البقاء..

محمد قدورة "أبو خالد" هو واحدٌ ممن نجو من تلّ الزعتر، تمكّن هو واثنان من أبنائه من البقاء أحياء، لكنّه خسر زوجته وابنه الثالث.. يسرد أبو خالد في حديثٍ مع شبكة العودة الإخبارية ما حصل معه يوم الإبادة الكبرى في 12آب (أغسطس) 1976.

يوم المذبحة قلتُ لزوجتي أنا خائف من هذا النهار ما رأيك أن ننزل عند أبو وليد في معمل الصابون لنختبئ هناك بدلاً من الملجأ.. لكنّها لم تستجب لي بل أصرّت عليّ قائلةً "نحن جميعنا هنا في الملجأ نساء وأطفال صغار، إبتعدوا أنتم عن الملجأ بسلاحكم قبل أن يأتوا ويقتلوكم، فنحن إن أتوا سنسلّم أنفسنا فأطفالنا جاعت وعطشت!".

وجدني أحد الأشخاص قرب الملجأ وسألني ماذا ستفعل قلتُ له سآخذ أبنائي إلى المعمل أشعر أنّ هناك أكثر أمنًا فالملجأ عرضة للاقتحام. نزلتُ بعدها إلى الملجأ لآخذ أبنائي فتوجّهت أنظار جميع من في الداخل صوبي يسألونني عن الأخبار في الخارج وماذا سيحلّ بالمخيم. كلّ ما استطعتُ قوله "علينا الصّمود حتى آخر نفس"..

ومن تلك المشاهد التي لم أستطع وصفها يوم أن قال لي أحد الرجال أنه قرأ آية الكرسي وبخّر الملجأ بحيث لا تستطيع لا الكتائب ولا الأحرار ولا أي من الميليشيات دخول الملجأ.. ضحكتُ وقتها خوفًا من المصير المجهول الذي ينتظرنا، ثمّ خرجتُ مع أبنائي الثلاثة.

أخذتُ أبنائي الثلاثة خالد ووليد وماجد وتوجّهنا قاصدين معمل الصابون القريب من الملجأ بنحو 50 متر.. لم ندرِ كيف ركضنا وجازفنا بحياتنا، قلتُ لأبنائي تفرقوا أركضوا بعيدًا عن بعض لا أريد أن أخسركم جميعًا! فباللحظة التي يرى فيها المسلّحون أي حركة في المخيم ينهالون بالرصاص والقنص.. أذكر أنّه في الدقيقة الواحدة أطلقت الميليشيات أكثر من 80 قذيفة على المخيم!

عندما وصلنا المعمل نظرتُ إلى أبنائي فلم أجد غير إثنان خالد ووليد فقلتُ أين ماجد؟ قال لي خالد "لقد عاد ماجد عند أمي".. وقتها شيئ ما في داخلي ارتعب من تلك اللحظة، وكأنّ قلبي كان على درايةٍ بأنّ هذا اليوم سيفرّقنا إلى الأبد!

فقلتُ وأنا أغلي "عندما يخفّ احتدام المعركة سأذهب إلى الملجأ وآتي بهم جميعًا فالمكان خطرٌ هناك".

إختبأنا في المعمل بين مواد الصابون كم كانت رائحتها قاتلة! وعند المساء احتدم القتال، فقد بدأت الدبابات بالقصف بأكثر من 1000 رصاصة.. لم ندرِ حينها أنّ الكتائب قد هجموا على الملجأ.. فبعد أن خرجنا قال لي أحد من نجا صدفةً من الملجأ "عندما جاءت الكتائب وقفوا على باب الملجأ وهددونا بالقوة وبالسلاح أن نخرج إلى دير الراعي الصالح.. حيث هناك أُريقت الدماء"!

كيف حصلت المجزرة؟

كان أحد الفتيان الفلسطينيين، ضمن المقاومة الفلسطينية، يتطلع بمنظاره يراقب التحرّكات وكان الوقت ليلاً، فرأى حركةً غريبة بالقرب منه دفعته لأن يطلق قذيفةً على المكان، ليكتشف بعدها أنّ الذي قُتل هو وليام حاوي أحد أبرز قياديي حزب الكتائب.

هناك قامت عناصر الكتائب المتواجدة في تل الزعتر بالاتصال بالقيادة وبكميل شمعون أحد أبرز القادة المسيحيين خلال معظم مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية وضمنها تل الزعتر، ليقولون لهم "بأنّ حاوي قد قُتل وأنّ بحوزتهم أسرى فلسطينيين، ويقصدون هنا من هم في الدير من أطفال ونساء وشيوخ.. فجاءهم الجواب الشافي "أقتلوا الصغير قبل الكبير"!

فقُتل جميع من هم في الملجأ والثلاثة الوحيدون ممن نجى من القتل هم أنا وأبنائي خالد ووليد لأننا لم نكن معهم.. فاستشهد إبني ماجد وزوجتي مع من كانوا في الدير..

ليت زوجتي سمعت كلامي وجاءت هي وماجد معنا.. فباستشهادهم لم يعد للعائلة معنى، تمامًا كما لم يعد للعروبة معنى يوم أن تخلّى عنّا العرب تاركين آلاف الأرواح تحت الحصار والإبادة على أيدي الميليشيات اليمينية دون أي رد فعل من قبلهم، أو حتى موقف رافض يردع المجرم عن أفعاله، ويخرجنا من بين أنياب الموت!

المصدر: شبكة العودة