جمود رسمي مريب... ومواقف شعبية باهتة
أين مصر من العدوان على غزة؟
مصطفى صلاح
على غير عادتهم خلال الاعتداءات الإسرائيلية السابقة
على قطاع غزة، اكتفى المصريون، خلال الحرب الحالية، بالمشاهدة والشجب والتنديد،
فغاب الحراك الديبلوماسي والاستخباراتي الرسمي لوقف العدوان، وبدت التحركات
الشعبية المساندة للفلسطينيين خجولة، إذ لم يسجل حتى الآن سوى مسعى شعبي خجول
لتنظيم قافلة مساعدات انسانية، ووقفة تضامنية باهتة.
وبرغم ارتفاع حصيلة ضحايا «الجرف الصامد» إلى 85
شهيداً وأكثر من 550 جريحاً، الا ان الحكومة المصرية اكتفت بإصدار بيان باهت عن
وزارة الخارجية، واتخاذ قرار بفتح معبر رفح بعد ثلاثة أيام على بدء العدوان، فيما
لم تستقبل المستشفيات المصرية سوى 11 مصاباً!
البيان الديبلوماسي المصري، الذي نشر على الصفحة
الرسمية لوزارة الخارجية على موقع «فايسبوك» في بداية العدوان، اقتصر على عبارات
من قبيل أن القاهرة «تتابع بقلق واهتمام شديدين خطورة تطور الأوضاع في الأراضي
الفلسطينية في ضوء الاعتداءات الأخيرة التي تشنها القوات الإسرائيلية على مناطق
مختلفة من قطاع غزة»، وانها تشدد على ضرورة أن «تعمل "إسرائيل” على احتواء الموقف
من خلال وقف العمليات العسكرية كافة، وأن تتحلى بأقصى درجات ضبط النفس، وتتوقف عن
إجراءات العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني، لمنع الانزلاق إلى حلقة مفرغة من العنف
لن تزيد الأمور إلا اشتعالاً ولن تؤدي إلا إلى إزهاق مزيد من الأرواح».
اثر ذلك، تلقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
مكالمة هاتفية (مساء الثلاثاء الماضي) من الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحث خلالها
كيفية وقف التصعيد الاسرائيلي الخطير، وكيفية احتواء الموقف.
واكتفى السيسي بالتأكيد لنظيره الفلسطيني على «حرص
القاهرة على سلامة الشعب الفلسطيني»، وفقاً لما نقلته وكالة الانباء الفلسطينية
«وفا»، مضيفة ان السيسي دعا إلى «تجنيب قطاع غزة هذا الهجوم الخطير ووقف التصعيد
من اجل العمل على التوصل لوقف اطلاق النار في أسرع وقت ممكن»، مشيراً إلى ان «جهود
مصر لم تتوقف منذ بدء العدوان».
وبدا موقف الرئيس المصري الجديد اضعف بكثير ممن
سبقوه، بما في ذلك حسني مبارك، فالرئيس المعزول محمد مرسي واجه عملية «عمود
السحاب» في العام 2012 بإرسال رئيس وزرائه هشام قنديل إلى غزة على رأس وفد رفيع
المستوى ضم عدداً من الوزراء والمسؤولين الديبلوماسيين، ثم خرج بخطاب شعبي، اكد
فيه أن الثمن سيكون باهظاً حيال استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، وأن مصر
الثورة تستطيع اقتلاع جذور العدوان كما فعلت مع جذور الظلم، قبل ان ينخرط في
الوساطة التي افضت إلى وقف العدوان.
كذلك، فإنّ مبارك كان يتعامل مع الموقف بايجابية
أكثر، أقله من الناحية الشكلية، إذ كان يسمح بارسال قوافل الاغاثة، وادخال مئات
الفلسطينيين سواء كانوا مصابين ام لا إلى الاراضي المصرية، وتوفير احتياجاتهم
الطبية والانسانية.
في المقابل، فقد انتظرت السلطات المصرية في الحرب
الحالية ثلاثة أيام لتسمح بفتح معبر رفح. وقد بدأ تنفيذ القرار يوم امس، حيث وصلت
عشرات سيارات الاسعاف المصرية والتابعة للصليب الاحمر، لكنها لم تتمكن من الدخول
بشكل فوري إلى القطاع المحاصر، بسبب الهجمات الصاروخية التي طالت الجانب الفلسطيني
من الحدود، ناهيك عن الاجراءات الامنية المعقدة. وتم السماح بدخول 11 فلسطينياً
فقط إلى الأراضي المصرية، حيث نقلوا مباشرة إلى القاهرة لعلاجهم هناك بسبب ضعف
الامكانيات الطبية في مستشفيات شمال سيناء، قبل أن يعاد اقفال معبر رفح ليلاً.
وعلى المستوى الشعبي، لم تبرز سوى دعوة من ناشطين
يساريين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم قافلة مساعدات انسانية إلى غزة، فيما
نظمت وقفة تضامنية على سلالم نقابة الصحافة لمدة نصف ساعة، شارك فيها العشرات.
وفي السابق، كان رد الفعل الشعبي على الاعتداءات
الإسرائيلية في القاهرة يصل إلى محاصرة السفارة الاسرائيلية، والمطالبة بطرد
السفير، وتنظيم قوافل اغاثة الى رفح، وتنظيم التظاهرات الغاضبة في الميادين، وحرق
العلم الاسرائيلي داخل الجامعات.
ويرى الدكتور وحيد عبد المجيد استاذ العلوم السياسية
ان سياسات حركة حماس بعد عزل مرسي، واعلان الحكومة المصرية تورطها بشكل واضح في
الهجمات على المنشآت العسكرية والشرطية وراء ضعف التضامن الشعبي والرسمي.
وحتى يوم امس،
لم يصدر اي موقف لافت من القوى السياسية، باستثناء «حزب الكرامة» الناصري الذي
اعرب عن «إدانته الكاملة» للعدوان، مطالباً الحكومة المصرية بالتدخل الفوري حفاظاً
على دورها في الوطن العربي، و«التحالف الشعبي الاشتراكي»، الذي دعا الاحزاب
الاشتراكية في العالم إلى الضغط على حكومات بلادهم، خصوصاً في أوروبا والولايات
المتحدة، لوقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، مطالباً الحكومة المصرية
باتخاذ مواقف حاسمة ضد هذا العدوان واستخدام كل الوسائل المتاحة للضغط على إسرئيل.
المصدر: السفير