أوسلو والاستيطان والتسوية المستحيلة
بقلم: نبيل السهلي
مرّ على اتفاقات أوسلو اثنان وعشرون عاماً (1993-2015)، من
دون نيل الشعب الفلسطيني أي حق من حقوقه الوطنية، بل على العكس، أكد متابعون للشأن
الإسرائيلي أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي لم يتوقف البتة منذ كرنفال الاتفاق في
البيت الأبيض في 13 -9-1993، حيث تمت سيطرة الجيش الإسرائيلي على عشرات الألوف من الدونمات
من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس حتى أيلول (سبتمبر) الجاري.
وثمة إجماع بين الأحزاب التي ساهمت في الحكومات الإسرائيلية
منذ توقيع اتفاقات أوسلو على ضرورة إنشاء المستوطنات وتسريع وتيرتها في عمق الأراضي
الفلسطينية، خصوصاً في قلب القدس، بغية فرض التصور الإسرائيلي للحل سواء عبر تبادل
الأراضي والسكان، بما لا يتجاوز اثنين في المئة من مساحة الضفة الغربية، وهي المساحة
التي أقيمت عليها المستوطنات الكبيرة، أو لجهة فرض إبقاء حدود الدولة الإسرائيلية على
ما هي عليه الآن.
وتؤكد دراسات أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية
المتواصل منذ عام 1967، أدى إلى بناء 151 مستوطنة إسرائيلية تضم أكثر من ثلاثمئة وخمسين
ألف مستوطن إسرائيلي، إضافة إلى 26 مستوطنة تلف القدس بطوقين من جميع الجهات، ويتركز
فيها نحو 180 ألف مستوطن إسرائيلي، وهناك مخططات لفرض وقائع استيطانية إسرائيلية في
الضفة وفي داخل الأحياء العربية القديمة من القدس.
وصادرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أكثر من 40 في المئة
من مساحة الضفة الغربية البالغة 5800 كيلومتر مربع لمصلحة إنشاء المستوطنات والطرق
الالتفافية التي تربط بينها، ناهيك عن سيطرة إسرائيلية على أكثر من 80 في المئة من
مساحة القدس. ويعتبر الباحثون في قضايا الاستيطان أن الجدار العازل هو من أكبر النشاطات
الاستيطانية التي شهدتها وتشهدها الأراضي الفلسطينية منذ توقيع اتفاقات أوسلو.
لكن في مواجهة القوانين الدولية التي تؤكد عدم شرعية النشاطات
الاستيطانية، اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ "أوسلو" سياسات محددة
للإطباق على الأرض الفلسطينية، وشرعنة بناء المستوطنات عليها، وذلك بغية رسم جغرافيا
سياسية قسرية، وبخاصة في القدس.
وتبعاً لذلك يمكن للفلسطينيين خوض معركة قانونية ضد نشاطات
إسرائيل الاستيطانية، وذلك بالاعتماد على قرارات المنظمات الدولية وفي مقدمها، قرار
مجلس حقوق الإنسان الذي أشار أكثر من مرة إلى أن استمرار الاستيطان الإسرائيلي الذي
يرسم جغرافيا إسرائيلية قسرية على أراضي الفلسطينيين، هو انتهاك للقانون الدولي بما
في ذلك توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي وهدم المنازل والممتلكات الفلسطينية، وطرد
الفلسطينيين وشق الطرق الالتفافية لتغيير الطابع العمراني والتكوين الديموغرافي للأراضي
المحتلة بما فيها القدس الشرقية، فضلاً عن كون الاستيطان يشكل انتهاكاً لاتفاقية جنيف
الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.
ويتطلب الأمر تبني خطاب سياسي فلسطيني جديد يسعى إلى تطبيق
القانون الدولي الداعي إلى تفكيك المستوطنات وترحيل المستوطنين. وفي هذا السياق أكدت
العشرات من القرارات الدولية أن المستوطنات تمثل عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام العادل
والشامل وإنشاء الدولة الفلسطينية بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي السيادة الفلسطينية الكاملة
على مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني والمعابر والعلاقات مع دول العالم.
قد تكون عملية الاعتراف بفلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة
- فضلاً عن انضمامها لعدد من المنظمات الدولية خلال العامين المنصرمين - عاملاً مساعداً
لرسم علاقات فلسطينية وعربية مع غالبية دول العالم للضغط على إسرائيل وانصياعها للقرارات
الدولية، حيث تندد غالبية دول العالم على الدوام بالقرارات الإسرائيلية المتتالية والمتسارعة
الرامية لإنشاء آلاف الوحدات الاستيطانية في عمق الضفة الغربية، وفي شكل خاص في مدينة
القدس.
ويلحظ متابعون أن حكومة نتانياهو الرابعة - وكعقاب للفلسطينيين-
بعد الانضمام للمحكمة الجنائية، زادت من نشاطاتها الاستيطانية لفرض أمر واقع تهويدي
يصعب الفكاك منه، ولم تخرج اعتداءات الجيش الإسرائيلي وقطعان المستوطنين المستمرة
- بعد تشكيل الحكومة المذكورة - على سكان المدن الفلسطينية عن السياق المذكور.
ويبقى القول إنه بعد اثنين وعشرين عاماً على اتفاقات أوسلو
البائسة (1993-2015)، بات من الضروري تدويل قضية الاستيطان -أي المستوطنات والمستوطنين-
لأنها تمثل معلماً أساسياً من معالم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والأجدى
هو رفع شعار تفكيك المستوطنات وترحيل المستوطنين عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس
تجميد الاستيطان، وذلك تطبيقاً للقرارات الدولية التي تؤكد عدم شرعية إقامة المستوطنات
وفرض الديموغرافيا الإسرائيلية قسراً على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه.
المصدر: الحياة