«إسرائيل» تسرق الطفولة من أطفال فلسطين
بقلم: محمد خليفة
لم تكتفِ «إسرائيل» بسرقة أراضي الفلسطينيين ومياههم
وخيراتهم، بل سعت لسرقة الطفولة الحالمة من أطفال فلسطين بتصرفاتها اللاإنسانية.
فكل الشعب الفلسطيني بما فيه الأطفال، هم أعداء
لها، والطفل مخلوق بريء أجمعت كل الشرائع السماوية والأرضية على احترام حقوقه، وأهمها
حقه في الحياة الآمنة بين أهله، وعدم التعرض له بأذى، ولشدة ما للطفل من أهمية في بناء
المجتمعات البشرية، فقد تبنت الأمم المتحدة اتفاقية خاصة بالطفل، وهذه الاتفاقية وقعت
عليها «إسرائيل»، إلا أن هذه الدولة العنصرية المحتلة لا تعترف إلا بحقوق أطفال بني
صهيون، أما الأطفال العرب الفلسطينيون فلا حقوق لهم، وهي تعاملهم بوحشية- كما تعامل
الكبار- فتعتقلهم بشكل تعسفي، وتقوم بتعذيبهم في سجونها بشكل وحشي من دون رحمة، في
غياب تام للرقابة الأممية، فلا إدانة ولا محاسبة.
فهذه الدولة الفاشية تحتفظ بمئات الأطفال في السجون،
وهم يعانون ظروفاً غاية في القسوة والإهمال.
يقول المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ومقره
الرئيس جنيف، في تقرير له حول الانتهاكات «الإسرائيلية»، نشره في شهر يونيو/حزيران
2014: «إنّ قوات الاحتلال «الإسرائيلي» تعتقل نحو ثلاثة آلاف طفل فلسطيني سنوياً، نسبة
كبيرة منهم تتراوح إعمارهم 12-15 عاماً». وتضمن التقرير عشرات الشهادات الموثقة بالفيديو
لأطفال اعتقلوا خلال الشهور الأولى من عام 2014، حيث وصل عدد الأطفال المحتجزين مع
نهاية شهر مايو/أيار إلى 192 طفلاً.
وأشار التقرير إلى أن 75% من الأطفال الذين تحتجزهم
سلطات الاحتلال يتعرضون للتعذيب الجسدي، ويٌقدَّم 25% منهم إلى المحاكمة العسكرية.
ويلعب المستعربون، وهم فرقة بالجيش الصهيوني يتقنون
اللغة العربية واللهجة الفلسطينية، دوراً كبيراً في اعتقال الأطفال الفلسطينيين، حيث
يندس هؤلاء في الأحياء والقرى الفلسطينية، من أجل رصد من يقاوم الاحتلال، ومن ثم يستدرجون
الأطفال من هؤلاء المقاومين إلى أماكن معينة؛ ليتم اعتقالهم ووضعهم في السجون.
وقد قامت «إسرائيل» بتشكيل محاكم عسكرية لمحاكمة
هؤلاء الأطفال الفلسطينيين، وقد حوكم الأطفال المعتقلون من سن 16 حتى 18 سنة، أمام
المحاكم العسكرية «الإسرائيلية» بصفتهم بالغين، بمقتضى الأمر العسكري 132، الذي يحدد
سن الطفل الفلسطيني ب16 عاماً، بما يتعارض مع المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل
التي عرفت الطفل، بكل شخص لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، ورغم أن الأسرى دون 16 يعتبرون
أطفالاً بالاستناد للأمر العسكري رقم 132، لكن يتم تقديم هؤلاء إلى المحاكم «الإسرائيلية»
التي تحاكم الكبار، وبنفس المعايير والإجراءات، كما أنهم يُحرمون - أمام هذه المحاكم-
من ضمانات المحاكمة العادلة الخاصة بالأطفال، ويحتجز بعضهم مع الأحداث «الإسرائيليين»الجنائيين،
ويتعرّض الأطفال لتهديد وتعذيب جسدي بالضرب خلال التحقيق، وتلجأ سلطات الاحتلال المسؤولة
عن التحقيق إلى استخدام «أسلوب العزل» ضد واحد من كل خمسة أطفال تقوم باحتجازهم، كوسيلة
للضغط على الطفل أثناء التحقيق، والذي قد يمتد من 10 أيام في المتوسط، ويصل إلى ثلاثين
يوماً في بعض الحالات.
وفي مدة العزل تقوم سلطات التحقيق بوضع الطفل
وحيداً في «زنازين» ضيقة المساحة، ولا تسمح لأي أحد بمقابلته، بما في ذلك محاميه، كما
أن جدران الزنازين ملوَّنة باللون الرمادي، وتحتوي على نتوءات تجعل من الصعب على الطفل
الاستناد إلى الحائط.
وفي مراكز التحقيق يتم تعذيب الأسرى من الأطفال
بضربهم وتخويفهم؛ ليعترفوا بتهم لم يقوموا بها، كذلك يتم تهديدهم بالتعذيب أكثر وأكثر،
ليعترفوا ويشهدوا ضد أصدقائهم ومعارفهم، ويقوم المحققون «الإسرائيليون» بإخضاع الأسرى
الأطفال لجولات تحقيق مستمرة، وعديدة لساعات طويلة، وهم جالسون على كرسي قصير، مقيدي
الأيدي للخلف، ومكبلي الأرجل وأحياناً معصوبي الأعين، وفي بعض مراكز التحقيق يقوم السجانون
اليهود بجعل الأطفال يقفون لساعات طويلة تحت المطر في أيام الشتاء، وفي أجواء البرد
القارس، وفي النهاية لا بد من أن تعرض المخابرات «الإسرائيلية»- مستخدمين الترغيب تارة
والترهيب تارة أخرى - على أغلب الأسرى الأطفال التعامل معها كمخبرين، أو كعملاء لمصلحة
الاحتلال. ولا يتوانى المحققون عن استخدام الصعقات الكهربائية، والكي بالسجائر، وإجبار
الأسير الطفل على شرب الماء الساخن خلال التحقيق.
ومعظم الأسرى الأطفال يتم اقتيادهم إلى المستوطنات
الموجودة في الضفة للتحقيق معهم.
وهناك تقوم محاكم التفتيش الصهيونية بتعذيب هؤلاء
الأطفال من دون أي رقابة، وقد يموت الطفل تحت التعذيب، ولكن المحققين الصهاينة لا يعبأون
بمن يموت، حيث يدعون أنه مات ميتة طبيعية، وأما من يصمد- بعد هذه القسوة والوحشية
- أمام التحقيق، فإنه يجبر على التوقيع على إفادة باللغة العبرية، ولا يعرف ما هو مضمونها،
وبالطبع هي إفادة بإدانته، وتقوم «إسرائيل» بهذا الإجراء من أجل الزعم أمام اللجان
الدولية أن هؤلاء الأطفال خطرون ومجرمون، وينبغي توقيفهم حفاظاً على الأمن والسلم الأهلي
في الضفة و«إسرائيل».
وتحرم سلطات الاحتلال الأطفال المعتقلين في سجونها
من حقهم في التعليم، وحتى لو قامت هذه السلطات بتعليمهم، فإنها تقدم لهم مناهج معادية
للشعب الفلسطيني، ومعادية للتاريخ العربي والإسلامي معاً، وهي المناهج التي يتعلمها
أطفال «إسرائيل» في المدارس، كما أن الأطفال الفلسطينيين الأسرى يمنعون من العلاج في
حال تعرضهم للمرض، وترفض سلطات وإدارات السجون إخراج هؤلاء إلى عيادات السجن، وحتى
إن أخرجتهم فإنهم يتعرضون للضرب والشتائم والمضايقات حتى من الأطباء والممرضين.
كذلك، فإن إدارات السجون لا توفر طبيباً مقيماً
بشكل دائم في عيادة السجن. ولا تزال سلطات الاحتلال تماطل وترفض إجراء عمليات جراحية
للأطفال المصابين بأمراض تستدعي إجراء عمليات جراحية فورية.
إن ما تقوم به دولة الاحتلال من جرائم بحق الأطفال
الفلسطينيين، يستدعي من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والعربية المختصة، التحرك
لوقف هذه الجرائم، وللأسف، فإن حلفاء «إسرائيل» الغربيين يسوّغون لها كل أفعالها ضد
الشعب الفلسطيني، لا بل يقدمونها كحمل وديع وكجنة للديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط،
وبئس ما يفعلون.
المصدر: الخليج