أمراء التطرف في عين الحلوة: قنابل موقوتة
معدة للانفجار
بقلم: سليمان الشّيخ *
ما حصل من اشتباكات في مخيم عين الحلوة،
بين القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة وتنظيم فتح وغيرها من تنظيمات من جهة، في مواجهة
مجموعة المدعو بلال بدر وغيرها من مجموعات المتطرفين من جهة أخرى، في الفترة ما بين
السابع والثاني عشر من نيسان/ إبريل الجاري، وذهب ضحية ذلك عشرة ضحايا ونحو خمسين جريحا،
وتم في هذه الاشتباكات تدمير واحتراق عشرات البيوت والمتاجر كليا أو جزئيا، فيما تم
تهجير عشرات العائلات من بيوتها، مع تعطل مصالح عديدة من بينها المدارس والعيادات والخدمات
الاجتماعية، كما وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه.
كل ذلك حصل وربما أسوأ منه، وطبعا هذه الاشتباكات
ليست فريدة أو غريبة عن المخيم، إذ سبقتها عشرات الاشتباكات التي تحمل طابعا مشابها
في فترات سابقة، إلا أن الاشتباكات الأخيرة كانت هي الأسوأ والأعنف والأطول زمنيا،
وبدأت على خلفية منع القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة من التمركز في إحدى النقاط
القريبة من حي الطيرة القريب من الشارع الفوقاني لسوق المخيم، وتم إطلاق النار على
القوة المشتركة من قبل مجموعة بلال بدر، وذهب ضحية ذلك أحد عناصر القوة المشتركة، وأصيب
عدد من أفرادها، لتندلع بعدها المواجهات العنيفة، حيث أن مجريات المحادثات فيما يتعلق
بها، كانت وما زالت غير واضحة لسكان المخيم، ومن ثم توقفها بعد أن قيل فيها أنها من
نوع اللاغالب واللا مغلوب! وهذا الأمر المحير والمربك لا يقتصر على غالبية الناس، بل
إن الأمر وصل إلى أن عدة قيادات من فصائل فلسطينية عديدة، يجيبون بأجوبة فيها من الحيرة
وعدم الوضوح أو اليقين، في أن جولة أو جولات أخرى يمكن أن تندلع لأي سبب ولأي دافع
أو رغبة في تحقيق أهداف سياسية أو عسكرية ما.
وتسمع من بعض سكان حي الطيرة، أن المدعو
بلال بدر المطلوب رقم واحد جراء هذه الاشتباكات، ما زال يسرح ويمرح في ذاك الحي، وأن
على القوة الأمنية اعتقاله وتسليمه للسلطات الأمنية اللبنانية الرسمية حيثما وجدته،
وذلك حسب البيان الذي ألقاه فتحي أبو العردات أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية في
لبنان، بل وتضيف بعض المصادر القيادية في بعض التنظيمات، أن المدعو بلال وضع شروطا
عدة بينها: تسليم نفسه لأحد التنظيمات الإسلامية الفلسطينية، إلا أن هذا التنظيم رفض
ذلك، بل إنه طالب بالحصول على آلاف الدولارات كي يوزعها على أنصاره، وأن يخصص له آلافا
أخرى كمعاش شهري.
هكذا كانت أجواء المفاوضات تتم عبر وسطاء
يدّعون الحياد، ولكنهم في الأساس يناصرون المدعو بلال بدر وبعضهم كان يزوده بالسلاح
والعتاد والمقاتلين أيضا.
من يعوض ويعمر؟
ويمكن اختصار الوضع بأن حال الاشتباك يمكن
أن تتجدد في أي وقت، ليس بالضرورة مع مجموعة بلال بدر من جديد، بل مع مجموعات «أمراء»
آخرين، وهم مطلوبون ومتهمون بعدة قضايا، تماما كبلال بدر. إن الهدف المهم الذي استندت
إليه القيادة السياسية الفلسطينية والمتمثل بتجنيب مخيم عين الحلوة خرابا ودمارا كمخيم
نهر البارد في العام 2007، وذلك بعدم الاستمرار في تحقيق حالة من الحسم، مع ظاهرة بلال
بدر، لم تستند ولم يعلن أنها استندت إلى ضمانات معينة من أي جهة كانت بعدم تجدد اشتباكات
جديدة من قبل هذا «الأمير» أو ذاك من أمراء التطرف، الذين يتوزعون في بعض أحياء المخيم،
والذين يتلقون أموالا وعتادا وسلاحا، وبالطبع أوامر معينة من جهات متطرفة محليا وخارجيا،
وليست هناك أي ضمانة بألا تأتي الأوامر بإشعال اشتباكات جديدة على خلفية أسباب عدة.
ترتفع صيحات الناس الذين تضرروا ودمرت بيوتهم
ومحلاتهم، وباتوا يبحثون عمن يمكن أن يؤمن لهم المأوى، ويعيد إصلاح ما تهدم، كما أن
الجوار الصيداوي وسكانه يطالبون بالأمن والأمان أيضا، لأنهم تضرروا وأغلقت بعض مصالحهم
في هذه الاشتباكات التي تكررت بين فترة وأخرى، وكانت مبادرة المهندس محمد السعودي رئيس
بلدية صيدا من المبادرات اللافتة، حيث قام بزيارة مخيم عين الحلوة خصوصا حي الطيرة
والشارع الفوقاني في اليوم التالي لتوقف الاشتباكات وتفقده للدمار والخسائر التي خلفتها،
ودعوته الجهات المعنية بضرورة البدء بإحصاء الأضرار، ومن ثم ضرورة إعادة الإعمار، وهي
من الزيارات النادرة التي لم يحدث مثلها منذ زمن طويل.
أسباب الاشتباكات
فهل انتفت أسباب الاشتباكات، وهل توقفت
توجهات الجهات المتطرفة إلى إقامة إمارات مستقلة في مخيم لا تزيد مساحته عن كيلو متر
مربع واحد، وهل يتوقف «أمراء « التطرف من تلقي أوامر اللعب بمصير ما يزيد عن مئة ألف
إنسان في مخيم عين الحلوة، الذي تصادف أن طريق الجنوب اللبناني تمر بالقرب منه، وأن
هذا الطريق هو الوحيد لتواصل السكان بين الجنوب والشمال وبالعكس، حيث يشهد مرور الآلاف
من الموظفين وهم يعودون إلى قراهم وبلداتهم في الجنوب بنهاية كل أسبوع.
فهل هذا الطريق يمكن أن يترك لأهواء ومصالح
وحسابات خارجة عن المصلحة الفلسطينية واللبنانية المشتركة، وهل تكون زيارة رئيس بلدية
صيدا للمخيم مناسبة لإعادة إثارة الحقوق المدنية لفلسطينيي لبنان، التي طال الحديث
والاجتماعات فيما يتعلق بها منذ عقود طويلة، خصوصا فيما يتعلق بحق العمل والسكن وحق
التملك وغيرها من حقوق، مما يخفف ويقلل من الاحتقانات التي تتوزع على كامل مخيمات الفلسطينيين
في لبنان؟.
*كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي