رافت مرة / كاتب فلسطيني
ليس أسوأ من وعد بلفور ، إلا اتفاق أوسلو
الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني في حديقة البيت الأبيض، في
واشنطن ، في 13 أيلول/ سبتمبر 1993.
اتفاق أوسلو تسبب في احداث خسائر سياسية كبيرة
للقضية الفلسطينية، والحق بشعبنا وقضيته ومطالبه اضرارا استراتيجية كارثية ، واعفى
الاحتلال الإسرائيلي من الكثير من الازمات التي يعانيها بسبب عدالة الحق
الفلسطيني، هذا الحق الذي كان محل تأييد عالمي كبير ومستند إلى قوانين و قرارات
دولية عادلة.
في المسار السياسي:
من خلال مسار اتفاق أوسلو ، اعترفت منظمة
التحرير الفلسطينية بحق (إسرائيل) في الوجود الشرعي والقانوني والرسمي، واعترفت من
خلال الاتفاق ورسائل الضمانات المتبادلة بين عرفات ورابين ، بحق (إسرائيل) في
الوجود والبقاء ، وتعهدت بحماية امنها وملاحقة واعتقال وتسليم كل من يهدد
استقرارها.
وقدم اتفاق أوسلو حلا لأهم مشكلة استراتيجية
وجودية كان يواجهها الاحتلال خاصة بعد الانتفاضة الشعبية الرائعة عام 1987 وهي:
كيف يواجه المطالب الفلسطينية بالانسحاب الكامل إلى حدود 1967 ، سواء عبر الانسحاب
الكامل ، أو القبول بدولة ثنائية القومية ، وكلاهما خطر استراتيجي يهدد بقاء
الكيان. وجاء اتفاق أوسلو بمندرجاته كافة ليعتبر جسر خلاص للاحتلال من هذه المطالب
المشروعة.
واعترف اتفاق أوسلو بالحكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية ونسج
تعاونا هائلا معه في كل القضايا ، وربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي
واحكم سيطرة الاحتلال على الاستيراد والتصدير والجمارك والعمالة وتنقل المواطنين.
وقسم اتفاق أوسلو القضية الفلسطينية إلى أجزاء،
والمطالب الفلسطينية إلى شظايا ، وقسم المناطق الفلسطينية إلى مربعات فسيفسائية،
وقسم الشعب إلى داخل وخارج ، وتجاهل مصير الشعب الفلسطيني في الخارج نهائيا كما
تجاهل كل تبعات الارهاب الإسرائيلي على دول الجوار التي تحملت النضال الفلسطيني.
وسكت عن قضية التعامل مع الاحتلال التي تعتبر من أخطر المشاكل.
المسار التفاوضي:
وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على تقسيم
مطالب الشعب الفلسطيني إلى مرحلتين: قصيرة وتم فيها منح السلطة الفلسطينية بعض
المكاسب غير الاساسية للاحتلال ، وفي نفس الوقت لا تشكل خسارة له، مثل نقل إدارة
المناطق ذات الكثافة السكانية ، ونقل إدارة الخدمات والبلديات.
غير انه تم ترحيل كل القضايا الاساسية التي
تعتبر جوهر القضية الفلسطينية وأساس مطالبه وثوابته وقلب نضاله وهدف مقاومته إلى
المفاوضات النهائية وأهمها: التحرر من
الاحتلال وبناء الدولة ذات السيادة وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وإطلاق
الأسرى ومصير القدس.
ونفذ الاحتلال الإسرائيلي استراتيجيته
التفاوضية المعروفة في المماطلة واغتنام الفرص ، والاستناد إلى قوته الميدانية
وتماسك مواقفه الداخلية والدعم الدولي.
في المقابل امتهنت السلطة الفلسطينية سياسة
تفاوض فاشلة ومطالب هزيلة وإدارة سيئة،
وعينت مفاوضين غير اكفاء، جعلت شمعون
بيريز يقول: (كنا نفاوض أنفسنا)، وابتعدت عن جوهر حقوق الشعب الفلسطيني. فكانت
النتيجة تعطيل كل مسار المفاوضات بعيدة المدى ، لا بل ان الكيان الصهيوني استرجع
عام 2002 الكثير من ما قدم للسلطة ودمر بنية اقامة الدولة وسيطر على المقدرات.
مسار الوحدة الوطنية:
ابتعاد منظمة التحرير الفلسطينية وتاليا السلطة
الفلسطينية عن المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني واهدافه الوطنية الثابتة ،
والتعهدات السياسية والامنية الخطرة التي قدمت عبر اتفاق أوسلو، والالتزامات
الدولية ، ادخل الشعب الفلسطيني في ازمة داخلية على المستوى الوطني ، فتم تكريس
استبعاد قوى المقاومة ومؤسسات المجتمع عن المؤسسات الفلسطينية وعن المشاركة في القرار
، و ابطال نتائج الانتخابات البلدية والتشريعية ، وفي سابقة تاريخيةوضعت السلطة
الفلسطينية ثلاث شروط للاعتراف بالقوى الوطنية الفلسطينية الرافضة لاتفاق أوسلو وهي: القبول بالمفاوضات و الاعتراف بالاتفاقيات
الموقعة والتخلي عن العنف (المقاومة). اي ان السلطة أدخلت ارتباطها باتفاق أوسلو
الذي هو ليس محل توافق وطني إلى صلب المجتمع الفلسطيني وصلب العمل الوطني وصلب
التمثيل والشراكة.وهو ما لم يفعله الاحتلال حيث وصلت للحكومة والكنيست قوى حزبية
كثيرة رافضة لاوسلو.
مسار الاستيطان:
سكت اتفاق أوسلو عن الواقع الاستيطاني وسمح
بتأجيل التفاوض عليه للمرحلة النهائية واستوعبت السلطة الفلسطينية هذا التغول
الاستيطاني في مناطق 67.
من لحظة اتفاق أوسلو، وبعد ثلاثين عاما ، استغلت حكومات الاحتلال
المتعاقبة الواقع وكرست الاستيطان وثبتت المستوطنات ورفعت عددها إلى قرابة 200
تجمعا استيطانيا ، وارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 110 آلاف إلى 485
ألفا، وزادت عطاءات البناء ومصادرة
الاراضي وارتفعت عمليات هدم منازل الفلسطينيين ، وزاد ارهاب المستوطنين بتشجيع
ورعاية جيش الاحتلال و أجهزته الأمنية ودعم قضائي.
وكانت السياسة الاستيطانية محل إجماع إسرائيلي
وغض نظر أمريكي.
كل ذلك ولم يستطع اتفاق أوسلو ان يمنع بناء
وحدة استيطانية واحدة.
وساهم التوسع الاستيطاني المدروس والمخطط امنيا
وسياسيا واقتصاديا ، في تجزئة المناطق الفلسطينية ومنع التواصل، وافشل هدف إقامة
دولة فلسطينية متصلة ذات سيادة ، ومنح الاحتلال المزيد من السيطرة السياسة
والعسكرية والاقتصادية والهيمنة على المقدرات الطبيعية ،والتحكم في الضفة الغربية
والقدس.
مسار خسائر دولية:
حظيت القضية الفلسطينية تاريخيا بدعم كبير على
مستوى العالم، واعترفت الكثير من دول العالم بشرعية وعدالة وتمثيل الشعب الفلسطيني
وحقه في التحرر وبناء دولته.
ووقفت الكثير من دول العالم إلى جانب القضية
الفلسطينية ولم تعترف بالاحتلال رغم كل الجهود والضغوط ، إلى أن جاء اتفاق أوسلو.
فبعد اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية ب (دولة
إسرائيل) سقط الجدار الذي كانت تتحصن خلفه هذا الدول وفقدت مبررها السياسي وضعفت
حجتها..فذهبت للاعتراف بالاحتلال ورفعت مستوى تعاونها.. طبعا من بين هؤلاء دول
عربية واسلامية ومن (عدم الانحياز) الذين ارتبطوا بعلاقات خاصة مع القضية
الفلسطينية.
بعد اتفاق أوسلو ارتفع عدد الدول التي تعترف
بالاحتلال من 110 إلى 166 ، وارتفع نسبة الدول التي تعترف بالكيان الصهيوني في
الأمم المتحدة من 60 % إلى 88 %.
وبعد اتفاق أوسلو سقط ايضا جدار التطبيع مع
الاحتلال فاستغل الاحتلال هذا الاتفاق وهذا الاعتراف الفلسطيني ليقدم نفسه للعالم
كصاحب وجه جميل ودولة ديمقراطية وتقدم صناعي وزراعي ، فوقع اتفاقيات تطبيع سياسي
وثقافي وفني ورفع مستوى قبوله عند الحكومات والجهات الرسمية ، كالاردن والبحرين
والإمارات والسودان وليبيا والمغرب، واستغل هذا التطبيع ليمارس المزيد من القتل
والارهاب على الشعب الفلسطيني، ومزيد من
الاعتداء على القدس والمسجد الأقصى وتغيير الطابع العربي الإسلامي في القدس.
مسار هائل من الخسائر:
الحق اتفاق أوسلو خسائر كبيرة بالشعب الفلسطيني
وقضاياه العادلة.
فهذا الاتفاق وضع اهم قضايا الشعب الفلسطيني
على جدول المفاوضات مثل: القدس والاسرى وعودة اللاجئين والسيادة والانسحاب ،واعتبر
المقاومة عملا ارهابيا وجرم كل اعمال المقاومة واقام نظاما للتنسيق الامني مع
الاحتلال، فسلم المقاومين واعتقلهم وقتل العشرات منهم ، وزود الاحتلال بمعلومات
مهمة جدا عن المقاومة ورصد تحركاتها، ومنع إقامة اي حراك سياسي او شعبي مناهض
للاحتلال ، واوقف الدعم المالي للاسرى وتجاهل قضيتهم ، ومارس الارهاب بحق
المعارضين السياسيين قتلا واعتقالا..وحاصر قطاع غزة وتجاهل مطالبه وتخلى عن دعم
مؤسساته ،ورفض اي دعم دولي لأهالي القطاع المحاصرين انتقاما منهم ، وصادر الحريات
ومنع الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتدخل في الانتخابات الجامعية ،وكمم الافواه
، واعتقل الصحافيين وتدخل في القضاء وأنشأ مؤسسات قانونية بعيدا عن الدستور وشكلها
بالتعيين.
ان اتفاق أوسلو هو اتفاق كارثي الحق خسائر
سياسية واستراتيجية كبيرة جدا بالقضية الفلسطينية، ودمر العملية الوطنية الداخلية وأحدث انقساما
سياسا داخليا هائلا ، وادى إلى مزيد من الاحتكار والهيمنة على القرار الفلسطيني،
ومنح الاحتلال مكاسب كبيرة وشكل له مخارج طوارئ،
واعفاه من الكثير من مسؤولياته.
وان حديث أركان السلطة عن مكاسب أوسلو مثل:
بناء السلطة وإدخال مئة الف فلسطيني وو..ما هي إلا شعارات كاذبة مخادعة.
اتفاق أوسلو نجح فقط في بناء سلطة فلسطينية
ابعدت الشعب الفلسطيني عن أهدافه وتحقيق مطالبه، ونسقت أمنيا مع الاحتلال ، واوجدت
طبقة فاسدة منتفعة عميلة للاحتلال، سلبت الموارد وعطلت التنمية ، واختلفت على
توزيع المكاسب وارهقت الشعب الفلسطيني بسياستها وانتجت نظاما عائليا للمحاصصة..
ما فعلته هذه السلطة انها ربطت نفسها بالاحتلال
، وارتهنت له سياسيا وامنيا ، وباتت معه في علاقة تنفيذ خدمات ،وربطت مصيرها
بمصيره واستقوت به على الشعب.
رغم ثلاثين عاما من كارثة أوسلو، فإن هذا
الاتفاق وكل مراحله فشلت في إنهاء القضية الفلسطينية او وقف المقاومة او منع
الانتفاضة..فالشعب الفلسطيني من خلال حكمته ووعيه وجهاده ومقاومته الحكيمة
،وتضحياته ، لا زال يرفض الاحتلال ويتمسك بالتحرير الكامل والعودة الشاملة..ولا
تزال أجيال المقاومة التي ولدت بعد أوسلو تدمر بنيان الاحتلال ، بينما الاحتلال
يعاني ازمات وجودية ، والسلطة الفلسطينية التي تنتقم من الشعب تعاني ازمات اكبر.
سوف يأتي الوقت الذي سيدفن فيه الشعب الفلسطيني
اتفاق أوسلو ورجالاته وسلطته..