القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

أيمن شراونة.. سامر عيساوي!

أيمن شراونة.. سامر عيساوي!

بقلم: لمى خاطر

ماذا تراه يعني أن ينفق أسير شهوراً متواصلة من عمره بلا زاد؟! وكم يبدو الأمر قابلاً للتخيل عند تصوّر غياب تلك الحاجة الملحّة المسمّاة طعاماً والتي تغيب عند زوالها العقول وتتعطّل الطاقات، وتفرغ الأوصال من قدرتها على المقاومة والاحتمال؟!

نحو مئتي يوم دون طعام تعني أن في الضعف سرّ قوة أيضاً لا يتاح اكتشافه إلا لذي حظّ من اليقين عظيم، وأن فنون الصمود لم تتوقف عن بذل جمالياتها في أجلّ مراحلها ثوريةً وكبرياءً وانحيازاً لأصولها الأولى!

ظلّ أيمن شراونة، كما سامر عيساوي في أيام إضرابهم الطويلة عن الطعام يطلّون علينا من خلف زجاج الدهشة التي عقدت ألسنتنا في بداية التجربة، أي تجربة الإضرابات طويلة الأمد، ثم استحال سلوكاً عادياً لمن اعتاد عدّ أيام جوعهم وتزيين صفحاته الخاصة والعامة على مواقع التواصل الاجتماعي بصورهم، وطبع أمنياته عليها!

وإذ اكتشف الأسير المحكوم بالنسيان مكمن قوّته وهو داخل زنزاته، فقد تقاطر لقافلة الصاعدين أدراج الصبح رجال آخرون، تعرف حجم إرادتهم بسيماهم، وتبصر يوم انتصارهم وإعلانهم هزيمة السجان بضربة الإرادة القاضية، فكان جعفر عز الدين ويوسف شعبان وطارق قعدان يرفعون من جوف العزل شارة للحياة، ويستقدمون الشمس إلى فناء عتمة زنازينهم.

أربك الانبهار سياسات المحتل ولاءاته الصارمة وهو يرقب لحظة انهيار رموز معركة الجوع للحرية، غير أنه ما انكسر واحد من سهامها ولا ارتدّ عن قبلته التي ظلّ يراها وإن كَلّ منه البصر. فكان أن رفع السجان سقف لامبالاته، وصار ينتظر أن يتجاوز الإضراب أشهراً لا عشرات الأيام قبل أن يفكّر في مفاوضة أسيره!

لم يكن في أيّ يوم وارداً في عرف المحتلّين أن يهزمهم أسير بجوعه، أو أن ينقضّ بإصراره على جبروتهم فيسحقه ويهشّم رأسه، لكن الكيان المسمّى (إسرائيل) يعيش اليوم هزيمة في عقر طغيانه، ومن تحت وطأة السلاسل التي بات الأسير يقبض على مفاتيحها، ويديرها في أقفالها ناحتاً من شبابه وصحّته ونضارة الأمل في عينيه، ومزروعاً بيقين لا يكذب يقول إن باب الحرية طريقه مرصوف بالشوك، ولن يقوى على اقتلاعه غير (وهم متبدد) جديد، وتصعيد في غضب الأمعاء وعصيانها!

أيمن شروانة.. سامر عيساوي.. ومعكما كل المتدثّرين بدفء صمودهم.. ستشرق يوماً شمس فلسطينية لتعلن أنها تهبكم وحدكم نفسها في ذلك اليوم، وسيغمركم ضياؤها حتى يفتت كل أثر للعتمة وجفاف العروق وتعب الأوصال، ولن تظمؤوا بعدها للنور أبدا، لأن الشغف بالانتصار الكبير سيجبّ ما قبله من إنهاك ومشاعر احتضار وانتظار!