إخفــاقــات المتحـدث العســكري الإســرائيلـي: تضـليـل للجمـهور فـي معركـة غـزة الإعـلاميـة
بقلم: حلمي موسى
حاولت إسرائيل، منذ اللحظة الأولى لحربها على غزة، الإيحاء بأن كل شيء مرتب، معد ومخطط له مسبقاً. فالجميع يعرف انه في حال الفشل ستتشكل لجان تحقيق ولا أحد يريد أن يكون كبش فداء، لذلك يعمل على محاولة تغطية ذاته. ومن الجائز أن آلة الدعاية الإسرائيلية كانت تجاري آلة القتل الدموي العسكرية في مواكبتها للحرب من منطلق أن النتيجة سوف تتقرر في النهاية بصورة أو انطباع في الذهن. وقد أوكلت جوانب مهمة من هذه المحاولة لما يعرف بمكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الذي لاحظ العرب، مثلاً، نشاط مسؤوله عن الجانب العربي، أفيحاي أدرعي.
وبالرغم من أن الانطباعات المتولدة قادت هنا وهناك إلى أفعال «مدوية» بينها مطالبة أعضاء في الكونغرس الأميركي بتقييد حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي والإخباري مثل «تويتر» و«فايسبوك» مثلاً، إلا ان الصورة العامة للإعلام الإسرائيلي كانت متخلفة، فقد عجزت وسائل الدعاية الإسرائيلية عن إقناع مترددين أو معارضين، وتجلى ذلك بأشكال مختلفة بينها مطالبة فائزين بجائزة «نوبل»، وشخصيات عالمية بفرض حظر عسكري على إسرائيل.
وقد عرضت «هآرتس» تقييماً لأداء المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد يؤاف مردخاي القادم إلى المنصب ليس من الإعلام وإنما من الاستخبارات. وقد اشتهر مردخاي في السابق بكونه قائد الوحدة «504»، وهي وحدة التجسس في الجيش الإسرائيلي، كما تولى قيادة الإدارة المدنية في الضفة الغربية. وذكرت الصحيفة أن الكثير من الصحافيين يثنون عليه، لكنهم «يزعمون انه لم يظهر قدرات استثنائية، ويشيرون إلى أخطاء اقترفها».
وبحسب الصحيفة، فإن الخط الإعلامي الذي اتخذه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في حرب غزة الثانية كان مختلطاً، وشمل إلى جانب القنوات التقليدية، أي الصحف اليومية والإذاعة والتلفزيون، نشاطاً هجومياً على الشبكات الاجتماعية. واعتبرت ان هذا الخط انطلق من محاولة واعية لتقليص الاعتماد على وسائل الإعلام القديمة والتوجه مباشرة إلى الجمهور. ولذلك تم إغراق «تويتر» و«فايسبوك» برسائل قديمة بعض الشيء موجهة في الغالب إلى الفلسطينيين، لا إلى الإسرائيليين، ولكنها خلت، وفقاً لـ«هآرتس»، من الألاعيب التي لجأ إليها أسلافه. وبرغم هذا المنحى، يصر المتحدث على أن وسائل الإعلام الجديدة هذه ليست بديلاً من وسائل الإعلام التقليدية، وإنما مجرد إضافة لها.
ومنع المتحدث، هذه المرة أيضاً، إجراء مقابلات مع الجنود والضباط في الميدان، واكتفى بملخصات يقدمها ضباط كبار للصحافيين طوال أيام الحرب. لكن المتحدث عمد إلى إيصال المعلومات بسرعة أكبر من دون أن يؤثر ذلك أساساً في استمرار احتكار الجيش للمعلومات وسبل إيصالها. ورمى من وراء هذه المقاربة إلى المحافظة على صدقية رسائله للجمهور، والتأكيد طوال الوقت على أن المقاومة الفلسطينية في غزة تلقت ضربة مريعة.
ويشرح مكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي المقاربة الجديدة التي اعتمدها، على اعتبار انها كانت خلافاً للنهج المنفتح في حرب لبنان الثانية والنهج المنغلق في حرب غزة الأولى. وتقول المذيعة التلفزيونية الشهيرة إيلانا ديان: «أخالف الصرعة التي ترسخت بعد حرب لبنان الثانية التي ترى أن هناك خيارين فقط: الإسكات التام للميدان، وظهور المتحدث مرة واحدة يومياً، أو الانفتاح التام بوضع كاميرا في كل غرفة قيادة في حرب لبنان الثانية». وأضافت: «أنا لا أتوقع من المتحدث باسم الجيش أن يقبل بوثيقة مجلس الصحافة، لكن الأمر لا يتعلق بمنفعة شخصية أو تنظيمية، وإنما بجزء من الواقع المركب للجيش وللمجتمع الإسرائيلي».
واقترف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الكثير من الأخطاء من بينها إثارته الذعر في أوساط الجمهور الإسرائيلي بإعلانه في الليلة الأولى عن إطلاق الصواريخ على تل أبيب: «إنني أفترض أن الليلة لن تمر أبداً بهدوء». وفهم الجمهور أن الليلة لن تكون هادئة في إسرائيل، فسارع إلى التوضيح: إنها لن تكون كذلك في غزة. كما وقع في خطأ قاتل حين أعلن في اليوم الخامس للحرب عند تدمير منزل آل الدلو، واستشهاد وإصابة كل أفراد العائلة وجيرانهم، وأن المستهدف كان قائد الوحدة الصاروخية في حركة حماس يحيى عبيا، وقد تم اغتياله. ولكن سرعان ما تبين أن أحداً بهذا الاسم لم يلق مصرعه في القصف، فاضطر لاحقاً للإعلان أن الغارة الدموية استهدفت شرطياً من أفراد العائلة. كما أخطأ المتحدث أيضاً بنشره تقارير، وأشرطة فيديو تشير إلى جاهزية الجيش لدخول القطاع براً، فيما كانت التذمرات كبيرة في صفوف الجنود جراء نقص المعدات والأسلحة.
ورأى معلق إسرائيلي أن الجديد في أداء المتحدث العسكري في حرب غزة الثانية كان «عدم مبادرته إلى الكذب المتعمد، وكفّ عن التعامل بألاعيب مع الصحافيين، كما أوقف حملات الترهيب ضد الضباط الذين يطلعون الصحافة على ما يجري». ويعتقد هذا المعلق أن الأداء الإعلامي للمتحدث شهد إخفاقات ومواضع فشل، لكنها كانت هذه المرة أقل بكثير من إخفاقات المتحدث السابق في حرب غزة الثانية.
المصدر: السفير