"إسرائيل" والاغتيالات.. إستراتيجية لإظهار
الهيبة والردع
حلمي موسى
عادت "إسرائيل” بقوة إلى سياسة الاغتيالات التي ارتدت في
حرب "الجرف الصامد" طابعاً جديداً تمثل باغتيال عائلات بكاملها وإزالة
لأية كوابح قانونية أو أخلاقية في التعاطي معها. فقد أجّل رئيس الحكومة
الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مؤتمراً صحافياً لساعات على أمل الحصول على معلومات
مؤكدة باغتيال القائد العام لـ"كتائب القسام" محمد الضيف برغم علمه أن
الاستهداف كان لبيت سكني من ثلاثة طوابق. وقد ذهبت ضحية هذا القصف زوجة الضيف
وابنه وابنته فضلا عن ثلاثة أفراد من عائلة الدلو.
ولكن نتنياهو كان بحاجة إلى اغتيال الضيف ليقدم للجمهور
الإسرائيلي ولأعضاء وزارته "صورة النصر" ما يشفي غليلهم ويصبّرهم على
استمرار الحرب. وفي اليوم التالي تنفس نتنياهو وطاقمه الأمني الصعداء عندما تبين
لهم نجاح أجهزتهم في اغتيال ثلاثة قياديين لحماس في منطقة رفح حتى لو أدى ذلك إلى
شطب عائلات بكاملها في تلك المنطقة.
وبديهي أن ليس في الاغتيالات ما يعتبر جديدا بالنسبة الى
"إسرائيل” سوى الغايات التي تنشدها من ورائها. فقد كانت الاغتيالات على مر السنين
جزءاً من عقوبة ومظهراً للهيبة والردع. وهي اليوم جزء من إستراتيجية مُقرة من جانب
الحكومة الإسرائيلية لإجبار حركة حماس على التنازل والقبول بالاشتراطات
الإسرائيلية لوقف النار.
في الجيش الإسرائيلي ومنذ الأيام الأولى لحرب
"الجرف الصامد" شعروا بالإحباط لعدم نجاحهم في اصطياد أي من قادة حماس
السياسيين أو العسكريين ولو على مستوى قائد منطقة. ويعتبر الخبير العسكري عمير
ربابورات أن الاغتيالات غدت أسلوبا إستراتيجيا لإسرائيل في مكافحة المقاومة، وهي
ليست عمليات تكتيكية. وأشار إلى أن الاغتيال غدا اسلوباً استراتيجياً تحديداً في
التعاطي مع حركة حماس خصوصا في فترة 2002-2004.
وتحاول "إسرائيل” التأريخ لمنهج الاغتيالات الذي تتبعه
ليس من فترة العصابات وإنما من فترة الدولة. وترى أن البداية كانت حينما لاحقت
بتفجيرات الشهيدين المصريين من سلاح الاستخبارات، مصطفى حافظ في غزة وأحمد عبد
العزيز في الأردن. وقد اتهمتهم حينها بتنظيم "كتائب الفدائيين
الفلسطينيين" الذين زرعوا الرعب في المستوطنات الإسرائيلية خصوصا قبل العام
1956. كما أن الموساد الإسرائيلي مارس الاغتيالات في مطلع الستينيات على نطاق واسع
في محاولته منع مصر من امتلاك قدرات صاروخية حينما نفذ اغتيالات ضد علماء ألمان
كانوا يعملون في مصر. وبعدها كانت الاغتيالات لفلسطينيين وعرب على أرضية ملاحقة
المقاومين تارة وملاحقة العلماء خصوصا في المجال النووي تارة أخرى.
ومع الفلسطينيين، انتقلت الاغتيالات من الفردي والحذر
إلى الجماعي والكبير. حدث هذا وقت تواجد المقاومة الفلسطينية في لبنان في
السبعينيات وباستخدام أساليب مختلفة من عمليات الكوماندوس إلى القصف الجوي وتفجير
السيارات الملغومة.
وفي ذلك الوقت، أقرّت "إسرائيل” خطة أسمتها "غضب
الله" للتخلص ممن كانت لهم أية صلة بعملية ميونيخ ضد الرياضيين الإسرائيليين
والتي نفذتها مجموعة فلسطينية عملت باسم "أيلول الأسود". وربما أن بين
أبرز العمليات التي جرت في الثمانينيات ما جرى في مطلع الانتفاضة الفلسطينية
الأولى، عندما تم اغتيال قادة كبار أمثال الشهيد أبو جهاد الوزير (خليل الوزير)
واستهداف مقر منظمة التحرير في العاصمة التونسية بالطائرات.
وطورت "إسرائيل” بعد ذلك سياسة الاغتيالات في تعاملها مع
المقاومة اللبنانية، خصوصا مع "حزب الله"، حيث اغتالت في العام 1992
أمينه العام السابق الشهيد السيد عباس الموسوي مع أفراد من عائلته بصاروخ من الجو.
وقبل عملية "غضب الله" كانت الاغتيالات محصورة
ضمن علاقة غير محددة بين الاستخبارات الإسرائيلية ورئاسة الحكومة. ولكن بعد عملية
ميونيخ، عمدت رئيسة الوزراء آنذاك، غولدا مئير إلى تشكيل لجنة وزارية أسميت
"لجنة إكس"، وضمت إلى جانب مئير وزير الدفاع موشي ديان ووزير التعليم
يجئال ألون ووزير الدولة "إسرائيل” جليلي بهدف إقرار الاغتيالات التي عهد بتنفيذها
إلى وحدة "قيساريا" في "الموساد".
وبعد ذلك، طورت "إسرائيل” من سياستها تجاه الاغتيالات
ولم تعد تنظر إليها بوصفها أداة جزئية في الحرب ضد ما تصفه بالإرهاب. ولم تتورع عن
تنفيذ اغتيالات، ليس فقط في دول عربية معادية، وإنما في كل مكان بما في ذلك كبريات
العواصم العالمية.
وقد غدت الاغتيالات سياسة عامة مجهّزة بأفضل القانونيين
والخبراء والمنفذّين في التسعينيات بعد اتفاقيات أوسلو. وكان بين أبرز من تم
اغتيالهم في الوطن المهندس يحيى عياش في العام 1996، وخارجه في مالطا الدكتور فتحي
الشقاقي. وبررت "إسرائيل” هذه الاغتيالات واتساع نطاقها بنوعية الخطر الذي بات
يتمثل في موجة الاستشهاديين، حيث أرادت ملاحقة من يقفون خلف هذه الظاهرة بقصد ردع
التنظيمات عن مواصلة انتهاجها.
وفي التسعينيات أدخلت "إسرائيل” إلى الاستخدام تعبير
"القنبلة الموقوتة"، والمقصود به الخطر الآتي من شخص على وشك الانفجار.
وبحسب معطيات منظمة "بتسيلم"، فإن "إسرائيل” اغتالت عبر ما تسميه
"الإحباط المركز" 427 فلسطينياً منذ العام 2000 إلى العام 2012. ومعروف
أن أحد بنود الاتفاق بين المقاومة في غزة وإسرائيل الذي رعته مصر في عهد الرئيس
المعزول محمد مرسي في العام 2012 كان حظر الاغتيالات.
وكانت جمعيات إسرائيلية لحقوق الإنسان قد التمست مراراً
لدى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد الاغتيالات، باعتبارها إعداماً من دون محاكمة،
خصوصاً حينما يكون الضحية في وضع لا يشكل فيه خطراً مباشراً.
ولكن المحكمة العليا الإسرائيلية رأت في أواخر العام
2006 أن لإسرائيل الحق في ظروف معينة بتنفيذ اغتيالات لناشطين في الأراضي المحتلة.
واعتبرت المحكمة أنه طالما يؤدي هؤلاء نشاطاً فاعلاً في العمليات العدائية، فإنهم
يشكلون أهدافاً مشروعة للاغتيال. ومع ذلك قررت المحكمة وجوب تحديد قانونية كل
اغتيال على حدى، والتأكد من وجود مواد إدانة ونية لإيذاء إسرائيل.
ومن الواضح أن الاغتيالات أثارت على الدوام سجالاً في "إسرائيل”
حول جدواها. وتعاظم هذا السجال أساساً عندما اغتالت "إسرائيل” في تموز العام 2002
القيادي في حماس الشهيد صلاح شحادة في قصف جوي لبيته أودى بحياة أكثر من 15 آخرين
من النساء والأطفال. واعتبر كثيرون في العالم أن هذا الاغتيال جريمة حرب، وتمت
ملاحقة عدد من الضالعين في إقرار وتنفيذ هذا الاغتيال في عدد من المحاكم في
العالم.
وكانت "إسرائيل” نجحت في اغتيال الزعيم الروحي لحركة
حماس الشيخ أحمد ياسين في العام 2004. في تموز العام 2006 جرت محاولة لاغتيال محمد
ضيف وآخرين بقصف منزل تواجدوا فيه في غزة.
وخلال ذلك الشهر، بذل الجيش الإسرائيلي أقصى جهوده
لاغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في عدوان تموز
بعد عملية أسر الجنود الثلاثة.
وفي العام 2008 أفلحت "إسرائيل” في تصفية حساب طويل لها
مع الشهيد عماد مغنية، وشكل اغتيال قائد القسام أحمد الجعبري الضربة الافتتاحية
لحرب "عمود السحاب" في العام 2012.
وتعتبر محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد
مشعل في العام 1997 من أبرز محاولات الاغتيال الفاشلة لإسرائيل. لكن اغتيال
القيادي في حماس الشهيد محمود المبحوح في دبي في العام 2010 تعتبر أشد الاغتيالات
فشلاً بسبب ما أجرته من مشاكل على "إسرائيل” جراء كشف رجالها وأساليبهم في تزوير
جوازات السفر الأوروبية واستخدامها في عمليات أمنية.
المصدر: السفير