أوسلو
والسياسة والإعلام!!
عماد
الإفرنجي
عندما
قفز اتفاق أوسلو إلى المشهد السياسي فجأة، صورته لنا القيادة المتنفذة بمنظمة
التحرير على أنه بداية الطريق إلى الدولة الفلسطينية فإذ به الطريق إلى الهاوية
والصراع الداخلي.
الخاسر
المستمر من أوسلو هو الشعب، أما السلطة وجنرالاتها فقد استفادوا كثيرا من الامتيازات
والرتب و الرواتب والأموال، واتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الاتفاق يمثل مشروعا
أمنيا بتمويل أجنبي بامتياز ليتحول الشعب برمته إلى رهينة للمال السياسي لا يظهر
في الأفق القريب أنه قادر على الخلاص منه.
منذ
انخراطنا في أوسلو والمشروع الوطني في تراجع، وجرى توظيف الاعلام الفلسطيني المطبل
للقيادة المتنفذة ومعه الإعلام العربي المدجن لتسويق أوسلو للرأي العام الفلسطيني
والعربي على أنه ولادة الدولة الفلسطينية، وكأن الدولة تولد قبل تحرير الأرض!!.
قام
الإعلام بالمبالغة في ترويج محاسن الاتفاق وتوجيه الاتهامات المختلفة لمن
يعارضونه، وتلجأ عادة السلطة الحاكمة إلى تغيير المصطلحات لتزييف الوعي وبيع الوهم
على المواطن المثقل بالهموم ( السلطة الوطنية الفلسطينية – الرئيس – رئيس الحكومة
– الوزير )، ومعروف إعلاميا أن توظيف المصطلحات يتم صناعتها للتأثير على الصورة
الذهنية للعمل السياسي.
انساق
الإعلام الفلسطيني وبعضه لا زال غارقا في المشهد حتى الآن دون أن يصارح الناس
بالحقيقة، بل لا يستطيع أن يناقش قضية المفاوضات الجارية وما لها وما عليها سوى ما
يمليه عليه النظام السياسي ضمن مفهوم الدعاية السياسية.
ومع
كثرة الضخ الإعلامي للمواقف والمصطلحات والدعاية السياسية يصاب الإنسان ما يشبه
بعملية غسيل المخ والتأثير على اتجاهات الرأي العام، ويصبح الفلسطيني تائها حائرا
عن الحقيقة فمثلا هل ساحل فلسطين يمتد من رفح إلى بيت لاهيا كما يريد أوسلو أم هو
من رفح الى رأس الناقورة كما يعرفها تاريخيا؟ وهل التنسيق الأمني مع العدو المحتل
عمل وطني أم جريمة منكرة ؟ وهل و هل؟!!.
مهندسو
أوسلو هم أنفسهم الذين يتحكمون بمصير الشعب الفلسطيني الآن تحت عناوين مختلفة غير
مقنعة، ودخلوا نفقا جديدا للمفاوضات متنازلين عن شروط وضعوها لأنفسهم في توقيت
بالغ السوء، فالحراك الشعبي ضعيف والعمق العربي متصارع والمقاومة ملاحقة في الضفة
ومحاصرة في غزة، والكيان الاسرائيلي يستغل غطاء المفاوضات ويتغول في التوسع
الاستيطاني وتهويد القدس وتقسيم الأقصى ومصادرة الأرض وإذلال الأسرى وتجاوز قضية
اللاجئين ناهيك عن القتل والاعتقال، فماذا ننتظر غير أوسلو جديد؟!!.
من
حق شعبنا الذي غيبه فريق أوسلو عن الحقيقة أن يعرف ما الذي يجري في أروقة
المفاوضات، ومن قال لكم إنه يريد مفاوضات لم تأت له بخير، والاحتلال يرفض حتى وجود
الوسيط الامريكي المنحاز شاهدا على المفاوضات.
على
السياسيين أن يكونوا صريحين مع شعبهم، فما يضيركم اذا اعترفتم أن المفاوضات
–لاسيما في ظل اختلال موازين القوى- ستكون لصالح الاحتلال، وأن مشروعكم بالحصول
على الأرض و الدولة عبر التفاوض فشل، وأعلنتم استقالتكم وسلمتم الراية للأجيال
القادمة.
وإذا
يمكن للناس أن تتفهم الضغط الذي قد يتعرض له السياسي لخوض مفاوضات أو حتى القبول
بتسوية ما، فإنها لا تقبله من الإعلامي و المثقف الذي واجب عليه توضيح الموقف
بجلاء والتنبيه والتحذير وتسمية الأمور بمسمياتها لا أن يكون بوقا للسياسي على
حساب الوطن والحقوق والثوابت.
إننا
بحاجة الى لحظة حقيقية لنواجه أنفسنا حول مسيرة 20 عاما من أوسلو واعادة بناء
المجتمع وتنظيم قواه وثقافته واقتصاده وتوفر ارادة بالمقاومة بكل أشكالها لا كما
قال سلام فياض يوما ( إن أكثر ما أضر بالقضية الفلسطينية.. الكفاح المسلح )، وعذرا
للشهداء والجرحى والأسرى فقد صفق للقائل السياسي والإعلامي وغيرهم!!