أزمة الأمراض المزمنة
غير السارية في سوريا ومضامينها العالمية
بقلم: أكيهيرو سيتا*
إن اتساع نطاق الأزمة
الإنسانية التي يسببها الصراع في سوريا لا يزال ينهك قدرات مجتمع العمل الإنساني. وما
يثير القلق بشكل خاص نشأة مخاطر جديدة على الصحة وعلى أرواح الناس في ظل تدفق أكثر
من مليون لاجئ إلى خارج البلاد، بمن فيهم العديد من لاجئي فلسطين.
وتزداد صعوبة الاستجابة
إلى الاحتياجات الصحية الملحة، سواءً داخل سوريا أو في البلاد المجاورة، بسبب الوضع
الطارئ الجديد المتعلق بتوفير وتيسير الوصول إلى الرعاية اللازمة لإنقاذ أرواح المرضى
الذين يعانون من الأمراض المزمنة غير السارية، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.
إن المشاكل التي
تواجه مرضى الأمراض المزمنة غير السارية داخل سوريا شديدة. فحسب مكتب الأمم المتحدة
لتنسيق الشؤون الإنسانية، توقفت أكثر من 70% من المرافق الصحية السورية عن العمل. وقد
أصدرت منظمة الصحة العالمية نداءات تنبيه بشأن النقص الحرج في الإنسولين في مختلف أنحاء
سوريا، والذي لا بد من الاستجابة إليه من أجل تجنب حدوث مضاعفات خطيرة لدى المرضى.
إن الاستجابة إلى النقص الحالي والنقص المرجح أن يحدث مستقبلاً في هذه الأدوية الحرجة
أمر مهم بقدر أهمية استمرار الرعاية الصحية العامة، وهما أمران لا غنى عنهما لمرضى
الأمراض المزمنة غير السارية.
إن هذا الأمر يشكل
مبعث قلق خاص للأونروا، حيث أن اللاجئين الفلسطينيين المستفيدين من خدماتها، والذين
بلغ عددهم في سوريا أكثر من مليون شخص قبل الصراع، كانوا في الأصل يعيشون في أسفل الهرم
الاجتماعي-الاقتصادي وبالتالي يعدون ضمن الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الأمراض المزمنة
غير السارية.
لقد كان معدل انتشار
مرض السكري وارتفاع ضغط الدم من ذي قبل مرتفعاً جداً في أوساط البالغين من اللاجئين
الفلسطينيين في سوريا، بواقع شخص من كل 10 أشخاص ممن يبلغون من العمر 20 سنة فأكثر،
وشخص من كل 5 أشخاص ممن يبلغون من العمر 40 سنة فأكثر. وفي ظل القدرة المحدودة على
الوصول إلى اللوازم الطبية وانقطاع سلسلة الرعاية وارتفاع تكاليف العلاج في البلدان
المجاورة، فإن اللاجئين الفلسطينيين المرضى بالأمراض المزمنة غير السارية يتعرضون إلى
مشاكل بالغة يمكن أن تصل إلى حد خطر الوفاة.
نهج استجابتنا في
سوريا وخارجها
في مجرى الاستجابة
إلى التحول الجاري من الأمراض السارية إلى غير السارية، عملت الأونروا على إصلاح خدماتها
في الصحة الأولية في المناطق الأربع التي تعمل فيها، وهي الأرض الفلسطينية المحتلة،
والأردن، ولبنان، وسوريا حيثما يسمح الوضع. ويأتي علاج أكثر من 220 ألف شخص من مرضى
السكري وارتفاع ضغط الدم في صميم خدمات الرعاية الصحية الأولية التي تقدمها الأونروا
في 139 مركزاً صحياً عبر الإقليم. ويشكل ذلك الركيزة الأساسية لاستراتيجية الإصلاح
في الأونروا باتباع نهج فريق صحة الأسرة، حيث تسعى الأونروا إلى تقديم رعاية شمولية
ومتواصلة للاجئين الفلسطينيين في سياق الأسرة.
تعمل الأونروا على
إعادة تنظيم كوادرها الصحية ونقاط الخدمات في مراكزها الصحية من أجل تطبيق نهج فريق
صحة الأسرة. تتكون فرق صحة الأسرة من أطباء وكوادر تمريضية وإدارية. ويقدم كل منها
رعاية مرتكزة إلى الفرد، سعياً إلى ضمان الاستمرارية في تقديم المعالجة الشاملة. ويتم
تدعيم هذا النهج باستعمال نظام الصحة الإلكتروني (سجلات طبية إلكترونية)، والذي ييسر
إجراء رصد ثابت ومتناغم لمرضى الأمراض المزمنة غير السارية والإحالات الطبية ومراقبة
النزعات السائدة في هذه الأمراض من خلال الرصد الجماعي.
مع ذلك، وعلى الرغم
من الإصلاحات الجوهرية في الأونروا، لا يزال هناك الكثير مما يجب عمله للتصدي إلى العبء
الضخم للأمراض المزمنة غير السارية. وفي الواقع، ليس باستطاعة قطاع الصحة العالمي،
بمفرده، أن يصحح هذا الاتجاه الذي يساهم في تزايد أعداد الوفيات والإصابة بالأمراض،
بصرف النظر عن الجنسية والمكانة الاجتماعية-الاقتصادية.
المضامين العالمية
إن الأزمة الصحية
الناشئة في سوريا تسلط الضوء على هذه القضية المهمة، ونحن نكتشف الآن أن لهذه الأزمة
مضامين عالمية تهم الممارسين الطبيين العاملين في أوقات الطارئ في أماكن أخرى، ويعني
ذلك بالتحديد الحاجة للاستجابة إلى مرضى الأمراض المزمنة غير السارية في أوقات الصراع
والاضطرابات.
في السابق، كان يتم
تحديد المشكلات الصحية في أوقات الأزمات في بلدان الاقتصاد الانتقالي بأنها في الغالب
تتلخص في أمور مثل الإصابات وتفشي الأمراض السارية ووفيات الأمهات والأطفال. إلا أن
الأمراض المزمنة غير السارية تصبح منتشرة في كل مكان، وبشكل متزايد، بصرف النظر عن
الوضع الاقتصادي للبلد المعني. وبالتالي، فقد شهدنا في الأزمنة الأخيرة حاجة للاستجابة
إلى الأمراض المزمنة غير السارية في أعقاب كارثة تسونامي في اليابان سنة 2011، والزلزال
الذي ضرب هايتي سنة 2011، والفيضانات المدمرة التي تعرضت لها باكستان سنة 2010. وها
هي سوريا تقدم مثالاً مأساوياً آخر وتضع مسألة الاستجابة إلى هذه القضية على قمة الأولويات.
مناشدة الأونروا
في المناطق التي
لا تعد في وضع طوارئ حيث يوجد لاجئون فلسطينيون، يلزم توفر كم هائل من الموارد وتمويل
متواصل من أجل تقديم خدمات رعاية الأمراض المزمنة غير السارية لأكثر من 220 ألف مريض
بالسكري وارتفاع ضغط الدم في أوساط اللاجئين الفلسطينيين، ويتضمن ذلك الكوادر والأدوية
والتثقيف الصحي والعلاجات اللازمة للتعامل مع مضاعفات هذه الأمراض.
وبما أن جذور الأمراض
المزمنة غير السارية تكمن إلى حد كبير في خيارات نمط الحياة التي يمكن تجنبها، فثمة
حاجة ماسة لتوحيد جهود الإغاثة والتنمية من أجل بناء نهج متكامل ومتعدد القطاعات للوقاية
من هذه الأمراض والكشف المبكر عنها، مما سيخفض تكاليف هذه الأمراض التي تستنزف ميزانيات
الطوارئ والميزانيات التنموية الاعتيادية.
إن على مجتمع العمل
الإنساني، في أوقات الأزمات كما هو الحال في سوريا اليوم، أن يعيد التفكير في حزمة
أنشطته الصحية الطارئة لكي يدرج فيها رعاية الأمراض المزمنة غير السارية، مثل تأمين
وصول المرضى إلى الخدمات الصحية والأدوية الحرجة كالإنسولين.
ونحن في يوم الصحة
العالمي لهذه السنة، نأمل من المجتمع الدولي أن يتروى قليلاً لكي يضع مناشدتنا هذه
في اعتباره، ويستجيب إلى هذه الاتجاهات المتنامية التي تتطلب التوصل على وجه السرعة
إلى حلول من شأنها أن تنقذ الأرواح.
* مدير دائرة الصحة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة
وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
المصدر: موقع الاونروا