القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة

إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة

نقولا ناصر

فجأة، أصبحت إعادة السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس إلى قطاع غزة شرطا مسبقا لائتلاف واسع يضم دولة الاحتلال الإسرائيلي وراعيها الأميركي وتابعه الأوروبي وكذلك الوسيط المصري وداعميه العرب من "الشركاء" في "عملية السلام" من أجل وقف العدوان المستمر على القطاع منذ الثامن من تموز الماضي ورفع الحصار عنه وإعادة إعماره.

وكان هذا "الشرط المسبق" هو الهدف المعلن لهذه القوى كافة وللسلطة الفلسطينية ذاتها وللرئيس عباس نفسه منذ نجحت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مدعومة بانتصارها الانتخابي عام 2006، في تحويل قطاع غزة إلى قاعدة للمقاومة الوطنية فكّت ارتباطها باتفاقيات (أوسلو) ومفاوضاتها الكارثية، كما كان الهدف المعلن للحصار الخانق والعقوبة الجماعية التي فرضتها دولة الاحتلال على القطاع منذ ذلك الحين وللحروب العدوانية الثلاثة التي شنتها على القطاع خلال السنوات الست الماضية منذ عام 2008.

والمفارقة أن الشق العربي في هذا الائتلاف وعاموده الفقري الأميركي قد وقفا عاجزين عن دعم السلطة ورئيسها، حيث من المفترض وجود سلطة لهما في الضفة الغربية، عندما خذلت دولة الاحتلال عباس، وأعلنته "غير شريك" في المفاوضات فأجهضت جولتها الأخيرة التي استمرت تسعة أشهر، لتخيره بعد ذلك بين (السلام مع إسرائيل) وبين "المصالحة مع حماس"، وتطالبه ب"حل" حكومة الوفاق الوطني، وتستبيح مناطق سلطته، فتعتقل المئات، منهم أسرى محررون وأعضاء في المجلس التشريعي، في خطوة استباقية لمنع كوادر المقاومة الناشطة من تحريك أي تفاعل في الضفة الغربية مع المقاومة في القطاع في عدوانها اللاحق عليه.

وكانت وزارة خارجية دولة الاحتلال في الخامس من حزيران الماضي قد بعثت بمذكرة إلى سفرائها في الخارج تتضمن تعليمات لهم بمطالبة الحكومات الأجنبية بالضغط على عباس للالتزام بمبادئ الاعتراف بدولة الاحتلال واحترام الاتفاقيات الموقعة معها ونبذ العنف في كل المناطق الخاضعة لسيطرته و"منها قطاع غزة".

والمفارقة الثانية أن المقاومة، وليس هذا الائتلاف، هي التي أخرجت عباس من العزلة التي حاولت دولة الاحتلال فرضها عليه وسط تهديدات صريحة بتكرار سيناريو "التخلص" من الرئيس السابق ياسر عرفات معه، وأعادت الثقة الشعبية في السلطة التي يرأسها، من خلال اتفاق المصالحة على أساس الشراكة الوطنية، ومن خلال صمودها البطولي في وجه العدوان الذي فشل في تحقيق كل أهدافه المعلنة، التي يحاول الآن تحقيقها سياسيا بعد فشله في تحقيقها عسكريا بادعاء حرصه على إعادة السلطة إلى القطاع، في محاولة مكشوفة كي يستنسخ في القطاع نموذج السلطة المجردة من أية سلطة في الضفة الغربية.

وقوى هذا الائتلاف التي وقفت متفرجة على تفريغ السلطة الفلسطينية من أية سلطة لها في الضفة الغربية تهب اليوم منفردة ومجتمعة مطالبة بإعادة السلطة إلى قطاع غزة. إنه مطلب حق يراد به باطل وفخ يستهدف فرط الإجماع الفلسطيني على مطالب المقاومة في القطاع.

فصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية تتحدث عن مقترح مصري للتهدئة يعيد السلطة إلى قطاع غزة "بالتدريج"، ووزير مالية دولة الاحتلال يائير لبيد يقترح خطة تشترط "نقل السلطة" من حركة حماس إلى عباس كي تسمح دولة الاحتلال بإدخال المساعدات إلى القطاع، ورئيس دولة الاحتلال السابق شمعون بيريس يدعو المجتمع الدولي إلى اعتماد وثيقة تفوّض بتجريد غزة من السلاح وتعيد السلطة برئاسة عباس إلى القطاع كحكم "شرعي وحيد" له، وتسيبي ليفني وزيرة القضاء في حكومة الاحتلال تقترح خطة لاستئناف المفاوضات تتضمن إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة.

وعلى ذمة "النيويورك تايمز" في الثاني عشر من الشهر الجاري، "جاء الدليل على حدوث تغيير في السياسة الإسرائيلية بوصول نائب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية زياد أبو عمرو يوم الثلاثاء" الماضي إلى غزة بعد رفض متكرر لمنحه وغيره من وزراء حكومته تصاريح دخول إلى القطاع، لتقتبس الصحيفة الأميركية من مقابلة لها معه إعرابه عن أمله في أن يكون "الإسرائيليون يغيرون رأيهم ويرفعون الحظر المفروض على حكومة الوفاق الوطني".

لكنه مطلب لا يحظى بثقة المقاومة والالتفاف الشعبي حولها المعمد بدماء أكثر من عشرين شهيدا سقطوا برصاص قوات الاحتلال في الضفة الغربية منذ بدء العدوان الأخير على القطاع، أولا لأنه يلتف على إعادة السلطة للقطاع بالشراكة مع المقاومة حسب اتفاق المصالحة الوطنية، وثانيا لأن أصحابه يطرحونه كشرط مسبق لتجريد القطاع من المقاومة وسلاحها لرفع الحصار عنه وإعادة إعماره بإشراف السلطة الفلسطينية التي لم يؤهلها تجريدها من السلاح والتزامها بنبذ المقاومة والعنف لرفع الحصار عنها، وثالثا لأن الرئيس عباس لم يعلن حتى الآن طلاقا بائنا مع استراتيجيته السابقة الملتزمة بشروط دولة الاحتلال المعروفة للتفاوض والتي تبنتها "الرباعية" الدولية.

وإذا كانت تفاصيل كل المطالبات التي صدرت حتى الآن بإعادة السلطة إلى غزة غير معلنة وصادرة عن الاحتلال أو جهات تفتقد الصدقية لدى الفلسطينيين، فإن ما نشرته "هآرتس" العبرية و"الوول ستريت جورنال" الأميركية عن تفاصيل المبادرة الأوروبية المكونة من صفحتين التي سلمت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا نسخة منها إلى مستشار الأمن القومي لدولة الاحتلال، يوسي كوهين، في السابع من الشهر الجاري يسوغ تماما عدم الثقة الفلسطينية في مثل هذه المطالبات.

فهذه المبادرة الأوروبية المعنونة "غزة: دعم وقف مستدام لإطلاق النار"، تقترح إعادة السلطة إلى غزة على أساس خمسة مبادئ، أولها منع تسليح وتقوية حركات المقاومة في القطاع وحركة حماس أولها، وثانيها إعادة إعمار القطاع بالتعاون مع المجتمع الدولي والسلطة الفلسطينية، وثالثها إنشاء آلية دولية لمنع دخول المواد المحظورة إلى القطاع والتأكد من عدم وصول المواد مزدوجة الاستعمال العسكري والمدني، مثل الاسمنت والحديد، إلى حركات المقاومة، ورابعها إعادة السلطة الفلسطينية و عباس إلى قطاع غزة، وخامسها إمكانية إعادة البعثة الأوروبية للمساعدة في إدارة معبر رفح مع مصر إلى جانب حرس الرئاسة الفلسطيني.

وهي تقترح كذلك إنشاء "بعثة مراقبة وتحقق" بتفويض من الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة تشرف على تفكيك الأنفاق بين القطاع وبين دولة الاحتلال، وتراقب استيراد المواد مزدوجة الاستعمال، وتساعد في عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع. والهدف الرئيسي للمبادرة هو إعادة السلطة إلى القطاع، ويقول أصحاب المبادرة إنهم "ملتزمون بقوة" بالمبادرة المصرية وإن مبادرتهم يمكن أن تكون أساسا لمشروع قرار يصدره مجلس الأمن الدولي.

ومن الواضح أن هذه المبادرة والمطالبات المماثلة بإعادة السلطة إلى القطاع إنما تسعى إلى استثمار تضحيات الشعب الفلسطيني في غزة للالتفاف على المقاومة وتجريدها من سلاحها وانتصارها، ودق إسفين بينها وبين الرئاسة الفلسطينية، ما يستدعي كلمة فصل جلية واضحة من الرئاسة تبدد أية شكوك فلسطينية في احتمال التعامل معها، لتأكيد ما أعلنه عضو مركزية حركة فتح عباس زكي الخميس الماضي عن الاتفاق في القيادة الفلسطينية على أن "نزع سلاح المقاومة خيانة".

المركز الفلسطيني للإعلام