علوان فتح
الله/ كاتب فلسطيني
بعدما وضعت الحرب
أوزارها نظرياً في لبنان، وجنوبه تحديداً، وبعد انهيار نظام الأسد في سوريا، وبعد تغييرات
في موازين القوى في المنطقة، تم «التوافق» أخيراً على رئيس في لبنان، فانتخب مجلس النواب
الجنرال جوزف عون قائد الجيش رئيساً للجمهورية اللبنانية، وتم تكليف القاضي نواف سلام
لتشكيل الحكومة، بعد أكثر من سنتين من الفراغ الرئاسي.
يتشكل لبنان من
موزاييك مُعقّد، تمظهر كفاية بعد السابع من أكتوبر 2023، ودخول المقاومة اللبنانية
في جبهة الإسناد، ولاحقاً الحرب التي اندلعت في الربع الأخير من العام الماضي، وما
نجم عنها من تداعيات على جنوب لبنان والبقاع والضاحية وكل لبنان. وهذه الأحداث المتراكبة
المتعاقبة، تجعل المتابع ينتبه إلى جزء مهم من لبنان، وهو الوجود الفلسطيني فيه، وواقع
اللاجئين ضمن التركيبة اللبنانية.
وما يجعل المتابعة
ضرورية اليوم، هي النتائج التي آلت إليها الحرب، وبعيداً عن مفهومَي النصر والهزيمة،
يسترعي الانتباه خطاب العهد الجديد الذي أطلقه فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، أي
خطاب القسم بعيد انتخابه. وقد أجمع اللبنانيون على أن الخطاب يشكل خريطة طريق للمستقبل،
وخاصة أنه أتى في ظروف دولية وعربية داعمة للبنان للخروج من أزماته السياسية والاقتصادية.
وما يعنينا هنا،
الجزئية المتعلقة بالفلسطينيين ومخيماتهم وسلاحهم. إذ أكد عون على نقطتين رئيسيتين:
أولاهما، تأكيده على عدم التوطين، وعلى حق العودة. أمّا التوطين، فهو ما ورد في مقدمة
الدستور اللبناني. أمّا «حق العودة»، فيتفق عليه الشعبان اللبناني والفلسطيني.
ثانيهما، موضوع
بسط سيادة الدولة اللبنانية على كل الأراضي، ومن ضمنها المخيمات الفلسطينية في لبنان،
والذي ترافق مع كلامه عن كرامة الفلسطينيين الذي وصفهم بـ«الإخوة».
قوبل خطاب عون
بترحيب وتفاؤل عند أغلب اللاجئين الفلسطينيين، وبانتظار اكتمال تشكيل الحكومة التي
ربما ستعلن في بيانها الوزاري موقفاً واضحاً من الوجود الفلسطيني عطفاً على المتغيرات
التي تمت الإشارة إليها أعلاه. وبينما ينتظر اللبنانيون تشكيل حكومتهم، ينتظر الفلسطينيون
أيضاً، فثمة زيارة مرتقبة لعزام الأحمد، سيستمع خلالها من الطرف اللبناني ما المطلوب
من الفلسطينيين، من أجل تنفيذه، ولا سيما موضوع السلاح في المخيمات، وهل سيتم تسلميه
للدولة أم سيتم تنظيمه، وماذا بخصوص المخيمات التي تقع ضمن نطاق تنفيذ القرار 1701؟
بالتزامن مع الانتخاب
الرئاسي والتشكيل الحكومي، هناك من لم يتوقف عن أداء «دوره»، فقد سمعنا قبل أيام تصريح
رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، خلال لقاء جمعه بالفصائل الفلسطينية، يقول فيه:
«نعلنُ اليومَ أنّه تمَّ إقفال هذا الملفّ بالكامل»، رابطاً تصريحه والإجراء بخطاب
القسم. وفي لقاء صحافي، أكد أن هناك توافقاً على تسليم السلاح داخل المخيمات.
لكن مع ذلك، ورغم
التوافق، ثمة أسئلة يجب أن تطرح: مثلاً، هل ما طرحه السيد باسل الحسن هو ضمن آليات
وضعت فعلاً، أم أنه يريد التجديد لموقعه على رأس لجنته لسنة مقبلة بعد تشكيل الحكومة
القادمة؟ وللدقة، السؤال حول دور لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وتحديداً في السنوات
الماضية، خلال رئاسة الحسن لها، ولا سيما أنه لعب أدواراً كثيرة لا تتوافق وصلاحياته،
منها بعض التدخلات السياسية والأمنية، وخاصة في ملف مخيم عين الحلوة، وبعض الشخصيات
داخله. فضلاً عن علاقاته الفلسطينية التي التمس فيها عدم توازنه في التعاطي مع القوى
الفلسطينية. كما أنه مارس، في أكثر من حدث، دور الوصيّ على الفلسطينيين، وخاصة في ملفات
متعلقة بـ«الأونروا»، كملفَّي الكهرباء والقمامة. هذا ولم نذكر علاقته مع السفارة الفلسطينية
في لبنان، وسفيرها الذي أبدى انزعاجاً، إن لم نقل أكثر، من دور السيد باسل الحسن، في
أكثر من حدث، وفي أكثر من مجلس مغلق ومفتوح.
أمّا الآن، وبعد
كل التطورات، فلا بد من إعادة النظر بكل عمل اللجنة، لما فيه من مصلحة لبنانية وفلسطينية،
وخاصة أن بعض السياسيين اللبنانيين وصفوا أكثر من مرة هذه اللجنة بـ«مغارة علي بابا»،
فضلاً عن أن وجود شخص كباسل الحسن حوّل المسألة الفلسطينية في اللجنة من مسألة حقوق
إنسانية إلى ملف أمني. وإزاء هذه النقطة، لا بد من سؤال حاسم عن دور الجانب الفلسطيني،
ممثلاً بالسفارة الفلسطينية ومنظمة التحرير في لبنان، في السماح للأمور بالوصول إلى
هذا الحد. وكون الأمور لا تزال في موقع يمكن تداركه، يبدو أن على القيادة الفلسطينية
في لبنان أن تقود حواراً سياسياً ومهنياً لتثبيت قرارات تنصف اللاجئين، ترتكز على دور
القانونيين والمتخصصين، وبكل شفافية، لأن اللاجئين الفلسطينيين ينظرون لدور الفصائل
بشكل سلبي، وعلى القيادة أن تتفهم ذلك، وأن تذلّل العقبات بإشراك الجميع دون إقصاء،
وأن توضح الدور الذي ستلعبه الفصائل والسفارة الفلسطينية.
لا بد من حدوث
ذلك، قبل الذهاب إلى طاولة الحوار، من أجل الحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في
لبنان، علماً أن الحقوق ضرورة واقعة منذ سنوات، لكنّ أطرافاً لبنانية ترفض مقايضة السلاح
بالحقوق المدنية أو الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، كما أنها لا تقبل بتقديم
أيّ تطمينات للفلسطينيين.