القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

أين لبنان من رَفض التوطين بدعم حقّ العودة؟

 بين دولة فلسطين الآتية مع الربيع العربيّ:
أين لبنان من رَفض التوطين بدعم حقّ العودة؟

السبت، 10 أيلول 2011

كلّ شعب يؤمن بالعدالة لا يقبل بسهولة أن تُقرّ له تسوية ما، وبعد أن يكون قد اغتُصبت أرضه، وانتُهكت كرامة أبنائه، واغتيلت هويّته، لا يقبل أن تُقَرّ له تسوية ما، بدولة يستعيد 22 في المئة فقط من جغرافيّتها، مع تقطيع لأوصال هذه الجغرافيا، ومُصادرة لإمكانات عَيش أهلها، وحِصار لمداخلها، ناهيك باستباق التفوّق الديموغرافيّ لعديدها بالهجوم الوقائي عبر إصرار على "يهوديّة إسرائيل"، بمعنى الإبقاء على شبح الترانسفير ماثلا لدى الفلسطينيين الذين أُرغموا على حمل هويّة إسرائيلية.اللّاقبول حقّ ونضال مستمرّ، أمّا التسوية فهي مظهر آخر من مظاهر النضال، إذ ان فيها تكتيك قضم الحقوق المُنتَهَكة، ونزع القناع عن مشروعيّة مُفتَعَلة صنعتها إسرائيل لنفسها باستراتيجيّة ثقافية، وإعلامية، واقتصادية، وديبلوماسية، وقانونية متكاملة، قبضَت من خلالها على العقل الغربيّ. وتكتيك القضم الاستعاديّ للحقوق المُنتَهَكة، ترسيخ لروحيّة المقاومة غير اليائسة، ونَقل للتواجه الفلسطيني- الإسرائيلي من صراع الحدود إلى تحدّي الوجود. فإذا ما اكتسبت دولة إسرائيل شرعيّة وجودها بقرار من الأمم المتحدة، فإنّ دولة فلسطين لا بُدّ لها من أن تؤكّد على شرعية وجودها بقرار من الأمم المتحدة. وهنا يُستَهَلّ تغيير المعادلات.وفي كلّ الأحوال، ثمّة تداعيات بعد إعلان دولة فلسطين على وضعيّة اللاجئين القانونية. فأين لبنان المشلول ديبلوماسيا وسياسيا وحكومته المُرتبكة من كلّ ذلك؟
 

ليست اللحظة العربية الحالية بعاديّة، واستثنائيّتها قائمة في بُعدين أساسيّين. الأوّل يتمثّل بحراكٍ شَعبيّ، أعاد الإمساك بزمام المبادرة بعد أكثر من أربعين عاما من قَمع مارسته عليه أنظمة استبداديّة، استمدّت شرعيّتها من خطاب تَعبويّ لمُناصرة القضية الفلسطينية نفسها، إنّما مع ممارسة عكسية لهذا الخطاب، بمعنى تمتين مشروعية بَقائها من دون التفات إلى هذه القضية. الشعوب العربية انتفضت، الأنظمة التوتاليتارية المُباشرة أو المُقَنّعَة تتهاوى. إنّه زمنُ تحرير القضية الفلسطينية من مُصادريها. الفلسطينيون وَعوا مفصليّة هذا الزمن، وأجروا مُصالحة تاريخية. وها هم، من شرعية قضيّتهم، وسَنَد الأحرار في العالم، سيضعون الشرعية العربية مُمّثَّلة بجامعة الدول العربية والشرعية الدولية مُمَثَّلة بالأمم المتحدة، كُلّ أمام مسؤوليّاته. الربيع العربي نَحتاج فيه معا استثمارا استراتيجيا لاستعادة روحيّة العدالة والحقّ في أيّ تسوية مُرتجاة لقضية الصراع العربي- الإسرائيلي.

بطبيعة الحال، وفي ظلّ ما يجري، إسرائيل خائفة. نعم خائفة. وخوفها، إلى جانب تَهاوي الأحلاف الموضوعية التي كانت تتقاطع معها مصالح إستراتيجية مُموّهة بشعارات تصادمية كيانية، خوفها مُتأتّ من أنّ وعيا يهوديا مُستجدّا يساريا، بات يطرح على بساط البحث إشكاليّة اللّاشرعية العُدوانيّة التي قامت على أساسها إسرائيل.

تفتت أيديولوجيّ صهيوني

وفي هذا بيتُ القصيد، إذ إنّ التفَتت الإيديولوجي الصهيوني، وإذا ما تمّ الرهان على صيرورة تاريخية فيه، يَقتات من حَتميّة، ولو بطيئة. المهمّ في الرهان على الصيرورة التاريخية فعلٌ تراكميّ في أنّ الحق باستعادة فلسطين دولة قائمة بحدود ومؤسسات، والقدس عاصمة، لا يستقيم بالقبضات المرفوعة والحناجر المُدوّية. ولا بالهرولة إلى تسوياتٍ مُجتزأة ومنقوصة، بل باستراتيجية تفاوضية متماسكة، تستند إلى استباق السيناريوات التَمييعية بِدايةً، وتمتلك قدرة على ممارسة الديبلوماسية الهجومية في عواصم القرار من ثمّ، مرفودة باستنطاق للنُخَب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية في مجتمعات عواصم هذا القرار بعد ذلك، خلوصا إلى استنهاضٍ أخلاقيّ للرأي العام، يُتَرجَمُ بآليّات ضغط شَعبيّ، كلّ ذلك بالاستناد إلى الاستدارة الاستثنائية التي يبدو أنّ الولايات المُتحدة الاميركية، وعددا لا يُستهانُ به من العواصم الأوروبية، قد تبَنّت فيها خيار اللاإنحياز الأعمى إلى إسرائيل، ما يؤشّر إلى استفاقةٍ من وَحل الابتزاز الأوشفيتزيّ الذي مارسه الصهاينة على مدى أكثر من 63 عاما.

كلّ ذلك بات يستدعي حركة فلسطينية-عربية ناشطة، من المُفترض أن يتولّى لبنان قيادتها، وتحديدا من موقعه رئيسا في مجلس الأمن مدى شهر أيلول 2011، وعضويّته غير الدائمة في المجلس حتى العام 2012.

ما يلفت النظر، ويستدعي التفكير، من ثمّ الانخراط في وضع ديناميّات تحرّك ديبلوماسي غير تقليدي. يَكمن في تنامي الموقف اليهودي الأورو- أميركي الذي يدعو القيادة الإسرائيلية إلى وَقف التوجّه نحو الانتحار الكيانيّ. حتما، لا يستند هذا الموقف إلى الاعتراف الإستراتيجيّ بحقّ الشعب الفلسطيني بدولته، وعودة لاجئيه، وفق قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام، بقدر استناده إلى إيقاظ القيادة الإسرائيلية من عنجهيّتها التوسعية والعدوانية، بما يعني إخراجها من تقليدية المواجهة، إذ يحمل مُطلقو هذا الموقف، ووفق مطالعاتٍ في كتاباتهم التي باتت تزخر بها الصحف الأميركية والأوروبية، هاجس مَحذورَي الجغرافيا والدّيموغرافيا اللذين يُساهمان على المدى المتوسط في إرباك إسرائيل كيانيّا، وعلى المدى البعيد في خلع الشرعية المُفتَعَلة عن وجودها.

براغماتية في مواجهة ايران

أمّا المناورة البراغماتيّة في المدى القصير، والتي ترتكز إليها القيادة الإسرائيلية في تكثيف التخويف بالمارد الإيرانيّ، فيظهر إمكان تفكيك مساحات نجاحها مع كثير من الحكمة الإسلامية الموَحِّدة من ناحية، ووعي إيرانيّ داخليّ قد يمثّله المُعتدلون، إن هم استشعروا بجديّة خطورة بعض التوجيهات العبثيّة للقيادة الإيرانية الحالية، وأولويّة تطويقها مدنيّا وسلميّا من ناحية أخرى.

وأمّا الموقف الأورو- أميركي اليهودي فتُظهره منظمة "جي- ستريت" التي بدأ نجمها يتصاعد بُعَيد انتخاب الرئيس "باراك أوباما" في مواجهة مجموعة "إيباك" المتصلّبة، ويتبدّى أنّ "جي- ستريت" جادّة في مراكمة خيارات السلام الأميركية باقتناعات يهودية. أضيف إلى "جي- ستريت" منظمة "جي- كول" في أوروبا. والتي كان في صُلب قيامها آلاف اليهود من اليسار الأوروبي المُقتنعون، وفق ما أوردوه في "نداء إلى التعقّل" أطلقوه من بروكسيل (3 ايّار 2010)، بأنّ "الانحياز الدائم إلى سياسة الحكومة الإسرائيلية خطر لأنّه يتعارض مع المصالح الحيوية لدولة إسرائيل"، وبأنّ "استمرار الاستيطان في الأراضي المُحتلّة خطأ سياسي وأخلاقي"، وأنه آن أوان لقيام حَلّ "شَعبين ودولتين".

"جي- ستريت" و "جي- كول" سانحة تاريخية إذا أحسن الاستثمار في المواقف التي أعلنها قياديّو كلٍّ منهما. فقيام إسرائيل عدوانيّا في التاريخ والجغرافيا والقانون الدوليّ، شَرّعه لوبيينغ نُخبوي ثقافي- مالي- إيديولوجي- يهودي- غربي. والوعي لبَدء زوال هذه الشرعية باستمرار السياسات العدوانية، يستهلّه لوبيينغ نخبوي ثقافي- مالي- إيديولوجي- يهودي- غربي بات أقرب الى القَول بلا شرعيّة سياسات حكومة إسرائيل الحالية. بين الربيع العربي والوعي اليهودي المُستجدّ، ثمّة ما يؤهّل الفلسطينيين للانتقال من الارتباك إلى الفِعل، ومن ردّة الفعل إلى المبادرة.

دولة فلسطين قائمة بقوّة القانون الدوليّ في القرار 181، وحقّ العودة للاجئين الفلسطينيين والتعويض عليهم قائم بقوّة القانون الدوليّ في القرار 194، والقرار 194 مرتبط بالقرار (3236) القاضي بحقّ الشعوب في تقرير مصيرها داعما تأسيسيّا. وقد أورد القانونيّ الدوليّ أنطونيو كازيزي أنّ في هذا الارتباط جوهر الكباش مع نظرية "خيارية العودة". إذ إنّ هذا القرار، ودائما وفق كازيزي، نقل العودة من حَيّز الفرديّة إلى حَيّز الجماعيّة، ولاقاه في ذلك القانونيّ الدوليّ ليكس تاكنبرغ الذي أكّد الحقّ بالعودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية ذات السيادة، مشدّدا في مؤلّفه حول "وَضع اللاجئين الفلسطينيين في القانون الدوليّ" على أنّ "حقّ العودة مُشتقّ من لا شرعيّة الطرد نفسه، فمن المعترف به أن لا دولة قادرة شرعا على طرد سكّان تحت سيطرتها. وعليه، فالذين طُردوا لهم الحقّ في أن يعودوا إلى وطنهم". الكباش القانونيّ مع إسرائيل في هذا السياق، إطاره توجّه اللاجئين الفلسطينيين إلى محكمة العدل الدوليّة، في سابقة رفع دعوى شخصية وجماعية عليها، لمَنعها إيّاهم من العودة، مع محامين من مختلف أنحاء العالم. إنّه وقت المبادرة.

المصدر: زياد الصائغ - الجمهورية