أين ندفن موتانا؟؟
بقلم: عثمان بدر
منذ ما يزيد عن خمس سنوات حلّت كارثة انسانية بكل المعاني بمخيم نهر البارد نجم عنها تهجير سكانه البالغ عددهم قرابة الاربعين الف نسمة وتوزّعوا انذاك على المدارس والمساجد ومقار المؤسسات الانسانية والتربوية والاجتماعية في ظروف مهينة واليمة ويندى لها جبين الانسانية, وبعد اخذً ورد وقبول وصد ومعاناة كبيرة عاد القسم الاكبر منهم الى مخيمهم ليعيشوا في "بركسات" تفتقر الى ادنى مقومات ومواصفات العيش الادمي والانساني اذ انه جرى تجريف كامل بيوت المخيم لاعادة اعماره من جديد, ويبدو ان لا نهاية في الافق لهذا الحرج المفتوح والنازف اذ ان المعاناة تزداد وتيرتها يوماً بعد الاخر, فالاعمار يسير على ظهر سلحفاة تعاني من "شلل الاطفال" اذ انه بعد اكثر من اربع سنوات على بدء الاعمار لم يتسلّم سوى 350 عائلة لبيوتهم من اصل اكثر من خمسة الاف عائلة في ظل عدم متابعة جديّة وفعلية من قبل الجهات المعنية, و"الاونروا" قلّصت تقديماتها للاهالي وهي بصدد اتخاذ مزيد من الاجراءات "التقليصية" وتمس هذه المرّة افقر شرائح المخيم عنيت شريحة "ذوي العسر الشديد" او ما يُطلق عليها عرفاً اسم "الشؤون" في ظل صمت غريب ومريب من قبل الفصائل الفلسطينية كافة واللجنة الشعبية وما يُطلق عليها اسم مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني وبقية الجهات المعنية الاخرى...
لا نأتي بجديد حين نقول انه مع بدء المعركة بين الجيش اللبناني وما يّطلق عليها اسم "فتح_الاسلام" تم اعلان مخيم نهر البارد منطقة عسكرية وعلى الرغم من انقضاء اكثر من اربع سنوات على توقف المعارك الاّ ان المخيم ما برح منطقة عسكرية بكل ما في الكلمة من معانٍ, فجواحز الجيش منتشرة على مداخلة الرئيسة والفرعية والدخول اليه والخروج منه خاضع لنظام "التصاريح" اذ ان ابناء المخيم انفسهم ممن يسكنون فيه لا يتمكنون من الدخول الى بيوتهم وممتلكاتهم الا اذا استحصلوا على تصريح للمرور صادر عن "فرع المخابرات" والامر ذاته ينطبق على زوّار المخيم لاي منطقة او جنسية انتموا الاّ الذين يحملون الجنسية اللبنانية فانه بامكانهم الدخول من خلال بطاقة الهوية بعد ان يتم التدقيق معهم عن وجهة سيرهم والعائلة المنوي زيارتها اضافة الى تسجيل اسمائهم او ابقاء بطاقاتهم على "الحاجز" الى حين عودتهم, وبعيداً عن الخوض في تفاصيل قانونية او عدم قانونية هذه الاجراءات وتماشيها او تعارضها مع حقوق الانسان فان تأيثراتها السلبية على المخيم وابنائه وعلى الجوار في الوقت نفسه كبيرة ومؤذية اذ ان حالة "الاغلاق" القائمة لا تساعد على استعادة المخيم لموقعه ودوره الاقتصادي الذي كان يلعبه قبل التدمير وهذا ما اسهم بحدود كبيرة الى وصول عدد كبير من عائلات المخيم الى الخطوط الحمراء والى حدود الفاقة ...
و اليوم فان ابناء "نهر البارد" يعيشون في خضم ازمة من نوع جديد وبحق تشغل بالهم وتؤرق منامهم وهي اين سيدفنون موتاهم بعد ان نفذت الامكنة والمطارح في مقبرة "خالد بن الوليد" لا سيما وان "المقابر القديمة" وعدا عن كونها ممتلئة اصلاً ولا امكنة فيها للدفن فان الجيش يمنع استحداث مقابر فيها او دفن الميت فوق احد اقربائه او احبابه, والواقع ان هناك ارض مخصصة منذ ما قبل المعركة لتكون مقبرة جديدة ولكنها الان تحت سيطرة الجيش وتُعد منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب منها او الحديث عنها , وفي حقيقة الامر ان هذه المشكلة ليست بسيطة كما قد يعتقد البعض فناهيك عن الجوانب الانسانية التي تتضمنها فان جانب ايجاد "مقبرة جديدة" هو الاصعب راهناً ما لم يطلق الجيش سراح الارض المقرّر ان تكون مقبرة , ولعل ابناء المخيم محقون في تخوفهم وهواجسهم وفي التساؤل عن مصيرهم قبل الموت وبعده خاصة وان جزء كبير منهم قد دفن في مقابر "مخيم البداوي" في ظل ازدياد حالات الموت الفجائي بينهم وخاصة بين جيل الشباب فعلى سبيل المثال لا الحصر سُجل خلال الاسبوعين الماضيين وفاة اكثر من اربعين من ابناء المخيم من الذكور والاناث على حدٍ سواء جّلهم من الشاب في مقتبل العمر وتوفوا بغالبيتهم عن طريق "السكتة القلبية" او "الجلطة الدماغية" او سواها من مسببات الموت الفجائي... وفي واقع الامران حل هذه المشكلة يكمن في امرين اثنين لا ثالث لهما وهما ان يقوم الجيش بتسليم الارض لاستخدامها ك"مقبرة" وفي حال تعذّر ذلك ان تقوم "دار الافتاء الاسلامية" باصدار فتوى تجيز فيها لابناء" نهرالبارد" حرق موتاهم ورمي رفاتهم في النهر او البحر على الطريقة "الهندية" وبهذا يتم تجاوز المشكلة...؟؟ اليس من المعيب لا بل من المهين اننا في الالفية الثالثة وان يُفكّر الانسان بمصيره حيّاً وميتاً...؟ سؤال برسم الجهات المعنية...؟