أعيدوا الإعمار قبل وقف الإيجار
عام 2007. لم تُبق المعارك، التي سموها حرباً على الإرهاب، حجراً على حجر في مخيم البارد.. أو عائلة. كلّهم هجروا. أقرّت لهم «وكالة غوثهم»، 200 دولار أميركي بدل إيجار مؤقت إلى حين يعاد إعمار مخيمهم، لكنها سرعان ما خفضته إلى 150، من دون أن تسرّع أعمال إعادة الإعمار
عبد الكافي الصمد - الأخبار:
قبل نحو عام، فاجأت وكالة الأونروا نازحي مخيم نهر البارد بخبر غير سار، كان له وقع الصاعقة على المشرّدين من بيوت كانت آمنة قبل أن تجتاحها حرب بشعة. هكذا، قررت وكالة «غوثهم»، أي الأونروا، خفض قيمة بدلات الإيجار الشهرية التي كانت قد قررتها للنازحين من المخيم، من 200 دولار أميركي للمنزل، إلى 150 دولاراً، في وقت كانت الإيجارات فيه ترتفع، الأمر الذي أثار احتجاج الأهالي، بلا طائل. كلّ ما حصلوا عليه من بعد سلسلة الاحتجاجات في المخيمات التي لجأوا اليها، هو وعد قطعته «الوكالة» الأسبوع الماضي، ترافق مع الإعلان عن موعد قبض النازحين الدفعة الجديدة من تلك البدلات غداً الثلاثاء. ومن خلاله، أبلغت الأهالي أنها «رفعت طلبهم بإعادة بدلات الإيجار الشهرية إلى قيمتها السابقة، أي 200 دولار، إلى كل الجهات المانحة». لكنها أشارت، في الوقت عينه، إلى أنها «حالياً ليست في موقف يمكّنها من تنفيذ هذا الطلب، حيث لا أموال كافية حتى لتغطية المتطلبات الأساسية للسكان، على أن تجري التعديلات اللازمة لتلبية مطالب المجتمع المحلي إذا توافر المال».
وإلى حين تصبح الأونروا في الموقف الذي يمكّنها من إعادة الوضع إلى ما كان عليه، لا خيار أمام الأهالي سوى تدبير الحال، و«الدفع من الجيب لاستكمال إيجار البيت»، يقول عماد سويدان، أحد سكان مخيم نهر البارد. ويشرح سويدان، الذي يقيم مع عائلته في منطقة جبل البداوي منذ نزوحه قبل أكثر من 3 سنوات ونصف السنة، أن الأونروا «خفضت قيمة بدل الإيجار الشهري من 200 إلى 150 دولاراً بحجة عدم توافر الأموال من المانحين». ويضيف متسائلاً: «ماذا تفعل الـ150 دولاراً لعائلة من خمسة أنفار؟» لا شيء، يقول سويدان، مشيراً إلى أن «إيجار الشقة في هذه المنطقة لا يقلّ عن 250 دولاراً، عدا رسوم الاشتراك في خدمات البناية وفواتير الكهرباء أو رسوم الاشتراك في المولّدات الخاصة وغيرها من المصاريف». هذا الواقع يضطر المهجرين من بيوتهم في البارد إلى «اختصار» متطلبات العيش المختصرة أصلاً لتوفير إيجار المسكن اللائق. وهنا، يشير عثمان جاد، النازح الآخر من مخيم نهر البارد والمقيم مع عائلته في منطقة جبل البداوي أيضاً، إلى أن «هذه الأزمة تطال جميع سكان مخيم نهر البارد بلا استثناء»، معبّراً على طريقته عن معاناته ومعاناة أمثاله من النازحين بالقول: «بتنا نقتطع من لحمنا شهرياً بين 100 و150 دولاراً لاستئجار البيوت التي تؤوينا وتسترنا». غاضب هو جاد على الواقع الذي يعيشه، وهو «الواقع الذي تسبب فيه الدمار الذي لحق بمخيمنا وخسارتنا كل جنى عمرنا فيه، حيث بات يستحيل على أي عائلة بسبب ذلك ونتيجة البطالة وقلة فرص العمل استئجار منزل لها»، الأمر الذي يعني بالنسبة الى عثمان «أن جميع عائلات المخيم تستحق الحصول على إعانات بدل الإيجار وليس كما تدّعي الأونروا التي تمارس سياسة استخبارية في تحريها عن المستحقين وغيرهم»، كما قال تعليقاً على نية الأونروا وضع «معايير الأهلية للمتزوجين الجدد، المفترض مساعدتهم، وهي المعايير التي اتُّفق عليها مع اللجان الأهلية، وستبلغ الأهالي بها فور إنهائها».
وإذ يشير جاد إلى أن الأونروا «لا تملك سياسة واضحة في تعاملها مع مأساة مخيم نهر البارد، وأنها تحاول التملص من مسؤولياتها»، فإنه يدعوها والجهات المانحة إلى إعادة إعمار الجزء الجديد من المخيم لأن «من شأن ذلك أن يسهم في إيجاد حلّ جزء كبير من المشكلة، ويوفر على الأونروا أكثر من 50% من نفقاتها في هذا المجال». يختصر جاد أكثر فيقول «أعيدوا الإعمار كي نعود إلى عملنا بحرية وبلا قيود، وبعدها فليوقفوا الإيجار والمساعدات عنا إذا أرادوا!».
مصادر مسؤولة في الأونروا أوضحت في حديث إلى «الأخبار»، أن «سبب تناقص قيمة بدلات الإيجار يعود إلى خفض الجهات والدول المانحة المبالغ المالية التي تقدمها عادة لوكالة الأونروا، الأمر الذي دفع بنا إلى اتخاذ هذا التدبير، رغم معرفتنا بمساوئه». وأعربت المصادر، في الوقت نفسه، عن أملها «رفع مستوى الخدمات والتقديمات إذا ما توافرت الأموال اللازمة لذلك». وكشفت أن «عدد العائلات المستفيدة من تقديمات بدلات الإيجار يبلغ قرابة 3200 عائلة، أي أن الأونروا تدفع نحو 48 ألف دولار شهرياً في هذا المجال، وعدد هذه العائلات في تزايد طبيعي نتيجة الزواج، ففي العام الماضي زاد عدد العائلات 60 عائلة تقريباً». لكن المصادر المذكورة لفتت إلى أن العدد «سيتراجع مع توقع عودة 100 عائلة قريباً إلى جزء من الرزمة الأولى في المخيم بعد انتهاء إعمارها، على أن تعود إلى كل الرزمة 387 عائلة نهاية شهر آذار المقبل، ما سيخفف من الأعباء علينا». يُذكر أن أغلب العائلات النازحة من مخيم نهر البارد منذ صيف عام 2007، تقيم إما في مخيم البداوي وجواره، وتحديداً في منطقة جبل البداوي، أو في الجزء الجديد من مخيم نهر البارد، حيث شهدت هذه المناطق ارتفاعاً كبيراً في أسعار إيجار الشقق فيها نتيجة الإقبال عليها، إذ بات إيجار أي شقة يراوح بين 250 و350 دولاراً في الشهر.
***
من بين 3200 عائلة نازحة من مخيم البارد تستفيد من بدل الإيجار الشهري الذي تقدمه الأونروا، هناك نحو 400 عائلة تقريباً، أغلبها يمكن وصفها بالفقيرة والمعدمة، فضّلت الإقامة في كاراجات بدل السكن في شقة، لأن إيجار أي كاراج يراوح بين 100 و150 دولاراً في الشهر، أي ما يعادل المبلغ الذي تقبضه. ورغم كون السكن في كاراج «لا يعدّ لائقاً ولا إنسانياً، بسبب عدم صلاحية الكاراجات حيث تتحول في فصل الشتاء إلى برادات وفي الصيف إلى أفران»، إلا أنه لا طاقة للقاطنين فيها على استبدالها ببيوت، ولو كانت من غرفة واحدة فقط.