إعلان "باب الشمس"
بقلم: هشام دبسي *
"نعلن نحن أبناء فلسطين من كافة أرجائها عن إقامة قرية "باب الشمس" بقرار من الشعب الفلسطيني، بلا تصاريح الاحتلال، وبلا إذن من أحد لأنها أرضنا ومن حقنا إعمارها".
بمقتضى هذا الإعلان نصب نشطاء المقاومة السلمية خيامهم الأسبوع الماضي على الأرض نفسها التي أراد نتنياهو وحكومته بناء أربعة آلاف وحدة سكنية استيطانية عليها.
المبادرة الفلسطينية استنفرت حكومة نتنياهو، ولم تنتظر قرار المحكمة الإسرائيلية بإجازة الإخلاء بالقوة، بل استعملت المروحيات وأعداداً غفيرة من الجنود لاعتقال النشطاء الفلسطينيين وإجبارهم على إخلاء قرية التحدي.
نعم إعلان "باب الشمس"، إعلان تحدي الاستيطان والاحتلال في منطقة "E1" الممر الجيوسياسي الأكثر حساسية في الضفة الغربية.
إنها ثلاثة عشر كيلومتراً مربعاً باقية، في خراج قرى شرق القدس (أبو ديس، العيساوية، العيزرية، الطور، عناتا). وتشكل المعبر الوحيد بين جنوب الضفة وشمالها. وفي حال استطاع الإسرائيلي البناء عليها فإن التواصل الاستيطاني من شرق القدس حتى البحر الميت يحول الضفة الغربية إلى شطرين منفصلتين، ويلغي إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة ويعزل مدينة القدس.
لذلك جاءت المبادرة النضالية بطابعها السلمي لتعبر عن الإصرار الفلسطيني على مقاومة الاحتلال؛ وإن كانت التجربة الخاطفة لإنشاء قرية "باب الشمس" تدل على شيء، فإنما تدل على إمكانية تطوير وسائل المقاومة السلمية، لتصبح مقاومة شعبية واسعة للاحتلال، تستهدف كافة إجراءاته وترقى إلى مستوى الفعل المنهجي المتواصل، وهذا الأسلوب النضالي هو القاسم المشترك المتفق عليه وطنياً ويصلح لاعتماده استراتيجية عمل للجميع.
كما أن النتائج المباشرة، لما جرى يظهر قدرة المبادرة الفلسطينية على صناعة الحدث، وإجبار الإسرائيلي على التصرف من موقع رد الفعل، بما يصاحب ذلك من آثار سلبية.
إن كسب معارك صغيرة، سياسياً وإعلامياً هو سبيلنا لإحداث تغيير نوعي على المدى الطويل وهذا يحتاج لتوسيع المشاركة الشعبية وتنوعها.
لقد أظهرت التجربة الأخيرة لقرية "باب الشمس" تراجع حجم المشاركة للمتضامنين سواء الإسرائيليين منهم أم الدوليين، وهذا يؤكد الحاجة إلى عودة النشاط الفلسطيني لتحفيز حركات التضامن مع قضيتنا لما لها من أثر على الرأي العام الدولي والإسرائيلي معاً.
إن السلوك القمعي، واعتقال الناشطين، وإجبارهم على إخلاء المكان، يفضح ويكشف السلوك العنصري الإسرائيلي ويجبره على دفع ثمن سلوكه بالمدى المنظور أو البعيد. كما أن التحدي الناتج عن المقاومة السلمية يفقد قادة وجنرالات إسرائيل ميزة إطلاق فزاعة الخطر الوجودي في الوعي الإسرائيلي، ويحرمهم من حشد المجتمع الإسرائيلي خلفهم.
وفي خلاصة ليست أخيرة تطرح تجربة "قرية الشمس" أهمية إنجاز المصالحة بأسرع وقت ممكن حيث إننا مقدمون على استحقاقات كبيرة أبرزها ما يجري الإعداد له في وزارة الخارجية الأميركية وكذلك في البنتاغون من تغييرات أساسية فضلاً عن النتائج المرتقبة للانتخابات الإسرائيلية، بالإضافة إلى مصير الصراع في سوريا وأثره على المحيط الإقليمي. إن ما تقدم يستدعي فلسطينياً الإسراع بتحضير الوضع الداخلي لمواجهة مديدة ومريرة تُحشد لها الطاقات الشعبية في الوطن والشتات. لكن الوضع القائم غير ذلك وأسلوب معالجة قضية الانقسام الداخلي ما زالت أقل من المطلوب للمواجهة مع الإسرائيلي ولمعالجة معضلات الشتات حيث تتفاقم أزمة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وتنذر بتأثيرات سلبية على أوضاع المخيمات الفلسطينية اللبنانية.
لقد انتظر الفلسطيني من لقاء القاهرة بين الرئيس محمود عباس وزعيم حركة "حماس" خالد مشعل اختراقاً يلبي متطلبات الوضع الصعب وعلى الأقل انتظر الشارع الفلسطيني نتائج تؤدي إلى تغيير ملموس يفتح باب المصالحة على مصراعيه، لكن التصريحات المتفائلة لم تثمر بما يناسبها من إجراءات، حيث لا جديد بترحيل أمر المصالحة إلى لقاء قادم بين الوفدين لبحث سبل وآلية تنفيذ الاتفاقات السابقة، فهذا هو عنوان الفشل بعينه، وهذا هو شكل إخراج المراوحة في المكان للحفاظ على لغة المصالحة واستمرار الانقسام، ما يؤدي فعلاً إلى منطق التعايش مع الانقسام وهذا أخطر من الخصام نفسه.
إن الخلاف على آليات التنفيذ هو جوهر المسألة الآن وليس نصوص الاتفاقات السابقة، وما كان ينبغي أن يتم اللقاء على مستوى الرئيس محمود عباس إذا لم ينتج عنه اختراق حقيقي، لأن مقاربة المسألة كما جرى في لقاء القاهرة تأسيس لسابقة لا ينبغي أن تكرس فلسطينياً، لأن لقاء قادة فتح و"حماس" على هذا المستوى يترك انطباعات قوية لدى الشعب الذي ينتظر نتائج ليست كالتي ظهرت أخيراً، ما يؤدي إلى إحباط وفقدان ثقة وعدم اكتراث باللقاءات الجديدة إن حصلت. فالمسألة ليست مسألة إعلامية أو رهن احتياجات سياسية لأطراف ثالثة أياً تكن درجة الحرص والمساعدة للأطراف الثالثة، عربية أو إقليمية.
وفي البحث عن أسباب هذا الفشل في تقديم هدية المصالحة للشعب، كثر الحديث عن اعتراض حركة "حماس" على تنفيذ الاتفاق الداعي لتشكيل حكومة مهمتها إجراء الانتخابات، والمطالبة بتشكيل إطار قيادي مؤقت لتطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي هذا المجال نلحظ أن نائب رئيس المجلس التشريعي أحمد بحر يقول إن "أي حكومة تحتاج إلى ثقة التشريعي وبدون ذلك باطلة دستورياً". وهذا صحيح من حيث المبدأ لكن الصحيح أيضاً هو الإجابة عن السؤال من يمنع المجلس التشريعي من العمل، الرئيس أبو مازن أم إسرائيل؟!! وإذا كان تشكيل حكومة مستقلين لها مهمة واحدة هي إجراء الانتخابات تحتاج إلى شرعية المجلس الذي تعطله إسرائيل بإجراءاتها القمعية، فكيف الحال إذا كان الأمر يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية برمتها، ألا تحتاج المسألة لشرعية الشعب نفسه أولاً؟!! أي التوجه للانتخابات المباشرة، لإعادة إنتاج الشرعية المغدورة.
لكن لماذا الخوف من الانتخابات، ومن الحكم الشعبي الفاصل بالقضايا جميعها وهو مصدر السلطات؟!! في هذا المجال نلحظ الإجابة في مقال نقدي جريء وحوار مع جريدة "الأيام" الصادرة في رام الله في 10/1/2013 أجاب أحد قياديي حركة "حماس" في غزة يحيى موسى بما يلي: "حماس تحتاج لإجراء نقد ذاتي ومحاسبة ومراجعة مستمرة كجزء من عملية منهجية وإدارية رشيدة". أضاف: "هناك معادلة غير مفهومة فلا أحد يستطيع أن ينكر ما حققته حماس في السنوات الأخيرة من انتصارات واضحة، إلا أنها لم تحصد نزوحاً جماهيرياً إليها، في حين أن حركة فتح التي تفتقد إلى القيادة وتنقسم على ذاتها (كما يقول) تحافظ على شعبيتها وأنصارها".
ربما هذا القول يفسر الحالة الفلسطينية الراهنة، حالة المراوحة والتعايش مع الانقسام. وهذا ما لا يقبله الشعب وما يتنافى مع أبسط تقاليد العمل الديموقراطي.
* كاتب فلسطيني
المصدر: المستقبل