«إسرائيل» تحث الخطى نحو تصفية الأونروا
د.عدنان أبو عامر
انطلقت في "إسرائيل" حملة إعلامية
موجهة للمطالبة بتصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وتمثل ذلك
في تصريحات ومقالات ومناشدات لإغلاق ملف اللاجئين وحق العودة، تزامنا مع إجراءات الولايات
المتحدة القاضية بتقليص المساعدات المالية المقدمة لهذه المنظمة الدولية.
السطور التالية تناقش هذه الدعوات
"الإسرائيلية": لماذا الآن؟ ولماذا تشكل الأونروا صداعا مزمنا "لإسرائيل"؟
وكيف تسهم الإجراءات الأميركية في تحقيق التطلعات "الإسرائيلية"؟
المشكلة والحل
انشغلت "إسرائيل" - في الأيام
الأخيرة - بالحديث عن مستقبل الأونروا، والحث على إنهاء خدماتها وتصفية كينونتها القانونية
في ضوء الاتهامات التي وجهتها لها باعتبارها المشكلة وليست الحل، وإحدى العقبات الأساسية
أمام عدم حل الصراع بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، لأنها تسعى لتأبيده
بالمطالبة بتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
بلغة الأرقام، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين
المسجلين في الأونروا ستة ملايين، يقيم أكثر من 41% منهم في الأراضي الفلسطينية، والباقون
موزعون على سوريا ولبنان والأردن، مما جعل "الإسرائيليين" يزعمون أن الأونروا
أنشئت قبل سبعين عاما لرعاية سبعمئة ألف لاجئ، لكنها اليوم مكلفة بإدارة حياة ستة ملايين.
أكثر من ذلك، فإن "إسرائيل" تتهم
الأونروا بتضخيم أعداد اللاجئين الفلسطينيين، لأنها تستفيد من ذلك ماليا بزعم أن موازنتها
تمنح اللاجئ الفلسطيني ما قيمته أربعة أضعاف اللاجئ الآخر من باقي دول العالم، حيث
يصل نصيب اللاجئ الفلسطيني لديها 246 دولارا من متطلبات واحتياجات مقابل 58 دولارا
للاجئين الآخرين.
التقدير "الإسرائيلي" -في الآونة
الأخيرة- يذهب في اتجاه أن إنشاء الأونروا كان خطأ وبقاؤها خطأ أكبر، لأنها تروج التحريض
المعادي "لإسرائيل"، وطالما أنها موجودة فلن تتحقق تسوية سياسية وقد يمتد
الأمر عقدا أو عقدين، وأي تردد في التوجه "الإسرائيلي" الحالي لتصفيتها سيجعل
"الإسرائيليين" يدفعون أثمانا باهظة في المدييْن المتوسط والبعيد.
ولذلك ترى دوائر صنع القرار في تل أبيب
أن هناك مؤسسات دولية تابعة للأمم المتحدة كفيلة بالقيام بذات الدور الذي تنفذه الأونروا،
وبأن تقدم للفلسطينيين مساعدات إنسانية.
وهناك تبريرات أخرى تساق للدفع باتجاه تصفية
الأونروا، مثل ما يردده "الإسرائيليون" من أنها تبث مفاهيم الكراهية، وتدعم
الأنشطة المسلحة، وأن مناهجها الدراسية تحث على معاداة "إسرائيل"، وتجري
غسل دماغ للطلاب لإغرائهم بممارسة العنف ضد اليهود، وتوظّف عناصر حركة حماس بقطاع غزة
في مؤسساتها التعليمية، دون توفر دلائل على هذه المزاعم التحريضية.
وترى قطاعات متزايدة في "إسرائيل"
أن بقاء الأونروا يعني إبقاء المطالبات الفلسطينية بمحو "إسرائيل" -كدولة
يهودية- من الوجود، وتحشيد الجهد الدولي لذلك، فضلا عن قولها إن هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين
يشكلون الخزان البشري للمنظمات المسلحة.
إذ ما زالوا -بعد سبعين عاما من قيام
"إسرائيل"- موجودين في مخيمات قطاع غزة والضفة الغربية والدول العربية، في
ظروف حياة قاسية تسودها البطالة والفقر والعنف. والقادة الفلسطينيون يرون في بقاء قضية
اللاجئين -ومن ثم استمرار عمل الأونروا- سلاحا سياسيا في مواجهة "إسرائيل".
التقليصات الأميركية
فور صدور القرار الأميركي بتقليص 65 مليون
دولار من حصتها المالية المقدمة للأونروا؛ عاشت الأخيرة حالة استنفار إداري في مناطق
عملياتها الخمس: سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة.
وقد تواصل كاتب هذه السطور -خلال الأيام
الماضية- مع عدد من المصادر العاملة في الأونروا، وأبلغته بأن هذه الوكالة الدولية
قد تضطر لتقليص المساعدات الإغاثية المقدمة للاجئين خلال الأشهر المقبلة، لأنها تحتاج
شهريا ما قيمته 40 مليون دولار للاستمرار في دفع الرواتب وتقديم الخدمات.
وتطلب ذلك من الوكالة البدءَ في حالة تقشف
قاسية، لأن ميزانيتها بلغت 146 مليون دولار، منها عجز موجود منذ العام الماضي بقيمة
49 مليوناً. وسيكون من الإجراءات التقشفية الداخلية للأونروا التالي:
1- احتمال توقف دفع رواتب موظفيها.
2- وقف التوظيف اليومي بصيغة التعاقد.
3- عدم دفع بدل الدوام الإضافي.
4- وقف بدل السفر: التذكرة وتكاليفه.
5- وقف تعبئة الفراغات والشواغر، وعدم تثبيت
الموظفين.
لم تتفق "إسرائيل" على الموقف
من القرارات الأخيرة للإدارة الأميركية تجاه التقليصات المالية في موازنة الأونروا،
وانقسمت الآراء "الإسرائيلية" إلى فريقين:
1- فريق يرى أن إجراءات الرئيس الأميركي
دونالد ترمب الموجهة ضد الأونروا من شأنها أن تضع حدا للدعاية الفلسطينية، لأنه يسأل
نفسه: لماذا يضطر لدفع مليارات الدولارات لهذه الوكالة؟
ويرى هذا الفريق أن التقليصات الأميركية
هي أحد الأخبار السارة التي سمعتها "إسرائيل" في السنوات الأخيرة، ولذلك
يجب عدم التردد -أمام هذه الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر- في اقضاء على آخر رموز
هذا الصراع (الأونروا)، علما بأن "إسرائيل" ستكون قادرة على التعامل مع أي
إشكال مؤقت قد ينجم عن تصفية الأونروا، سواء أكان مواجهة عسكرية أم أزمة إنسانية.
يعتقد هذا الفريق أنه طالما أن "إسرائيل"
لا تعلم كم سيستمر ترمب في البيت الأبيض، فيجب عليها تشجيعه على تجفيف منابع الأونروا
بجهد دبلوماسي واسع، يسعى لإقناع الدول المانحة بالانضمام لمبادرة واشنطن.
هذا الرأي المساند لإجراءات واشنطن يعتقد
جازما أنه حان وقت تفكيك الأونروا، وأن أي تردد سيكون تضييعا لفرصة تاريخية، مطالبين
"إسرائيل" بألا تخشى من اندلاع مواجهة عسكرية ردا على إغلاق الأونروا، إذ
يجب على "إسرائيل" المضي قدما في توجهها الإستراتيجي مهمِلةً أي اعتبار مؤقت
لهذا الجهاز أو ذاك.
2- الفريق "الإسرائيلي" الثاني
معارض لتوجهات ترمب ضد الأونروا، ويرى أن القرار الأميركي بتقليص المساعدات المقدمة
للأونروا سيؤدي بأحوال اللاجئين بغزة والضفة الغربية (المعيشية والصحية والتعليمية)
إلى ما دون الخط الأحمر، مما قد يؤدي إلى نتائج كارثية في القطاع.
ويحذر هذا الفريق من أن تقليصات واشنطن
للأونروا قد تسفر عن انفجار شعبي فلسطيني سيجد طريقه نحو "إسرائيل" بصورة
تلقائية، أو يورط "إسرائيل" في القيام بمسؤوليات الأونروا طالما أنها القوة
الاحتلالية المسيطرة على اللاجئين الفلسطينيين.
مستقبل الأونروا
في ظل التطورات السياسية الأخيرة ولا سيما
عقب التقليصات الأميركية؛ يمكن رصد عدة اتجاهات فلسطينية وإقليمية وعالمية بشأن مستقبل
الوكالة الدولية:
1- الاتجاه الدولي الداعي لإنهائها ارتباطا
بالحلول والتسويات الجاري تنفيذها في المنطقة وخاصة "صفقة القرن"، وليس ارتباطا
بتطبيق القرار الأممي 194. وهو اتجاه يريد إنهاءها بإحدى طريقين:
أ- ربطها بالسلطة الفلسطينية بتحويل صلاحياتها
إليها تدريجيا، ومن ثم يتم إنهاؤها إنهاءً كاملاً.
ب- تحويلها تدريجيا إلى مفوضية شؤون اللاجئين
التابعة للأمم المتحدة، بحيث يتم التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين كملف إنساني مثل
لاجئي العراق وسوريا، دون أن يكون لهم بعد سياسي يميزهم عن سواهم لأنه يتعلق باحتلال
"إسرائيل" لأراضيهم، وحقهم في العودة لأراضيهم المحتلة التي هُجّروا منها.
2- الاتجاه الداعي لاستمرار عملها إلى حين
قيام الدولة الفلسطينية نتيجة لمفاوضات المرحلة النهائية، وحينئذ يمكن إنهاؤها وتحويل
مسؤوليتها عن اللاجئين إلى السلطة الفلسطينية.
3- الاتجاه الذي يعلن أنه لا يمكن إنهاء
هذه الوكالة طالما أنه لم يتم تحقيق الحقوق المشروعة للاجئين، ولم يتم تطبيق قرار
194.
والناظر إلى الاتجاهات الثلاثة يرى أن الاتجاه
الأخير هو الأكثر صوابا، فقضية اللاجئين يجب أن تبقى متسمة بالطابع الدولي، ولا يجوز
بأي حال إلغاء مسؤولية المجتمع الدولي عن عودتهم، وتحميل كل المسؤولية للسلطة الفلسطينية،
مع ضرورة المطالبة بإجراء العديد من التحسينات لمهام الوكالة.
إن أي إجراء لتصفية الأونروا سيكون دليلاً
إضافياً للاجئين على أن المجتمع الدولي تخلى عن قضيتهم، مما سيزيد يأسهم ويعزز احتمال
تفجيرهم للأوضاع، فلابد من العمل للمحافظة على وجود الأونروا كهيئة شرعية ووحيدة مبنية
على أسس القرارات الدولية المخصصة لمساعدة وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين.
لكن الموقف "الإسرائيلي" الداعي
إلى تصفية الأونروا -كمقدمة للتخلص من قضية اللاجئين التي تؤرق الاحتلال ليل نهار-
يتطلب من الفلسطينيين الحريصين على بقائها أن يستردوا حقوقهم عبر الإجراءات التالية:
1- لا بد من الحفاظ على وكالة الأونروا
كشاهد على جريمة تشريد الشعب الفلسطيني، ورفض حلها ما لم تحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً
وشاملاً.
2- لا بد من وضع نظام أساسي للوكالة يحدد
وظيفتها وعلاقاتها الهيكلية بهيئات الأمم المتحدة، مما يؤدي إلى وضع حد للعجز الدوري
في ميزانيتها.
3- محاولة عكس الموقف الدولي -الآخذ في
التبلور بسبب الضغط الأميركي- من المطالبة بحل الوكالة إلى موقف لا يقبل بحلها قبل
تنفيذ قرار 194.
4- التنبه إلى توجه بعض الدول المانحة
-بما في ذلك بعض الدول العربية- للتنصل من دعمها للوكالة، وصولا إلى تحويلها من وكالة
دولية إلى أخرى إقليمية.
أخيراً..؛ تخوض "إسرائيل" سباقا
مع الزمن لتصفية الأونروا، وهي بذلك تحاول استغلال وجود الإدارة الأميركية الحالية
التي تقف عن يمينها في النظرة إلى الأونروا.
ولئن كانت واشنطن ترى أنها غير مكلفة بإنفاق
أموالها على الأونروا انطلاقا من اعتبارات مالية؛ فإن "إسرائيل" تأخذ الموضوع
ضمن أبعاد سياسية وتاريخية، مما يشعل الأضواء الحمر أمام اللاجئين الموزعين في أرجاء
المعمورة، لأن التطورات الحاصلة تعلن بدء العد التنازلي لتصفية الأونروا وإلغاء مكانتها
القانونية.
المصدر : الجزيرة