القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

إستهداف (إسرائيل) المتعمَّد لمقرات الأمم المتحدة.. تحدي للمجتمع الدولي

إستهداف (إسرائيل) المتعمَّد لمقرات الأمم المتحدة.. تحدي للمجتمع الدولي

*علي هويدي

"لقد تم إخطار الجيش الإسرائيلي بالموقع الدقيق لمدرسة إناث جباليا الإعدادية وبإحداثيتها، وتم إخطارهم كذلك بأن المدرسة المذكورة تأوي الآلاف من النازحين. ولضمان حصانة وحماية المدرسة، فقد تم إعلام الجيش الإسرائيلي بموقع المدرسة 17 مرة متتالية كانت آخرها الساعة التاسعة إلا عشر دقائق من مساء الأمس، ساعات قليلة قبل القصف المميت على المدرسة."

هذا ما جاء حرفياً في بيان وكالة "الأونروا" بتاريخ الأربعاء 30/7/2014، وعند تعرضها للقصف كانت مدرسة إناث جباليا تأوي حوالي 3300 مدني فلسطيني من النازحين من بيوتهم المدمرة، استهدف الجيش الإسرائيلي المدرسة بثلاث قذائف أدت الى استشهاد 20 مدني وإصابة العشرات بجراح. "وكانت هذه المرة السادسة التي تتعرض فيها واحدة من مدارسنا لضربة مباشرة" حسب ما ذكرت "الأونروا" في بيانها.

وفي يوم الخميس 24/7/2014، أصدر المفوض العام لوكالة "الأونروا" بيير كرينبول بياناً أعرب فيه عن سخطه لاستهداف مدرسة بيت حانون الإبتدائية التابعة للاونروا التي تحولت الى ملجأ مخصص لإيواء العائلات المهجرة، أدى القصف الى استشهاد 15 مدنيا منهم أربعة أطفال وسقوط العشرات من الجرحى، ويضيف كرينبول "وخلال النهار كانت الأونروا تبذل محاولاتها من أجل التفاوض مع القوات الإسرائيلية بشأن الإعلان عن توقف للقتال لفسحة من الوقت يقوموا خلالها بضمان تنفيذ ممر آمن من أجل إعادة نقل العاملين والنازحين الذين يختارون الإخلاء لمواقع أكثر أمنا، ولكن لم يتم منح الأونروا هذه الفسحة من الوقت، وبالإضافة لذلك فقد تم إرسال الإحداثيات المتعلقة بهذه المدرسة رسمياً إلى إسرائيل في 12 مناسبة مختلفة". وفي يوم الأحد 3/8/2014 تم استهداف مدرسة أخرى تابعة للوكالة في محافظة رفح أدى الى استشهاد عشرة أشخاص من المدنيين، الأمر الذي ربما لا يختلف عليه إثنان من أن استهداف مدارس "الأونروا" كان متعمداً، كما فقدت الوكالة تسعة من موظفيها إبان العدوان الأخير.

هذا يعيدنا في الذاكرة الى العدوان الصهيوني على قطاع غزة في نهاية العام 2008 وبداية 2009 في عملية "الرصاص المصبوب" كما أسماها الاحتلال، وارتكابهم لمجزرة مروعة في إحدى منشئات الأمم المتحدة، ففي يوم الثلاثاء 6/1/2009 استهدفت المدفعية الإسرائيلية مدرسة الفاخورة التابعة لوكالة "الأونروا" في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين بثلاث قذائف سقطت على المدرسة مما أدى الى استشهاد 42 شخصاً مدنياً من ضمنهم 14 طفل، وحينها قال جون كينغ مديرعمليات "الأونروا" في غزة بأن الوكالة "تزود الجيش الإسرائيلي بانتظام بالإحداثيات الجغرافية الدقيقة لمواقع منشآتها، وأن المدرسة المقصوفة تقع في منطقة آهلة بالسكان"، وأدانت الأمم المتحدة استهداف الكيان الصهيوني للمدرسة لكن عادت وتراجعت، ولم تكن مدرسة الفاخورة هي المدرسة الأولى التي تم استهدافها بالعدوان ففي ذات اليوم استهدفت آلة الحرب الإسرائيلية مدرستين كانت "الأونروا" قد فتحتهما لإيواء العائلات الفلسطينية التي هُجِّرت بعد أن دمر الإحتلال منازلها، بالاضافة الى استهدافها لمخازن التموين التابعة للوكالة، الأمر الذي يشير كذلك إلى أن الإستهداف كان متعمداً. وفي عملية "عامود السحاب" للعدوان الصهيوني على قطاع غزة في العام 2012 استهدفت المدفعية الاسرائيلية مدرسة البريج الابتدائية التابعة لوكالة "الأونروا" دون أن توقع إصابات في الارواح.

بالاضافة الى استهداف مدارس "الأونروا"، استهدفت آلة الحرب الإسرائيلية إبان عدوانها على غزة في عملية "الجرف الصامد" مراكز أخرى تابعة للامم المتحدة كمباني برنامج الامم المتحدة الانمائي (UNDP) في رفح أدى إلى سقوط أربعة شهداء.

استهداف "إسرائيل" لمؤسسات ومقرات وسيارات ومنشئات وشخصيات الأمم المتحدة، ليس بالجديد فالأمر يعود إلى أكثر من ستة عقود من الزمن، ففي 17/9/1948 اغتالت العصابات الصهيونية مبعوث الأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت الذي كان ينتمي الى العائلة المالكة في السويد؛ فقد اغتالته عصابة الشتيرن الصهيونية بزعامة اسحاق شامير في إحدى شوارع القدس، على خلفية مطالبته بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم التي طردتهم منها العصابات الصهيونية إبان النكبة وإعلان قيام دولة الكيان الغاصب. وفي عام 1996 وإبان العدوان الصهيوني على لبنان وخلال عملية "عناقيد الغضب" استهدفت مرابض المدفعية الاسرائيلية مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (UNIFIL) في بلدة قانا الجنوبية بعشرات القذائف موقعة 103 من الشهداء والعشرات من الجرحى من المدنيين الذين نزحوا الى المقر طلباً للإيواء والحماية، وعندما انتقد المفوض العام للأمم المتحدة حينها بطرس بطرس غالي "إسرائيل" واستهدافها للمقر وقتل المدنيين، دفع الثمن بأن تآمر عليه اللوبي الصهيوني وأسقطوه في إنتخابات الأمانة العامة لولاية ثانية، برغم أنه كان يحظى بتأييد عالمي واسع.

في كل إستهداف تعرب الأمم المتحدة عن شجبها واستنكارها لاستهداف الكيان الصهيوني لمنشئاتها وتدعو الى تحقيق داخلي، ويصل الأمر الى الطلب من "إسرائيل" دفع مبالغ مالية، كما حدث بعد استهداف مدرسة الفاخورة حيث دفع الإحتلال مبلغ 10 ملايين دولار كتعويض للوكالة، وهذا دليل على الإستهداف المتعمد. لكن ما هو السبب في تمادي الإحتلال واستهداف مقرات ترفع علم الأمم المتحدة كرمز لحماية منشآتها ومن يأوي اليها، ومصنفة في دائرة الحياد لا يحق لأي كان الإقتراب منها لما فيها من أرواح لمدنيين ومنشئات تقدم العون والمساعدة للنازحين؟ فاستهداف المدنيين في مقرات الامم المتحدة التي تعتبر آمنة يرتقي الى جريمة حرب وانتهاك للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني.

في صراعها مع القضية الفلسطينية، لا سيما في الجوانب الحقوقية والقانونية تعتمد "إسرائيل" على "جيش" من الخبراء والخبثاء اللذين يجيدون اللعب على الألفاظ والحروف واختراع الأسباب والتفسيرات المضللة والمزيفة، يساندها في هذا لوبي صهيوني ضاغط على صانع القرار في الأمم المتحدة يستطيع أن يتحكم بمفاصل المؤسسة الدولية، ولذا لا تقيم أي وزن أو اعتبار لأي من القرارات والمعاهدات الدولية، وتعتبر نفسها فوق القانون وهذا واضح وجلي باستمرار احتلال الأراضي الفلسطينية، وبناء جدار الفصل العنصري، ومحاولة تهويد القدس، ومصادرة الممتلكات وبناء المستوطنات وغيرها..

"إسرائيل" تعودت ألا تخشى المساءلة، فهناك مظلة حماية تستخدمها أمريكا عندما تقع حليفتها في مأزق، وهذا ودون أدنى شك يعتبر تحدياً صارخاً للمجتمع الدولي الذي صحا – ولو متاخراً – على مستوى المؤسسات المتخصصة والفاعلة، لما تمارسه "إسرائيل" من خزعبلات وترهات قانونية في الساحة الدولية، ليضغط هذا الحراك إيجابا على صانع القرار في جغرافيا العالم، كدول أمريكا اللاتينية والصين والنروج واسبانيا والسويد وبريطانيا وغيرها.. ليتخذ مواقف هامة تدين الإحتلال على انتهاكه للقانون الدولي وحقوق الإنسان الفلسطيني الواقع تحت الإحتلال.

حتى الان مواقف الأمم المتحدة متراخية ولا ترتقي الى المستوى المطلوب في مواجهتها للإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على منشئاتها، لا بل أن بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة تبنى رواية الإحتلال في قصف مدرسة "الأونروا" في مدينة رفح. لكن في المقابل أن يدعو المفوض العام للأونروا كرينبول لاعتصامات تضامنية أمام مراكز "الأونروا" في مناطق عملياتها الخمسة، وأن ينكَّس علم الأمم المتحدة "احتراماً لذكرى ضحايانا في غزة والذين قضوا في القصف الإسرائيلي" كما قال بان كي مون يوم الأربعاء 6/8/2014 واعتراف الأخير بأن "الإشتباه بعمليات عسكرية بالقرب من منشئات الأمم المتحدة لا يبرر إستهدافها وإستهداف المدنيين مطلقاً.."، تعتبر انعكاس وتأثير نوعي للحراك والتضامن الدولي الذي يسعى لعزل الكيان الصهيوني على المستوى القانوني وإزالة الشرعية.. وهذا لا يقل أهمية عن المعركة في الميدان..

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني