أيلول الفلسطيني... أسود وأبيض
خالد الغربي
يؤرّخ شهر أيلول لأحداث تاريخية تركت بصماتها على مشهد فلسطيني مفتوح منذ عام 1948 على عذابات ومصائب لا تعدّ ولا تحصى. شهر يصفه أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان بأنه شهر جلجلتهم. مضى ما يزيد على 40 عاماً على تلك المجازر. ذاكرة أبناء المخيم غير مثقوبة، وهم يتحدثون وكأن الأمر قد جرى قبل أيام فقط. يستعيد أبو وليد الفاتح مشهد قصف الدبابات الأردنية لمخيم البقعة وكيف قضى رفاقه الخمسة بينما نجا هو بأعجوبة، قائلاً: «إن أنسَ فلن أنسى أيلول الأسود وثانية الجرائم العربية بحق فلسطين بعد جريمتهم الأولى والتخلي عنها عام 48». يعدّد أبناء المخيم أسماء لشبان فلسطينيين فقدوا في أيلول الأسود، بينهم شاب من أبناء عين الحلوة اسمه معين حوراني ووالده جبر حوراني «أبو إبراهيم» مات منذ سنوات وهو يحلم بأن ابنه «سيرجع يوماً»، أو سيلتقيه في فلسطين. أيلول 82 أضاف مأساة فلسطينية «كبرى»؛ فهو الشهر الذي وقعت فيه مجزرة «صبرا وشاتيلا»، التي تختصر «الإجرام الصهيوني». وتصفها هدى اليوسف، التي استشهد ثلاثة من أبناء خالتها في تلك المجزرة، بأنها «الأفظع في مسلسل المذابح الصهيونية التي لا تنتهي بحقنا نحن الفلسطينيين، وإن كانت كلّ أيام السنة وأشهرها مأساة ومذابح». أيلول عام 1993 موعد آخر مع الهزيمة، وهو تاريخ توقيع اتفاق أوسلو بين (إسرائيل) ومنظمة التحرير الفلسطينية، وصفه فلسطينيون بأنه «محاولة أخرى لتصفية القضية الفلسطينة». مشهد المصافحة بين إسحاق رابين وياسر عرفات أرّقهم، ليكتشفوا بعد مرور 18 عاماً على الاتفاق أنه كان «كارثة وطنية أو خطيئة كبرى». أصحاب هذا الرأي ينطلقون في قولهم «من أن تجربة المفاوضات والسلام مع العدو أثبتت فشلها».
ليس كلّ «أيلول أسود» ولا جلّه مأساة. هناك إشراقات حملها أيلول عام 2000؛ إذ اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو «انتفاضة الأقصى» التي أكّدت «تضحيات شعب الجبارين وإصرار الفلسطينيين على المقاومة وتحرير أرضهم من عدوّ غاصب»، يقول ذلك بائع عرانيس الذرة على كورنيش صيدا، الفلسطيني محمود عوض، مردفاً بقوله: «إنها انتفاضة عظيمة ورائعة، وإدانة أبو مازن لعسكرتها لا يقلل من حدثها العظيم».
وجه آخر مشرق هو 15 أيلول 1987، تاريخ إعلان المجلس الوطني الفلسطيني في دورته المنعقدة في الجزائر قيام دولة فلسطين. إعلان مضى عليه قرابة ربع قرن، والدولة الفلسطينية لم تقم بعد. رهان فلسطيني على أيلول هذا العام من أجل قيام دولة فلسطينية مستقلّة حيث سيتوجه رئيس السلطة الفلسطينة محمود عباس إلى الأمم المتحدة طلباً للاعتراف بهذه الدولة، وإن كان شكلها ومضمونها لا يلبيان طموحات فلسطينية ولا أحلام اللاجئين داخل المخيمات المتوجسين دائماً من قرار يشطب حق عودتهم.
عجوز فلسطيني، هو أبو محمود الخطيب أدرج على قائمة ذاكرة المأساة الفلسطينية في أيلول وفاة الزعيم العربي جمال عبد الناصر في 28 أيلول عام 1970.
والجدران تحكي أيضاً
لا يكتفي أبناء مخيّم عين الحلوة بسرد ذكرياتهم مع شهر أيلول؛ فهم دوّنوا على مرّ العقود حكايتهم معه، حتى باتت جدران المخيم أشبه بـ«روزنامة» تعرض تاريخ القضية الفلسطينية منذ النكبة، ولأيلول حصّته منها. على أحد الجدران يذكر شعار بالكاد يُقرأ أن «المؤامرة مستمرة منذ أيلول 1970». وتشير عبارات أخرى إلى «لائحة» محاولات تصفية القضية الفلسطينية، تبدأ «بأيلول عام 70 ومحاولة النظام الهاشمي في الأردن القضاء على الثورة الفلسطينية، ومجازر ارتُكبت بحقّ مخيّمات اللاجئين هنا».
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية