أجندة دسمة
تنتظر حماس بعد الحكومة
د. عدنان أبو
عامر
يبدو أن طاولة
صناع القرار في حماس ستكون مزدحمة في قادم الأيام، بعد انسحابها من الحكومة عقب
المصالحة؛ للتفرغ للتحديات التي تقف أمامها المرحلة القادمة، والحفاظ على
الجماهيرية التي تمتعت بها، وشكلت حاضنة لها، أوصلتها إلى مكانة متقدمة بين
الفصائل الأخرى.
وحين انتقلت
حماس من طور المعارضة للنظام السياسي لتسلم الحكومة 2006م تأرجحت شعبيتها صعودًا
وهبوطًا؛ لعجزها عن توفير الكثير من متطلبات الفلسطينيين في غزة، مع فرض الحصار
(الإسرائيلي) والمصري، وانقطاع رواتب الموظفين.
في المقابل طرأ
على شعبيتها تحسن ملحوظ في الضفة، اتضح بتشييع جنازة عدد من مقاتليها الذين سلم
الاحتلال جثثهم يوم 23/5، إذ خرجت بمسيرات ضخمة كانت مؤشرًا على عودة ظهور الحركة
العلني بالضفة، وحضورها في الوسط الضفي، ورفعت راياتها الخضراء بزخم ملحوظ.
حماس في غزة
تدرك تأثر مزاج الرأي العام بالواقع الصعب مع استمرار الضائقة الاقتصادية أعوامًا
طويلة، وصراع حماس وفتح في غزة، وسلوك الإعلام المضلل ضد حماس، ما أحدث تغييرًا في
الرأي العام تجاه الحركة انحيازًا إلى أطراف أخرى، ما يحتم عليها في المرحلة
القادمة وضع برنامج شامل: إعلامي، وخيري، وجماهيري، واجتماعي؛ لضمان استمرار
التواصل مع الجمهور.
وكان لافتًا أن
حماس وهي تستعد إلى مغادرة مقاعد الحكومة بدأت تستعيد خطاب المقاومة، والعمل
المسلح ضد الاحتلال، وخرج الصوت الأعلى من خالد مشعل زعيم حماس، يوم 20/5، حين هدد
الاحتلال بتحرير الضفة كما حررت غزة، وأن كتائب القسام ستلاحقها إلى أقوى حصونها،
لكن القيادي البارز في حماس محمود الزهار كان أكثر صراحة بإعلانه أن الحركة تذهب
إلى المصالحة دون ترك المقاومة، قائلًا: "لن نتخلى عن البندقية؛ لأننا على
أبواب موجة تحرير فلسطين، لنضرب الكيان العبري بكل مفاصلها".
لكن السؤال
الذي يطرح نفسه: هل ستعود حماس إلى تصعيد العمل العسكري ضد الاحتلال، فور انسحابها
من الحكم الأيام القادمة؛ نظرًا إلى أنها استطاعت تحقيق شعبيتها الكبيرة بفضل
المقاومة، إذ ضحّت بالكثير، ما رفع من رصيدها الشعبي، وإن تراجعت شعبيتها السنوات
الماضية لعجزها عن تلبية مطالب الجماهير المعيشية، لكن الحربين اللتين خاضتهما
بغزة في 2008م و2012م رفعتا رصيدها شعبيًّا إلى مستويات غير مسبوقة.
من يتابع
تصريحات قادة حماس يرى أنهم رددوا عبارة مكررة في توقيت موحد عقب الاتفاق مع فتح،
وهي أن "المصالحة ليست بديلًا عن المقاومة"، ولذلك إن جمع هذه التصريحات
المتزامنة، وربطها برؤى في حماس بعد المصالحة يشيران إلى أنها باتت متحللة من
الالتزامات الحكومية، وعلى هذا إن دخولها في مواجهة مع الاحتلال لا يتسبب بمعاقبة
شاملة للفلسطينيين، وهي بحاجة لتصعيد المقاومة لترميم شعبيتها.
هذه الرؤى بدأت
تشق طريقها في الحديث المتكرر عن ضرورة تحرير الأسرى من سجون الاحتلال، وتصعيد
المقاومة في الضفة الغربية، وحديث فتحي حماد وزير الداخلية والأمن الوطني بحكومة
حماس أن عقيدة الأجهزة الأمنية في الحكومة القادمة يجب ألا تتراجع عن حماية
المقاومة، داعيًا الفصائل للاستمرار في ضرب الكيان العبري حتى التحرير، لكن ما يهم
حماس كيف تمارس كفاحها على الأرض، لحاجتها إلى التوافق الوطني؛ لأن ذلك قد يصطدم
برفض السلطة في الضفة.
في أجندة أخرى،
يظهر موضوع مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية القادمة، كما صرح موسى أبو مرزوق
عضو مكتبها السياسي، لكن حساباتها ستكون معقدة حينها، فإن فازت فستقع بمصيبة إدارة
السلطة وأثقالها كالسابق، وإن خسرت فستفقد شرعيتها الشعبية، وتسلم غزة، وتكون
أقلية معارضة، وإن عطلت الانتخابات فستعاني حصار غزة، وتراجع شعبيتها، وستتهم
بتعطيل المصالحة.
لكن قرار حماس
بالمشاركة في الانتخابات القادمة سيتطلب منها أن ترفع وتيرة الخدمات المقدمة
للفلسطينيين، كتوزيع المعونات على المحتاجين، والتخاطب مع الجمهور، وعدم الانكفاء
عنه، بل مشاركته في آلامه وهمومه، وقيادة النشاطات الجماهيرية، مع أن أزمة حماس
المالية قد تؤخرها عن القيام بواجباتها تجاه ناخبيها، ما سيؤثر بشعبيتها، وهي
مجبرة أن تدخل الانتخابات القادمة بشعبية تستعيدها بالجمعيات الخدمية التابعة لها،
وما يتفرع عنها من التزامات تجاه شرائح اجتماعية عريضة، خاصة الفقراء.
ولذلك إن
المرحلة القادمة ستشهد منافسات انتخابية شديدة، وستتكشف أمام الناخب إنجازات
وإخفاقات من سيشارك فيها، والمطلوب من حماس وضع الحقائق والأسباب أمام الناخب،
وعدم تبني سياسة الدفاع المستميت لتبرير الأخطاء، واستدعاء ظروف الاحتلال والحصار.
فلسطين أون
لاين، 8/6/2014