أوروبا تحتفل بانطلاقة حماس بطريقة
"قانونية"
مسلم عمران أبو عمر
لا شك أن قرار محكمة العدل الأوروبية
رفع اسم حركة حماس من قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية يمثل انتصارا
معنويا وسياسيا وقانونيا غير مسبوق للحركة، وقوى المقاومة الفلسطينية. فالقرار
الذي جاء في فترة تقلبات إقليمية -يضعها كثير من المتابعين في غير مصلحة
الحركة-يمثل انتصارا دوليا لحماس يعقب انتصارا ميدانيا محليا حققته حماس في معركة
العصف المأكول.
فاعتبار هيئة قضائية رفيعة المستوى
لقرار منظمة كبرى بحجم الاتحاد الأوروبي إدراج حماس على لائحة الإرهاب قرارا
خاطئا، يعطي الحركة دفعة معنوية قوية في ذكرى انطلاقتها السابعة والعشرين، تزيد من
نصاعة صورة مقاومتها الباسلة في الأرض المحتلة.
كما أن هذا القرار يمثل رافعة سياسية
لعلاقات الحركة الإقليمية والدولية، فمثل هذا القرار يسحب الذرائع من الدول
العربية والإسلامية غير المتعاونة مع الحركة، فها هي الهيئة القانونية لكتلة كبرى
من المعسكر الغربي -الموالي تقليديا للكيان الصهيوني-تراجع موقفها تجاه حركة حماس،
فكيف لدول عربية أو إسلامية أن تتعامل مع حماس من منطلق العداء والاتهام؟!
هذا الانتصار السياسي يستوجب على
الحركة البدء بحملة علاقات دولية تستثمر مثل هذا القرار بالإضافة للرصيد الشعبي
العالمي الذي اكتسبته الحركة عبر صمودها في حرب العصف المأكول.
وإضافة للبعدين السياسي والمعنوي فإن
هذا القرار يمثل انتصارا قانونيا مهما للحركة وللمقاومة الفلسطينية بشكل عام، فهو
يمثل سابقة قضائية يمكن لمحاكم دولية أخرى أن تعتمد عليها في الدفاع عن الحركة في
وجه الاتهامات الباطلة بالإرهاب. ولعل الخطوة التالية المطلوبة هي الشروع برفع
قضايا في المحاكم الأمريكية والكندية لإلغاء أي تشريعات سنتها تلك الدول لمحاصرة
الحركة والمقاومة الفلسطينية.
وإضافة لكل ما سبق فإن هذا القرار
القضائي سيرفع سقف العمل الشعبي والجماهيري المناصر للقضية الفلسطينية في جميع
أنحاء أوروبا، وهو بالضبط ما كان ينتظره الكثير من النشطاء الأوروبيون
والفلسطينيون.
ورغم النظرة العامة المتفائلة من مثل
هذا القرار فإنه من غير الممكن استبعاد بعض التحليلات التي قد تتبادر في مثل هذا
الشأن.
فالبعض يرى أن القرار يمثل خطوة
جديدة على طريق محاولة ترويض حماس وجعلها أكثر "اعتدالا"، لكن مثل هذا
الافتراض يجب أن يأخذ بالحسبان أن الحركة لم تتجاوب مع مثل هذا المنطق حتى وهي في
أكثر المراحل احتياجا لـ "الشرعية الدولية" بعد وصولها لقيادة الحكومة
والمجلس التشريعي الفلسطينيين، فلماذا تستجيب الآن وقد تركت الحكومة والتزاماتها
ولا فرص تلوح في الأفق لتفعيل المجلس التشريعي؟
أما الفرضية الثانية فهي التصدع في الكتلة الغربية
تجاه حماس والقضية الفلسطينية والموقف من "إسرائيل"، ولعل صدور هذا
القرار في الوقت الذي تتوالى فيها الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، رغم
استمرار تعنت الولايات المتحدة في هذا الشأن وإصرارها على استخدام الفيتو، يشير
إلى هذا التباين، وتحديدا بين الطرف الأمريكي والأوروبي.
لكن بالتأكيد مثل هذا التباين -الذي
قد يفيد القضية الفلسطينية -لا يمكن التعويل عليه كثيرا، لأن التوافق الغربي لا
يزال أكبر بكثير من مجرد الخلاف على ملف واحد، وخصوصا في ظل التوافق الغربي على
كثير من ملفات السياسة الخارجية.
ورغم أهمية النظر في تلك الأبعاد
السياسية إلا أنه من المهم أيضا النظر إلى التغير التدريجي في الحالة الشعبية
الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه المقاومة على وجه التحديد. فقد أظهر
الحراك الشعبي الواسع في أوروبا أثناء الحرب الأخيرة تنامي الوعي الأوروبي
بمظلومية الشعب الفلسطيني، ولعل الثورة المعلوماتية التي قدمها الإنترنت وانتهاء
احتكار الوكالات العالمية للمعلومات والأنباء بعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي
المفتوحة قد ساهما بشكل مباشر في نشر مثل هذا الوعي وتحويل الموقف الشعبي لحد ما.
فقيام 200 مظاهرة في كل أنحاء أوروبا في يوم واحد أثناء الحرب على غزة يشير بشكل
قاطع إلى تحول حقيقي في الموقف الأوروبي بدأ يأخذ مجراه.
ولكن لكي يتحقق مثل هذا التحول بصورة
تفيد القضية الفلسطينية فإن جهودا كثيرة يجب أن تبذل في هذا السبيل.
من المهم أيضا إدراك أن قرار محكمة
العدل الأوروبية، حتى وإن تم الالتفاف عليه قانونيا أو تم إبطال مفعوله عمليا،
يبقى مفيدا للحركة الوطنية الفلسطينية وتيارها المقاوم، فقد ألقى هذا القرار بحجر
كبير في ماء أوروبا الراكد، وسيحتاج الأمر للمزيد من القرارات "الأحجار"
لتحويل مجرى السياسة الخارجية الأوروبية لمصلحة القضية الفلسطينية.
وأخيرا فمن الضرورة على صانع القرار
الفلسطيني أن يظل منتبها إلى حقيقة أن مثل هذا القرار القانوني وغيره من القرارات
التي تصدرها المنظمات الدولية ليسو -على أهميتهم-الأداة الأهم في تغيير موازين
الصراع مع العدو الصهيوني. فما أخذ بالقوة لم وبن يسترد إلا بالقوة، ولا يفل
الحديد إلا الحديد.